إسلاميو الجزائر يوظفون القضاء لإسكات خصومهم

تتجه الأنظار في الجزائر إلى محاكمة باحث وإعلامي سابق بتهمة الإساءة إلى الدين بعد تحريض التيار الإسلامي ضده، في خطوة تكشف مرة أخرى استغلال هذا التيار لورقة الدين لتصفية الحسابات مع خصومه المناوئين له، فيما تتوجس الأوساط الحقوقية من تضييق الخناق على الحريات والعودة بالبلاد إلى الوراء بجرها نحو مربع العنف والاحتقان الاجتماعي.
الجزائر - تنظر محكمة “سيدي امحمد” بالعاصمة الجزائرية في الخامس والعشرين من شهر فبراير الجاري، في قضية أثارت اهتمام الشارع الجزائري، واستحضرت زمن محاكم التفتيش في مطلع الألفية الثالثة، بعد الشكوى المقدمة من طرف بعض الإسلاميين ضد الباحث في شؤون الدين سعيد جاب الخير.
وأبانت القضية، التي رفعها بشير بويجرة عبدالرزاق وهو أستاذ جامعي ينتمي إلى التيار السلفي استنادا للحق المدني، فيما تطوع للمرافعة عدد من المحامين المحسوبين على التيار الإسلامي، عن أزمة سياسية واجتماعية عميقة في المجتمع الجزائري، بعد الترحيب الذي قوبلت به الدعوى، بحجة أن المدّعى عليه تطاول كثيرا على الدين الإسلامي وعلى رموزه ومقدساته.
وتتطلع الأنظار إلى الخامس والعشرين من الشهر الجاري، في أكبر المحاكم شهرة بالبلاد، للتداول في القضية التي وجه أصحابها تهم الإساءة إلى معلوم من الدين، والتهكم على آيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية، والمساس بشعائر دينية كالصوم والحج والأضحية.
ويُعتبر سعيد جاب الخير، الإعلامي السابق والباحث في الدين، واحدا من الشخصيات المثيرة للجدل، بسبب مواقفه وتصريحاته تجاه العديد من القضايا الدينية، ومؤسسا لمنتدى التنوير، الذي تبنى خطا معاكسا للإجماع القائم حول ما يعرف بـ”الموروث الديني”، وله العديد من المؤلفات في التصوّف والتاريخ الإسلامي والإسلام السياسي.
وحظي الرجل بدوره بحملة تضامن من طرف نخب سياسية وإعلامية وأكاديمية، حيث عبرت العديد من الشخصيات المستقلة، وحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، عن تضامنها معه، وحذرت من توظيف القضاء في مسائل فكرية وعقائدية يعيد البلاد إلى زمن العشرية الدموية (1990- 2000)، التي راح ضحيتها ربع مليون جزائري بسبب التطرف الديني وما وصف بـ”جنون” الإسلام السياسي.
واستقطبت القضية جدلا حادا على شبكات التواصل الاجتماعي، بين مرحبين بالقضية المرفوعة لدى القضاء، بدعوى “وقف التطاول والازدراء بالدين”، وبين محذرين من مغبة الانزلاق إلى مستنقع عنف جديد يحجر على أفكار ومعتقدات الآخرين.
الأصوات تتعالى لصد موجة الحجر على الحريات الفردية والجماعية التي يقودها إسلاميون ضد كل من يخالفهم الرأي
ودعا أستاذ الفلسفة رزقي قاسم، في تدوينة له على حسابه الخاص في فيسبوك، إلى “نقل الجدال إلى الأفكار والحجج بدل الذهاب إلى المحاكم، لأن الأفكار سواء كانت عند هذا الشخص أو ذاك، لا بدّ أن تجابه بفكرة أخرى، وإلا كنا على أعتاب محاكم تفتيش جديدة، وأن الردع أو العقوبات لا تقضي على الفكرة في نهاية المطاف”.
وتعدّ هذه الحادثة الثانية من نوعها خلال أشهر قليلة بالجزائر، حيث سبقتها محاكمة مماثلة لناشط سياسي معارض تعلقت بالتحريض على الإلحاد والإساءة إلى الدين الإسلامي، حيث نطقت محكمة خنشلة في شرق البلاد بعقوبة بالسجن لمدة عشر سنوات نافذة في حق ياسين مباركي، قبل أن يتم تقليصها إلى ستة أشهر فقط عند الاستئناف.
وصرح عبدالرزاق، أن “الأمر أخذ أبعادا أخرى لم تكن هي المرجوة من الخطوة”، وأنه “من حق أي شخص رفضُ توجهٍ أو فكرة وله أن يتضامن مع فكرة أخرى إلا أن الإشكال يكمن في الطرح”.
وأضاف قائلا “إن هنالك عددا كبيرا من الصحافيين والمحامين المتضامنين مع القضية والعكس أيضا، وذلك أمر طبيعي، لكن التجاوزات التي تصدر من قبل البعض تبقى مرفوضة، لأنهم نقلوا الأمر إلى السب والتشهير، وذكر أمور غير أخلاقية”.
ولفت المتحدث إلى أن “قانون العقوبات واضح وجلي ولا يحتاج إلى توضيح ومفاده أنه يعاقب بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبغرامة تعادل من 400 إلى 800 دولار أميركي، كل من أساء إلى رسول الإسلام، أو بقية الأنبياء أو استهزأ بالمعلوم من الدين بالضرورة أو بأية شعيرة من شعائر الإسلام، سواء عن طريق الكتابة أو الرسم أو التصريح أو أية وسيلة أخرى”.
واستند الطرف المدني في القضية، إلى ما يعرف بقضية مدير الثقافة السابق في ولاية (محافظة) المسيلة، رابح ظريف، الذي تحدث في منشور له على فيسبوك، عن قضية المناضل التاريخي عبان رمضان، والفيلم السينمائي الموقوف عن البث حول شخصيته (المناضل)، وقارن بين رابح ظريف، وبين التصريحات المتتالية لجاب الخير.
وألمح إلى “عدم استقامة معاقبة من ينتقد شخصية تاريخية، والعكس مع من ينتقص من الأمور الدينية ويقول إن أحداث الأنبياء والرسل هي من الأساطير والخرافات، ويرى في ذبح الأضاحي أمورا وثنية، ويتهجم على أمور تتعلق بالدين (…) أكيد هناك خلل في تجسيد القوانين”.
والتمس المتحدث من القضاء أن “يجسد القانون بحذافيره، فنحن لا نحتاج إلى قوانين جديدة لأن القوانين الحالية كافية، ودولة القانون تُبنى بتطبيق القانون وليس بتأليفه”.
وفي المقابل تصاعدت أصوات نخبوية تدعو إلى الوقوف بجانب الباحث جاب الخير، حماية لمكسب حرية الرأي والتفكير والاعتقاد المكفولة في دستور البلاد، وصد موجة الحجر على الحريات الفردية والجماعية، التي يقودها إسلاميون من تيارات سلفية وإخوانية ضد كل من يخالفهم الرأي.