النيجر تواجه ضربات داعش وبوكو حرام بانتخابات سلمية

تراجع جيش النيجر أمام ضربات الجهاديين يؤدي إلى نزوح قرابة نصف مليون مواطن، منهم 160 ألفا في المنطقة الغربية.
الخميس 2021/01/07
جيش متعثر

نيامي (النيجر) – عكست المجزرة التي ارتكبت في النيجر السبت الماضي وراح ضحيتها 100 شخص، حالة الهشاشة الأمنية في منطقة الحدود مع مالي وبوركينا فاسو، كما لفتت إلى توجه الجماعات الإرهابية في 2021 نحو فرض ممارسات أكثر دموية ضد أي مقاومة لسلطتهم من قبل السكان المحليين.

ويتزامن هذا التطور الأمني الخطير مع إعلان نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، في 2 يناير الجاري، التي حلّ فيها وزير الداخلية محمد بازوم، مرشح الحزب الحاكم، في المرتبة الأولى (نحو 40 في المئة)، وصعد معه إلى الجولة الثانية الرئيس السابق محمد عثمان (نحو 17 في المئة).

ولم يترشح الرئيس محمد يوسوفو لهذه الانتخابات، ليس فقط لأن الدستور لا يسمح له بالترشح لولاية ثالثة، بل أيضا لاعترافه ضمنيا بإخفاق حكومته في التصدي للتنظيمات الإرهابية، عندما قال إنه “لا يمكن تحقيق أي شيء دون الأمن”.

وتكشف شهادات سكان محليين بمنطقة تيلابيري الشاسعة غربي النيجر، تناقلتها وسائل إعلام غربية، أن العشرات من المسلحين على متن 100 دراجة نارية هاجموا بشكل متزامن قريتي زارومادارية وتكوما بانغو، اللتين لا يفصلهما عن بعضهما البعض سوى 7 كلم، وتقعان على بعد 120 كلم شمال العاصمة نيامي.

ويرجع السكان سبب المذبحة التي تعد من بين الأكثر دموية في البلاد، إلى 15 ديسمبر الماضي، عندما قدم 3 مسلحين إلى المنطقة لجمع الأموال من القرويين، الذين سئموا العيش كرهائن لدى هذه المجموعات المتطرفة، فقتل المسلحون اثنين منهم.

ولم تتبن أي مجموعة مسلحة مسؤولية المذبحة، لكن صحيفة نيويورك تايمز الأميركية رجحت أن يكون تنظيم داعش وراءها. ويقول متابعون إن جهود النيجر لاحتواء داعش باءت بالفشل، حيث تنسحب قوات الأمن بشكل متزايد من المناطق الحدودية سهلة الاختراق.

وتخوض النيجر، التي تعد من أفقر الدول الأفريقية، حربا على جبهتين، الأولى من الجهة الغربية في مواجهة داعش وتنظيم القاعدة ممثلا في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين. والثانية من الجهة الجنوبية الشرقية بالقرب من بحيرة تشاد في مواجهة جماعة بوكو حرام في شمال شرق نيجيريا، وأيضا تنظيم داعش في غرب أفريقيا.

وقبل عام تلقى جيش النيجر هزيمتين في الجبهة الغربية، حيث قتل 71 جنديا وضابطا في هجوم على معسكر إيناتس نهاية 2019، ومع بداية 2020 خسر 89 رجلا في هجوم ثان لمسلحين على معسكر شينغودار.

وآخر هجوم تعرض له جيش النيجر، وقع في 21 ديسمبر الماضي بتيلابيري، عندما قتل 7 جنود في كمين يُعتقد أن داعش يقف وراءه. وفي الجبهة الشرقية للنيجر، تبنت بوكو حرام هجوما على قرية تومور بالقرب من الحدود مع نيجيريا، في 12 ديسمبر الماضي، خلف مقتل 34 قرويا.

وأدى تراجع جيش النيجر أمام ضربات الجماعات المسلحة شرقا وغربا، إلى نزوح قرابة نصف مليون مواطن، منهم 160 ألفا بالمنطقة الغربية، في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 23 مليونا، 40 في المئة منهم يعيشون في فقر مدقع.

ورغم أن النيجر سمحت بإقامة أكبر قاعدة أميركية جوية للطائرات دون طيار في منطقة الساحل على أراضيها، إلا أن ذلك لم يحقق النصر على التنظيمات الإرهابية التي وضعتها بين كفي كماشة.

كما أن فرنسا تملك قواعد عسكرية بالنيجر، التي استقلت عنها في 1960، ولم يمنع ذلك من ازدياد الهجمات الإرهابية على البلاد، رغم قيادتها لتحالف مجموعة الخمسة (النيجر ومالي وموريتانيا وبوركينا فاسو وتشاد)، في مواجهة داعش والقاعدة.

Thumbnail

واشتركت النيجر أيضا في تحالف آخر من خمس دول لقتال بوكو حرام في منطقة بحيرة تشاد، تحت اسم “القوّة الأفريقية المشتركة”، التي تضم كلا من الكاميرون ونيجيريا وتشاد وبنين.

ناهيك عن تحالف دول الميدان الذي تقوده الجزائر، والذي يضم إلى جانب النيجر كلا من مالي وموريتانيا وبوركينا فاسو، ويهدف إلى تنسيق الجهود الأمنية والعسكرية في قتال الجماعات الإرهابية كلٌ داخل أراضيه، على عكس التحالفات الأخرى.

إلا أن كل هذه التحالفات العسكرية والأمنية لم تمنع الجماعات الإرهابية من توجيه ضربات خلفت آلاف القتلى ومئات الآلاف من النازحين منذ 2010. ولا يستبعد متابعون أن يحاول داعش تأسيس إمارة له في منطقة الحدود الثلاثة، إن لم تتمكن دول المنطقة بدعم دولي من إفشال هذا المخطط.

وفي بلد شهد 4 انقلابات عسكرية، آخرها في 2010، يمثل الانتقال السلمي للسلطة حدثا بارزا يجب التوقف عنده، خاصة وأن البلاد تواجه تهديدا أمنيا قد يؤدي إلى إسقاط الدولة وليس النظام السياسي فقط.

فعدم تعديل الرئيس يوسوفو للدستور من أجل الترشح لولاية رئاسية ثالثة، شكل خطوة هامة نحو عدم تعريض البلاد لأزمة سياسية، كما حدث في 2010، حينما حاول الرئيس محمد تونغا (1999 – 2010)، تعديل الدستور للترشح لولاية رئاسية ثالثة، قبل أن يطيح به انقلاب عسكري.

ومن مفارقات التاريخ أن يترشح الرئيس السابق محمد عثمان (1993 – 1996)، الذي أُطيح به في انقلاب عسكري، لهذه الرئاسيات ويتمكن من الصعود إلى الدور الثاني، بدعم من زعيم المعارضة هاما أمادو، الذي حل ثانيا في رئاسيات 2016.

لكن المرشح الأقرب إلى الفوز بكرسي الرئاسة ليس سوى محمد بازوم، القيادي في “حزب النيجر من أجل الديمقراطية والاشتراكية” الحاكم، ووزير الداخلية.

ويمثل نجاح الانتخابات الرئاسية فرصة لإعادة توحيد البلاد بمختلف أعراقها وقبائلها في مواجهة تنظيمات إرهابية، تحاول الإطاحة بالنيجر ودول الساحل الأفريقي على امتدادها الواسع في الصحراء الكبرى.

5