مشية البطة

لو يعود بي الزمن، سأبذل قصارى جهدي لأواصل دروس العزف على البيانو، ليس لأنني كنت سأصبح بيتهوفن الثاني، لكني كنت سأجد إجابة مقنعة لسؤال ابنتي عمّا أجيد غير الجلوس المتواصل على المكتب وتكرار نقر “تك تك تك” دون انقطاع على الكيبوورد؟
الحقيقة أنني أجد سؤالها عميقا جدا، أنا حقا لا أجيد شيئا الآن غير الكتابة السريعة على الكيبوورد بأخطاء كثيرة.
لا تعرف ابنتي أنني كنت عزفت البيانو، وإلى وقت قريب كنت عضوا نشيطة في فرقة رقص كوريغرافي، بالإضافة إلى أنني كنت لاعبة كرة قدم متمرسة في الصالات الرياضية المغلقة.. أنا نفسي لا أصدق كيف أتحرك الآن كالبطة بجهد جهيد وأظنني أكتسب كيلوغراما جديدا كل يوم.
لكن في ماذا يختلف النقر على لوحة مفاتيح الكمبيوتر عن لوحة مفاتيح البيانو؟
يفترض أنني كنت، كما يقول الأستاذ حينها الذي كان يرى فينا “بيتهوفانات زماننا” أنا وصديقتي، سأصل إلى احتراف العزف على البيانو بعد 10 سنوات بمعدل تدريب ساعتين أو ثلاث يوميا باعتبار أيام العطل. بدأت في سن العاشرة، وكنت سأكون في العشرين من العمر عازفة محترفة، لو سارت الأمور كما خطط لها.
أنقر الآن على الكيبوورد منذ 10 سنوات بالتمام والكمال لأكثر من ثلاث ساعات يوميا باحتساب العطل و”لا شهادة في احتراف النقر”.
بدا لي البيانو في ذلك الوقت آلة معقدة جدا. علي أن أتحكم في أصابع يدي دفعة واحدة وتمييز الأزرار السوداء صاحبة النغمات الصاخبة من تلك البيضاء التي تصدر أصواتا ناعمة التي يجب أن أضغط عليها بأطراف أصابعي، يضاف إلى ذلك التحكم في ساقي وإبقاء عينيّ معلقتين في النوتة.
قد تكون أعذارا واهية، فأنا لم أحب الدروس خاصة بعد زوال الانبهار بغراند بيانو الأستاذ في ذلك الوقت. كان من السهل جدا حينها الوقوع في فخ رؤية الأشياء الصعبة مستحيلة.
كان لقراراتي السابقة في إيقاف هواياتي تأثير كبير على حياتي الحالية، لا أعرف في أي خانة أدرج هذه القرارات، طبعا هي لا تندرج بأي شكل من الأشكال ضمن حزمة القرارات الجيدة الذكية على ندرتها في حياتي.
هي قرارات سيئة غبية بامتياز، لا أعرف إن كانت قرارات كبيرة أم قرارات صغيرة أوصلني تراكمها بمرور الوقت إلى مشية البطة.
تتراكم قراراتنا اليومية الخاطئة في حياتنا لتحدث أزمة كبيرة. احذروا بشأن تفاصيل حياتكم، فما تختارونه اليوم سيكون تأثيره عليكم إلى الأبد.