أزواج يرفضون الإنجاب: هل تستمر العلاقة الزوجية دون أطفال

يربط الكثيرون استمرار العلاقة الزوجية بوجود الأطفال، إلا أن ظاهرة معارضة الإنجاب قد طفت على السطح في المجتمعات الحديثة، حيث يرى الكثير من الأزواج أنهم لا يرغبون في وجود أطفال لتكتمل أسرهم. وما يزيد من تمسكهم بهذا الخيار ما يعيشه أصدقاؤهم والمقربون منهم من ضغوط جراء دورهم كآباء وأمهات. فهل تستمر الحياة الزوجية دون وجود أطفال؟
لندن- يراود حلم إنجاب الأطفال غالبية الأزواج الذين يرون أن الاستقرار وتكوين عائلة يتمان عن طريق إنجاب أطفال يملأون حياتهم فرحا ولعبا ويكبرون ليكونوا سنداً لآبائهم وأمهاتهم، ولكن يختار أزواج كثيرون في المجتمعات الحديثة البقاء والعيش دون إنجاب أطفال.
ويرى معارضو فكرة الإنجاب أن ذلك سيجبرهم على التنازل عن الكثير من جوانب حياتهم ليكونوا أمهات أو آباء، وسيكلفهم المال وسيستغرق وقتا، كما يحول بينهم وبين أشياء يرغبون في القيام بها.
وأكد أخصائيو علم الاجتماع أنه في أغلب مراحل التاريخ البشري وفي معظم المجتمعات اعتبر اختيار عدم الإنجاب من القرارات الصعبة وغير المرغوب فيها، إلا أنه في المجتمعات الحديثة أصبحت حرية عدم الإنجاب اختيارا لبعض الأزواج.
وقال المختصون إنه بات طبيعيا هذه الأيام أن يختار الزوجان عدم الإنجاب، فاختيار الحياة دون أطفال قد يعني المزيد من الحرية ومن الأمان المادي، منبهين إلى أنهما قد يغيران رأيهما يوما ما ولكن قد يأتى ذلك اليوم بعد فوات الأوان.
ولفتوا إلى أن حياة الزوجين قد تكون أسهل دون أطفال، إلا أنه من الضروري التفكير في هذا القرار مليا، مشيرين إلى أن قرار الحياة دون إنجاب يجب التفكير فيه بعمق، حيث يصعب إن لم يستحل التراجع عنه.
وترى عائشة الشالجي المتخصصة بالتنمية البشرية والمعالجة بالطاقة الايجابية في العراق أن الزواج يمكن أن يستمر دون إنجاب أطفال إذا اتفق الزوجان منذ بداية حياتهما الأسرية على عدم الإنجاب لسبب أو لآخر.
وأوضحت لـ”العرب” أن عدم الإنجاب له أسباب عديدة منها الخوف من العلاقة الزوجية أو نوع العمل أو الأمراض. لكن مهما يكن المانع فإن تجارب عديدة أثبتت إمكانية استمرار العلاقة بين الزوجين ونجاحها دون إنجاب أطفال.
وقالت الشالجي “هناك الكثير من الأزواج الذين أعرفهم لم ينجبوا أطفالا، وحياتهم الزوجية مستمرة ومستقرة والآن هم في عمر متقدم ولا مشاكل لديهم أو خلافات”.
وأكدت الخبيرة العراقية أن غياب الأطفال ليس بالضرورة عائقا لاستمرار الحياة الزوجية، مشيرة إلى أن الأبوة أو الأمومة عبارة عن مشاعر موجودة بالفطرة، إلا أنه إذا كان الزوجان متفاهمين ومتحابين في السراء والضراء ومحققين لأهدافهما وغير مستسلمين للضغوط المجتمعية والنفسية فلا مانع من الاستمرار لأن الزواج مبني على التوافق بينهما وليس على وجود الأطفال فقط.
وأشارت إلى أنه توجد بدائل إذا رغب الأزواج في الأبوة أو الأمومة مثل التبني، مؤكدة على وجود الكثير من الزيجات التي استمرت دون وجود أطفال.
وأوضح الخبراء أن أشخاصا كثيرين يريدون الإنجاب لكن ذلك لا يتناسب مع نمط حياتهم، لأنهم يريدون تجربة كل شيء قبل أن يفكروا في تأسيس أسرة، ولهذا السبب يضيع الكثير من الأزواج الفرصة الأخيرة لإنجاب طفل.
وكشفت دراسات عديدة أنه غالبا ما يضع الطفل الأول العلاقة بين الطرفين على المحك، حيث ينفصل الكثير من الأزواج بعد عام من ولادة الطفل الأول.
وشدد الدكتور يان إكهارد من معهد العلوم الاجتماعية بجامعة هايدلبرج الألمانية في وقت سابق على ضرورة أن تتم مقارنة ذلك بالأزواج الذين يعيشون دون أطفال والذين تزيد أعداد حالات الانفصال بينهم عن حالات الانفصال بين الأزواج الذين أنجبوا أطفالا.
