مجانية الإنترنت لا تغني المصريين الفقراء عن الحاجة إلى الطعام والتعليم والعلاج

القاهرة - أثار قرار الحكومة المصرية توفير خدمات الإنترنت ومكالمات الهاتف المحمول لبعض الفئات الضعيفة، واعتباره “دعما معنويا”، جدلا في الساحة المصرية وسط تساؤلات بشأن فاعلية هذه الخطوة بالنسبة إلى هذه الفئات التي تهتم بالحاجة إلى الطعام والتعليم والعلاج قبل أي شيء آخر.
وقالت الحكومة، الخميس، إن خدمات خطوط الهاتف المحمول والإنترنت المقدمة لمستفيدي برنامج “تكافل وكرامة” لا يتحمل منها البسطاء أي تكلفة، ولا يتم خصم معاليمها من الدعم الشهري المقدم إليهم، لحسم لغط دار أخيرا حول الخدمات، استثمرته تيارات مناوئة لترويج أن الحكومة تحاسب الفقراء على الرفاهيات.
وتستفيد من برنامج “تكافل وكرامة” قرابة 3.7 مليون أسرة تصنف ضمن الفئات الأكثر احتياجا والأوْلى بالرعاية الاجتماعية، وتمثّل ميزانا لدى النظام الحاكم لضبط علاقته بالشارع، لأن ضمان رضاء هذه الحلقة يعتبر عنصرا مهما يتكفل بتأمين الجبهة الداخلية من أي استهداف.
وتتعامل الحكومة مع التكنولوجيا باعتبارها ذات أولوية ولا تقل أهمية عن الطعام والشراب بالنسبة إلى الفقراء، لتذليل الفوارق الاجتماعية، والتعامل مع الاتصالات وخدمات الإنترنت والرسائل النصية باعتبارها جزءا من الحقوق الأساسية للفئات الضعيفة.
واستقبلت أصوات معارضة للحكومة فكرةَ الدعم الرقمي للأسر الفقيرة بحالة من السخرية، بدعوى أن هذه الأسر لا يعنيها ذلك، بقدر ما تبحث عن عيشِ حياة كريمة في ظل الغلاء وصعوبات الحياة.
لكن مؤيدين دافعوا عن الخطوة، باعتبارها تأكيدا على عدم تهميش الدولة برمتها للفقراء وعدم التعويل فقط على “إرضاء بطونهم” لضمان تطويق غضبهم.
وقال مصدر مصري مطلع، لـ”العرب”، إن “تقديم خدمات الاتصالات للمستفيدين من بررامج الحماية الاجتماعية رسالة واضحة يفيد فحواها بأن الحكومة مسؤولة عن مواكبة البسطاء للتطور التكنولوجي، حتى لو كانت نسبة الأمية مرتفعة، لكن أبناء الأسر الفقيرة صاروا يشعرون بالتمييز جرّاء فقدان عنصر الرقمنة الذي دخل في جميع مناحي الحياة”.
وتتعامل الحكومة مع البرامج الاجتماعية للفقراء من خلال مسارين، الأول يستهدف إرضاء الآباء والأمهات، ومساندتهم في تلبية احتياجات الأسرة عبر الدعم النقدي والسلعي شهريا، والثاني يبتغي استمالة الأبناء أنفسهم ودعمهم تكنولوجيا وتعليميا باعتبار ذلك أهم بالنسبة إليهم من الطعام والشراب.
وقرابة 62 في المئة من أرباب الأسر المستفيدة من برنامج تكافل وكرامة، لا يجيدون القراءة والكتابة أو التعامل مع التكنولوجيا، أيّ أن المستهدفين من ذلك هم الأبناء، لاسيما شريحة الشباب التي تحاول الحكومة ضمها إلى صفها، سواء أكانت تعيش في بيئة ريفية أو شعبية أو حضرية، لأنها تشكل بؤرة تمرد محتملة.
وأكدت إنشاد عزالدين، أستاذة علم الاجتماع بجامعة المنوفية (شمال القاهرة)، أن الاهتمام الحكومي بتقريب البسطاء من الثورة التكنولوجية يعكس تغير النظرة للمهمشين، لأن التركيز على دعم الطعام والشراب دون منح أهمية موازية لمتطلبات العصر، يكرس الفجوة ويزيد الفوارق الطبقية.
ويصعب فصل تقديم خدمة الاتصالات بشكل مجاني للبسطاء، عن سعي الحكومة لقطع الطريق على أصوات معارضة اعتادت توظيف حرمان البسطاء من التكنولوجيا لتعطيل مشروعات قومية مرتبطة بالتحول الرقمي، على رأسها نظام التعليم الجديد، الذي يقوم على التعلم عن بُعد، وإجراء الامتحانات عبر الإنترنت.
وتدخل الرئيس عبدالفتاح السيسي، أكثر من مرة، للدفاع عن المشروع القومي للتعليم، مع تصاعد الجدل الحقوقي والسياسي المرتبط بتهميش أبناء البسطاء، وعدم وضعهم في الحسبان لأنهم محرومون من شبكات الاتصالات وليس باستطاعتهم توفير الأموال للإنفاق على الإنترنت، ما دفع الحكومة إلى إرضاء الفئات الفقيرة بتقديم خدمة الاتصالات مجّانًا.
وترغب الحكومة في تعميم التعامل الرقمي بين الجهات الرسمية والمواطنين، ضمن إستراتيجية تهدف إلى تعميم الرقمنة في كل المجالات، للقضاء على البيروقراطية ومحاربة الفساد المتعلق بالعنصر البشري.
وترى دوائر مصرية أن ثمة شعورا برغبة الحكومة في توصيل رسالة ترتبط بامتلاكها رؤية مختلفة وعصرية حول حقوق الإنسان، والأمر بالنسبة إليها يتخطى فكرة الحقوق المدنية والسياسية، ويصل إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ يتعلق ببرامج على مستوى التعليم والصحة والاتصالات والسكن تستهدف الفئات المحرومة.
وأوضحت إنشاد عزالدين أن الحقوق التي تريد الحكومة تكريسها ترتبط بالحياة الكريمة التي لا يسود فيها الحرمان من الحد الأدنى للمتطلبات الإنسانية، وبالتالي هي تريد تقديم تعريفات لحقوق الإنسان خاصة بها، وهو ما ترفضه قوى معارضة ومنظمات مدنية. لكن الواضح أن الحكومة ماضية في التوجه نفسه.
وقالت نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي، إن “تقديم خدمة الاتصالات للمستفيدين من تكافل وكرامة، بمثابة توجيهات رئاسية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات غير تقليدية تعزز حقوق المواطن على كل المستويات دون اختزالها في برنامج معين، بشكل يكرس الاهتمام الحكومي بالمناطق المحرومة”.
