ختان الإناث: جريمة اجتماعية زادها الوباء استفحالا

منظمات دولية وحقوقيون يؤكدون أن ختان الإناث يعد مظهرا من مظاهر عدم المساواة بين الجنسين يتنزل في إطار جرائم العنف الجنسي الممارسة ضد المرأة.
الاثنين 2021/02/08
ختان الإناث يصنف ضمن جرائم العنف الجنسي ضد النساء

زادت جائحة كورونا في تعميق أزمة ختان الفتيات ما جعل العديد من المنظمات الحقوقية ترفع مطالب دولية بتشريعات وقوانين صارمة تحد من هذه الممارسة. وتسعى العديد من العائلات في بعض البلدان العربية والأفريقية لختان بناتها بغاية تزويجهن لتخفيف الأعباء المالية أو لكسب المهر. و حذّرت جماعات حقوق المرأة من أن المزيد من الفتيات في أفريقيا يتعرضن لهذه الممارسة.

تونس- رفعت منظمات دولية وجمعيات نسائية وحقوقية من درجة المطالبات بإجراء تشريعات وقوانين صارمة لمنع ختان الإناث، بالتزامن مع اليوم العالمي لعدم التسامح مطلقا إزاء تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، الذي يحييه العالم في 6 فبراير من كل عام.

وتزداد هذه الممارسة حدّة في بلدان مثل السودان والصومال ومصر وموريتانيا. وصنفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة مصر كرابع دولة على مستوى العالم وثالث دولة على مستوى الدول العربية، في انتشار ختان الإناث أو ما يعرف بجريمة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.

وفي العام 2019، تم بمصر تأسيس اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث، بهدف زيادة التوعية بأضرار هذه الممارسة المحظورة قانونا منذ العام 1996. وتضم اللجنة أعضاء من الوزارات المعنية والأزهر والكنائس المصرية.

ووفق تقرير صادر عن اليونيسيف في العام  2018 “فإن ختان الإناث يمارس في 30  بلدا من بلدان أفريقيا والشرق الأوسط وبعض بلدان شرق آسيا. وبالرغم من كل التقدم الملحوظ نحو إنهاء هذه الممارسة العنيفة، اضطرت الملايين من الفتيات في تلك البلدان، اللاتي تقل أعمار العديد منهن عن 15 عاما، للخضوع لها”.

وحذّرت جماعات حقوق المرأة من أن المزيد من الفتيات في أفريقيا يتعرضن لهذه الممارسة بسبب جائحة فايروس كورونا. ففي حين ترك الإغلاق المطول للمدارس في بعض البلدان فتيات ضعيفات في المنزل دون مدرسين لمراقبتهن، تعطلت عمليات المنظمات المناهضة لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، وحولت انتباه مؤسسات الرعاية الصحية إلى مكافحة الوباء.

وقال نشطاء إن الفقر المدقع الناجم عن الوباء قد يؤدي إلى زيادة حالات تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، مع ختان العائلات لبناتهن لتزويجهن لتخفيف الأعباء المالية أو لكسب المهر. ويقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن الوباء سيؤدي إلى ختان مليوني فتاة إضافية في جميع أنحاء العالم في العقد المقبل، إذ تعيق الأزمة الجهود العالمية لإنهاء هذه الممارسة بحلول سنة 2030.

وقالت فتحية السعيدي المختصة التونسية في علم الاجتماع لـ”العرب”، إن “ختان الإناث يتنزل في إطار جرائم العنف الجنسي الممارسة ضد المرأة باعتبار أنها تقوم على بتر جزء من العضو التناسلي للمرأة”، مشيرة إلى وجود هذه العادة في العديد من البلدان الأفريقية والعربية.

ودعت السعيدي إلى سن قوانين صارمة تجرّمها وتمنعها، مؤكدة أن ممارستها على أساس أنها تحد من الرغبة الجنسية للفتاة أفكار مغلوطة واعتقاد واه. وأضافت السعيدي أنها تقاليد مرتبطة في أذهان بعض العائلات بالحفاظ على شرف الفتاة وجب تحريمها.

ختان الإناث يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من المشكلات الطبية الخطيرة
ختان الإناث يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من المشكلات الطبية الخطيرة

وتُعرّف منظمة الصحة العالمية تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية على أنه “جميع العمليات التي تشمل استئصالا كليّا أو جزئيّا للأجزاء الخارجية من الأعضاء التناسلية الأنثوية أو إصابتها، لأسباب غير طبية”.

