مساع مغربية لتكريس نزاهة الانتخابات بمحاربة المال الفاسد

الرباط – مع بدء العدّ التنازلي للانتخابات المغربية المقررة في أكتوبر المقبل، عاد إلى الواجهة الجدل حول نزاهة العملية الانتخابية، حيث فتحت وزارة الداخلية التي تشرف على العملية نقاشا صاخبا حول الآليات، التي من شأنها أن تمنع استعمال المال الفاسد من أجل تحقيق مكاسب انتخابية.
وطالبت وزارة الداخلية بالكشف عن مصادر تمويل الحملات الانتخابية، كأداة بيدها لمحاربة استعمال المال الفاسد في الانتخابات المقبلة، الخاصة بأعضاء مجلس المستشارين ومجالس الجهات والعمالات والأقاليم والمجالس الجماعية والمقاطعات.
ويعتقد البرلماني نبيل أندلوسي، أن “المغرب عرف تطورا إيجابيا مهما في مسار نزاهة العمليات الانتخابية، رغم بعض الشوائب والإشكاليات التي لازلت تطرح عند كل مسلسل انتخابي، ومنها استعمال المال وشراء الذمم وتواطؤ بعض المسؤولين مع هذا الفساد الانتخابي الذي يساهم في توسيع رقعة العزوف وعدم الثقة في العملية السياسية برمته”.
وأضاف أندلوسي في تصريح لـ”العرب” أنه “لا يمكن علاج هذه الأزمة عبر تشريع القوانين الزجرية فقط، وإن كان هذا مطلوبا ومهما، ولكن يجب أن تتوفر إرادة سياسية حقيقية عند الدولة والأحزاب السياسية على حد سواء لسد المنافذ أمام المال السياسي الفاسد”، مشيرا إلى أن الدولة مطالبة بالحدّ من نفاذ بعض “رموز الفساد” عبر السياسة إلى المجالس المنتخبة.
وسعى المشرع المغربي إلى تشديد العقوبات المطبقة على المخالفين، وهي عقوبات أسست لها أحكام الفصل 11 من الدستور، التي تجعل من “الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي”، ويمنع الفصل استعمال وسائل سواء كانت نقدية أم عينية أم غير ذلك قصد الحصول على أصوات الناخبين أو التأثير على تصويتهم أو حملهم على الإمساك عن التصويت.
ويرى مراقبون أن استعمال المال الفاسد في الانتخابات المغربية تحدّ تتحمل مسؤوليته الأحزاب السياسية، التي تمنح التزكية عشوائيا للأشخاص الذين يعتزمون المشاركة في الانتخابات.
وقال أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري رشيد لزرق في تصريح لـ”العرب”، إن “الأحزاب عاجزة عن الدفع نحو تفعيل استراتيجية ناجعة لإسقاط الفساد الانتخابي”.
وفي خضم الاستعدادات للاستحقاقات الانتخابية القادمة توافقت وزارة الداخلية مع الأحزاب، لدعم المرسوم الذي يحدد سقف المصاريف الانتخابية للمرشحين خلال الحملات الانتخابية بوضع بيان مفصل لمصادر تمويل حملاتهم، علاوة على مطالبتهم بتقديم جرد للمصاريف مرفق بجميع الوثائق التي تثبت صرف المبالغ المذكورة.
واعتبر أندلوسي، أن “المال السياسي غير الشرعي، أصبح يشكل خطرا على الدولة والمؤسسات، لأنه يُفقد العملية الانتخابية جوهرها، ويؤسس لمناخات من عدم الثقة بين الدولة والمواطن”، لافتا إلى أن هذا وضع “غير سليم” وعلى مسؤولي الدولة الانتباه لخطورة الأمر، لأن “المنتخب إذا كان فاسدا ولا تهمه إلا مصالحه لن يقدم شيئا للدولة ولا للمواطن، والسياسة يجب أن تبقى بعيدة ما أمكن عن نفوذ أصحاب المصالح”.
وتم الاتفاق بين الداخلية والأحزاب السياسية على اتخاذ إجراءات جديدة لمحاربة الفساد الانتخابي، من خلال تدقيق التدبير المالي للمرشحات والمرشحين للعمليات الانتخابية، عبر تعيين محاسب مسؤول عن الجانب المالي من مداخيل ومصاريف وفتح حساب بنكي خاص بالانتخابات.
ونص قانون حكومي على ضرورة أن “تُرجع الأحزاب والنقابات إلى الخزينة كل مبلغ من مساهمة الدولة لم يتم استعماله أو لم يتم إثبات استعماله”، مشيرا إلى إجبارية توجيه مستندات الإثبات إلى رئيس المجلس الأعلى للحسابات، خلال أجل لا يزيد عن ثلاثة أشهر من تاريخ صرف مساهمة الدولة.
ومن جهته أكد رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام محمد الغلوسي، أن “المستقبل يفرض على الأحزاب السياسية عدم تزكية المفسدين وناهبي المال العام في الانتخابات المقبلة، ووضع برامج تروم الحدّ من الفساد والريع والرشوة إلى جانب مدونة للسلوك تعزز قيم النزاهة والتطوع والشفافية في تدبير الشأن العام”.
وفي استطلاع أجراه معهد “الدراسات الاجتماعية والإعلامية بالمغرب” حول الانتخابات العامة المقبلة، اعتبر 81.3 في المئة من المغاربة أن المال “يؤثر بقوة” في نتائج الانتخابات، فيما عبر 60 في المئة من المستجوبين عن عدم ثقتهم في الأحزاب والتنظيمات السياسية، مقابل 11.5 في المئة قالوا إنهم يثقون فيها.