"طوايف غبنتن" فرق فنية تونسية تسعى لدخول قائمة التراث العالمي

فرقة لها تاريخها وخصوصياتها وتفردها كنمط موسيقي وغنائي وشعري وكفن كرّس ثقافة التنوع والاختلاف.
الجمعة 2021/02/05
فن شعبي عريق يقوم على الشعر والرقص والموسيقى

تونس – في خطوة أولى نحو تسجيلها في التراث العالمي لليونسكو حظيت “طوايف غبنتن” بمعتمدية سيدي مخلوف من محافظة مدنين (جنوب شرق تونس)، كواحدة من أعرق الفرق الفنية الشعبية التونسية، بإدراجها ضمن التراث الوطني، حيث صدرت رسميا موفى شهر يناير المنقضي بطاقة الجرد الوطني لفرق “طوايف غبنتن” بعد عمل تطلب مجهود استمر لأشهر وفق الناطق الرسمي باسم مشروع إدراج هذه الفرق في التراث العالمي اللامادي لليونسكو سعيد شامخ.

ويعتبر الإدراج على المستوى الوطني مرحلة أولى ضرورية وخطوة مهمة تسبق الإدراج على المستوى العالمي، الذي انطلقت فيه هيئة تسييرية تكونت للغرض بتأطير من المعهد الوطني للتراث منذ أربعة أشهر، تمكنت خلالها من إعداد الملف الفني الذي يتواصل وضع بعض اللمسات الأخيرة عليه لتكون المرحلة المقبلة إنجاز فيلم وثائقي حول “طوايف غبنتن” لا تتجاوز مدته 10 دقائق، تكون كافية لتقديم هذه الفرقة وتاريخها وخصوصياتها الفنية والموسيقية وتفردها كنمط موسيقي وغنائي وشعري متميز وكفن كرّس ثقافة التنوع والاختلاف في إطار تفاعل إيجابي.

وتعمل الهيئة التسييرية لمشروع تسجيل “طوايف غبنتن” ضمن التراث العالمي اللامادي للإنسانية على تقديم ملفها لليونسكو نهاية شهر فبراير الحالي، تحت عنوان “طوايف غبنتن: فنون العرض” وتحت شعار “طوايف غبنتن نحو العالمية”، وذلك من أجل الاعتراف بقيمة هذا الفن وما قدمه طيلة قرن أو أكثر من نمط موسيقي تراثي فريد ونموذج ثقافي مندمج في بيئته في مناسبات الأعراس والأفراج بجهة الجنوب الشرقي، حتى بات ضروريا فيها وواحدا من أركان الحفلات الثابت.

“طوايف غبنتن” فرق فنية شعبية استوطنت بالمجال الترابي القبلي لجماعات قبيلة غبنتن المستقرة بعمادة القصبة من معتمدية سيدي مخلوف وقرية مقر بعمادة الشوامخ من معتمدية بني خداش، ارتبطت تسميتها بالطوايف لاعتبارها فرقا طوافة تدور عروضها حول آلة الطبل ذات الوجه الواحد الإيقاعية، وعليها تكون الحركة الرئيسية للفرقة أثناء تقديم سهرات الأعراس.

وتتكون الفرقة من 7 إلى 11 عضوا، أولهم رئيس الطايفة الذي وحده يقوم بنظم الشعر وتنظيم الأدوار بين بقية أعضاء الفرقة، الذين يطلق عليهم اسم البحرية، فهذه الطايفة تعتبر نفسها بمثابة سفينة قائدها الرايس وأعضاؤها البحرية ومهمتهم الأداء الجماعي.

وتعتمد الفرقة على النشيد وإلقاء الأشعار، وقد تطورت بإدماج الطبل المحلي الصنع وما تبعه من توظيف لحركات الجسد ضمن لوحات راقصة يتم فيها توظيف اللباس أيضا في خلق للتنوع لمشاهد العرض، بين الإنشاد والغناء والرقص وعروض الأزياء، وفي عمليات فنية متناغمة داخل حفل مشحون بعروض الفرجة لدى الطوايف.

تراث عالمي لامادي
تراث عالمي لامادي

نشأت الطوايف كمحصلة للمسار التاريخي الذي عرفته المجموعات السوداء بوصفها أحد المكونات الإثنية الأساسية للمجتمع التونسي، والتي وفدت على البلاد في إطار الحراك المجالي والتجاري الذي كان يربط ضفتي المتوسط بأفريقيا جنوب الصحراء.

ومع إلغاء الرق في تونس سنة 1846 في عهد حكم أحمد باشا (1837-1855) راحت تتشكل هوية جديدة لهذه الجماعات لعب فيها الإرث الثقافي الأفريقي دورا مهما في رسم ملامحها وتسيير اندماجها، وذلك بعد أن تم استيعاب التقاليد الفنية والثقافية للمجموعات الإثنية الأخرى التي كانت تتعايش معها وعلى قاعدة هذا التفاعل والتواصل ونشدانا لتأكيد الذات برزت الطوايف في شكل فرق فنية انطلاقا من منتصف القرن التاسع عشر.

وتتقاطع الكثير من المرويات الشفوية حول النشأة الأولى للطوايف مع هذه الفترة التاريخية التي كانت فيها قبيلة غبنتن جزءا من الكنيفدرالية القبلية المعروفة باسم ورغمّة، وهي مؤلفة من عرشين أحدهما هو الذي تنحدر منه هذه الفرق.

وينزل عرض الطوايف كظاهرة فنية ضمن إطار واسع مرتبط بالجنوب الشرقي التونسي، فالطوايف امتداد ثقافي لظاهرة الشعراء الجوالين، محيي الأعراس بقصائدهم في البوادي التونسية، والذين كانوا يتنقلون بين القبائل وينطقون بلسان كل منها. وقد طورت جماعات الطوايف هذه الظاهرة الشعرية الفردية غالبا عندما أضافت إليها الطبل الراحل، فكوّنوا طوايف فنية تنشد في أداء جماعي حركي وفي تفاعل فني طقسي ينطلق من الطبل صادعا ويعود إليه قارعا.

وقد تجاوز إشعاع طوايف غبنتن محيطها المحلي والجهوي والوطني. فحضرت في عدة مناسبات وطنية وقدمت تظاهرات ثقافية وشاركت في افتتاح كأس أفريقيا في تونس سنتي 1994 و2004 إلى جانب مشاركتها في عدة أفلام وثائقية عربية وأجنبية.

14