وتشير الأمم المتحدة إلى أن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية مرتبط بشكل عام بحوالي 30 دولة، معظمها في أفريقيا، لكن الدراسات تلفت إلى أنه موجود في مجتمعات في حوالي 50 دولة. ويُمارس في أجزاء من آسيا والشرق الأوسط أيضا، وفي مجتمعات الشتات في الولايات المتحدة وأوروبا. وتشير البيانات إلى أن ما يقدّر بنحو 200 مليون فتاة وامرأة في العالم ختنّ، وأن أربعة ملايين فتاة معرضات لخطر الإجبار على الخضوع لهذه العملية سنويّا.

ويسجّل الصومال أعلى معدل لانتشار تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في العالم، مع ختان 98 في المئة من النساء، تليه غينيا وجيبوتي ومالي وسيراليون. وسجّلت مصر أكبر عدد من الضحايا.

وقد حظرت معظم البلدان الـ28 في أفريقيا، أين يتوطّن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، الممارسة على الرغم من ضعف الإنفاذ بشكل عام. ومن الدول التي لم تعتمد أي قانون بهذا الخصوص، ليبيريا ومالي وسيراليون والصومال.

وتبقى أصول ممارسة هذه الطقوس، التي يُعتقد أنها تعود إلى أكثر من ألفي عام، غامضة. وقد تتبّعها بعض الباحثين في مصر، فوجدوا أنها بدأت في القرن الخامس قبل الميلاد، ويجادلون بأن التوزيع الجغرافي لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، يشير إلى أنه نشأ في ساحل البحر الأحمر الغربي.

كما تبقى أسباب ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية متنوعة. وغالبا ما يُنظر إليه على أنه جزء من دخول الفتاة إلى مرحلة النضوج وشرط مسبق للزواج، فهو جزء جوهري من التراث الثقافي للمجتمع. وتزعم الخرافات أن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية يعزز الخصوبة. وفي بعض المجتمعات، تعتبر الأجزاء التناسلية الخارجية قذرة وقبيحة، وتتم إزالتها لتعزيز النظافة والجاذبية الجمالية.

وعلى الرغم من أنه يمارس في بعض المجتمعات على أساس ديني، لا يوجد دين يشجع على ختان الإناث. وغالبا ما يُنظر إليه على أنه مرتبط بالإسلام، لكن العديد من المسلمين لا يمارسون تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. وتمارس العديد من الجماعات غير الإسلامية هذه العمليات، بما في ذلك بعض المسيحيين واليهود الإثيوبيين وبعض أتباع الديانات الأفريقية التقليدية.

ومع ذلك، يعدّ تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية مظهرا من مظاهر عدم المساواة الراسخة بين الجنسين، كما تحددها الأمم المتحدة. وعادة ما يتم إجراء تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بواسطة أدوات تقليدية، وغالبا ما تستخدم شفرات أو سكاكين غير معقمة. ولكن هناك اتجاه متزايد لتنفيذه في المؤسسات الصحية، خاصة في بلدان مثل مصر وغينيا وكينيا ونيجيريا والسودان.

ولا ترى منظمة الصحة العالمية فوائد صحية لهذه الممارسة، بل يمكن أن تؤدي إلى مجموعة من المشكلات الطبية الخطيرة. ويمكن أن يسبب تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية مشكلات صحية عقلية وجسدية طويلة الأمد، بما في ذلك الالتهابات المزمنة ومشكلات الدورة الشهرية والعقم والحمل ومضاعفات الولادة. وفي بعض الحالات، يمكن أن تنزف الفتيات حتى الموت أو تموت من الالتهابات.

الوباء سيؤدي إلى ختان مليوني فتاة إضافية في جميع أنحاء العالم في العقد المقبل 

وفي العديد من المجتمعات، تتزوج الفتيات بعد فترة وجيزة من الختان، وهو أمر أكّدته مجموعات حقوق الطفل. ولا يعيق هذا تقدمهن في التعليم والصحة والتوظيف فحسب، بل يمكن أن يعيق نمو أطفالهن أيضا.

وتقول منظمة الصحة العالمية إن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية يفرض أيضا تكلفة اقتصادية باهظة. إذ تقدر تكلفة معالجة آثاره الصحية بنحو 1.4 مليار دولار سنويا. وتشمل التكاليف معالجة مشكلات الصحة العقلية والجسدية، بما في ذلك النزيف والالتهابات المزمنة ومضاعفات الولادة التي تهدد الحياة.

وتعهد قادة العالم بإنهاء تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بحلول سنة 2030 كجزء من أهداف التنمية المستدامة، لكن بيانات الأمم المتحدة تظهر أن المعدلات في بعض البلدان بقيت نفسها لـ30 عاما، بما في ذلك في الصومال ومالي وغامبيا وغينيا بيساو وتشاد والسنغال.

21