وأكد المختصون أنه مع ذلك لا يجعل الأطفال مسار العلاقة بين الأزواج أسهل، وخاصة النساء فهن من يشعرن في الغالب بأنهن أجبرن على العودة للعب دور الأمومة التقليدي. ويصف الخبراء هذا السيناريو بأنه إعادة الحياة للنمط التقليدي. وهذا يحدث عندما تشعر الأم بأنها تحملت العبء الأكبر عندما تصل الأمور إلى تقسيم الأدوار داخل الأسرة.
وأوضح إكهارد أن النساء اللاتي اعتدن التركيز على شؤونهن الخاصة، غالبا ما يواجهن مشكلات في التعايش مع دور الأم، هذا لأنه من العسير المزج بين الأدوار الأسرية والعمل. كما أن العلاقة أيضاً تتحمل بعض الضغوط، عندما تسنح للأب وحده فرصة مواصلة حياته العملية.
ولفت الخبراء إلى أنه لا ينبغي أن يكون تحقيق الطموح في مجال العمل هو السبب الوحيد لاتخاذ قرار عدم الإنجاب، منبهين إلى أنه من الخطأ عادة تأجيل اتخاذ هذا القرار. وأشاروا إلى أن ذلك قد يكون مؤلما خاصة بالنسبة للزوجات لأنه لا يمكن التراجع عن هذا القرار بعد التقدم في العمر، منبهين إلى وجود خطر بالغ يكمن في احتمال شعور الزوجين بالندم لاتخاذهما قرار عدم الإنجاب، وهذا يحدث في حالات كثيرة.
ولا يتردد البعض في الانفصال عن شركاء حياتهم في سبيل الإنجاب، مبررين ذلك بأنه يحق لأي طرف في العلاقة الزوجية طلب الانفصال بسبب عدم القدرة على إنجاب أطفال، وفي مقابل ذلك يرى البعض الآخر أن الزواج قد يستمر إذا كان قوام العلاقة الزوجية الحب، مبيّنا أن المسؤولية عن استمرار الزواج بلا إنجاب تقع بشكل كبير على الطرف الذي لا يعاني من الخلل في الإنجاب، فهو الأقدر على احتواء الآخر وضبط العلاقة الزوجية وتخطي الأزمة واستيعاب الشريك.
وأظهرت دراسة دنماركية أن عدم القدرة على الإنجاب يؤثر بشكل كبير على الحياة الزوجية، وأن النساء اللواتي لم يُنجبن كن عرضة للانفصال والطلاق أكثر من النساء اللواتي أنجبن بثلاثة أضعاف. وأضافت أن عدم القدرة على الإنجاب قد يخلق شعوراً بالذنب والغضب والحزن من الممكن أن يصل إلى درجة الاكتئاب واليأس.
وقال المختصون إنه من الصعب أن تستمر الحياة الزوجية دون أطفال، خاصة إذا كان الزوج قادرا على الإنجاب فإنه قد يحقق حلمه على حساب مشاعر زوجته إما بالطلاق أو بالزواج من أخرى، وعلى العكس فالمرأة في الكثير من الأحيان، قد تضحي بالأمومة من أجل زوج عقيم.
وكشف استطلاع مغربي أن الطلاق بعد سنوات من الحياة الزوجية بسبب عدم الإنجاب يترك أثرا بالغا في نفس الرجل والمرأة على حد سواء، خصوصا إذا كان الزواج قد تم إثر علاقة حب.
غالبا ما يضع الطفل الأول العلاقة بين الطرفين على المحك، حيث ينفصل الكثير من الأزواج بعد عام من ولادة الطفل الأول
وقال الدكتور علي أشعبان، الباحث المغربي في علم الاجتماع، في ما يتعلق بانتهاء الزواج بعد سنوات من الارتباط بسبب عدم الإنجاب، إن “هذه الحالة كانت سائدة بكثرة في مرحلة سابقة من تاريخ المغرب، في الوقت الذي كانت فيه العائلات المغربية المسلمة لا تبحث لأبنائها الذين بلغوا سن الزواج إلا عن تلك المرأة ‘الودود الولود’، والتي لا تتوفر فيها هذه الصفات عادة ما يكون مصيرها الطلاق”.
وأشار إلى أنه “لا يمكن اليوم أن ندعي بأن هذه النظرة قد غابت واندثرت من المجتمع المغربي الراهن، ولكن حدتها قلت بكثير، بفعل تطور التشريعات القانونية الضامنة لحقوق المرأة، وانتشار الوعي بين شرائح واسعة من المتزوجين، وتمكن الطب الحديث من التغلب على الكثير من مثل هذه الحالات وعلاجها”.
وأضاف أن الطلاق -إن استحالت ظروف استمرار الزواج- “قد يحدث بوجود الأبناء أو دون وجودهم، أما أن ينفصل الزوجان بعد انقضاء مدة طويلة من الزواج والتفاهم والحب المتبادل، بسبب عدم وجود الأبناء فقط، فهذه من الحالات التي لا توجد إلا في مجتمع تقليدي ولا يتبنى قيم عصره”.