أخطار وجودية تترّبص بالعراق في غفلة من جيشه العريق

بغداد - تضع فوضى السّلاح السائدة في العراق وكثرة الميليشيات التي تنازع القوات النظامية دورها ووظيفتها، والصعوبات التي تواجهها تلك القوات التي شارفت سنة 2014 على الانهيار أمام زحف تنظيم داعش على ثلث مساحة البلاد، بالإضافة إلى الوضع السياسي المتوتّر والوضع الأمني الهشّ، أمام أخطر السيناريوهات بما ذلك سيناريو الحرب الأهلية، وذلك بحسب تصريحات مسؤولين كبار في الدولة العراقية.
واحتفل العراق، الأربعاء، بمرور مئة سنة على تأسيس جيشه، أحد أعرق جيوش المنطقة وأقواها في بعض الفترات من القرن الماضي، قبل أن يتراجع بشكل رهيب منذ الغزو الأميركي للبلد سنة 2003 حيث تمّ حلّ ذلك الجيش الذي ظل يكابد منذ ذلك الحين للنهوض مجدّدا في ظل عوائق سياسية أبرزها إرادة قوى مسيطرة على مقاليد الدولة العراقية إضعاف القوات النظامية لإفساح المجال أمام العشرات من الميليشيات الطائفية المسلّحة المرتبط أغلبها بإيران والتي تسجّل حضورها بقوّة في المشهد اليومي العراقي وتهدّد السلم الأهلي للبلد.
وتتحرّك تلك الميليشيات بعيدا عن السياسة الرسمية للدولة العراقية وأهدافها وتنفّذ أجندة مرتبطة بالمصالح الإيرانية وصراع النفوذ الذي تخوضه في العراق، ومن ذلك استهدافها بشكل متكرّر للمنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد حيث مقرّ السفارة الأميركية في العراق.
وحذّر وزير الدفاع العراقي جمعة عناد، الأربعاء، من خطورة تلك الهجمات قائلا في تصريحات صحافية إنّ “استهداف المنطقة الخضراء والبعثات الدبلوماسية قد يجر البلاد إلى حرب أهلية يكون المواطنون العراقيون ضحيتها”.
وتحاول إيران من خلال استخدامها للميليشيات الشيعية التابعة لها دفع الولايات المتّحدة إلى سحب قواتها ودبلوماسييها من العراق، لكن حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تتمسّك بالعلاقة التي تعتبرها حيوية مع واشنطن وتؤكّد حاجتها لمساعدة التحالف الدولي ضد داعش، لضبط الوضع الأمني الذي مازال هشّا بعد أكثر من ثلاث سنوات على هزم التنظيم عسكريا.
ونقلت وسائل إعلام عراقية عن الوزير عناد قوله “مازلنا بحاجة للتحالف الدولي لدعم الجيش العراقي”، لافتا إلى أن “العمل جار لتأمين البعثات الدبلوماسية وملاحقة مطلقي الصواريخ”.
وتابع “هناك من يريد جرّنا لصدام مسلح ولن نسمح بذلك، والجيش العراقي يواجه تحديات كبيرة أهمها ملاحقة فلول داعش ونقص التدريب وضعف جهاز الاستخبارات”.
وكان رئيس الوزراء العراقي الذي يشغل بحكم منصبه وظيفة قائد عام للقوات المسلّحة، قد قال بمناسبة مئوية تأسيس الجيش إنّ “زمن العبث والفوضى قد ولى وإن قرار العراق لن يكون بعد اليوم بيد المغامرين”، مضيفا أن “العراق يواجه تحديات جمّة على الأصعدة كافة”.
غير أنّ تنفيذ مثل تلك الشعارات يصطدم دائما بواقع مغاير تبدو فيه الميليشيات في الكثير من الأحيان أقوى من الدولة ذاتها، ومن الصعب نزع سلاحها، فضلا عن أن الميليشيات ذاتها أُقحمت ضمن نسيج القوات المسلّحة عندما تمّ اعتبار الحشد الشعبي الذي يضم العشرات منها جهازا أمنيا رسميا خاضعا لإمرة القائد العام لتلك القوات، لكن بشكل صوري، حيث لا تتلقى تلك التشكيلات أوامرها سوى من قادتها الحقيقيين الموالين في الغالب لطهران.
وقال الكاظمي في مئوية الجيش إنّ “رحلة جيشنا الاستثنائية.. وضعت ملامح الدولة وخطّت هويتها وصانت مبادئها وقيمها، ومهما أثّرت الخيارات والصراعات السياسية والحروب العبثية على هذه الرحلة، لكن جيش العراق ظل وفيا للوطن وللدولة، وتوّج مسيرته إلى جانب قواتنا الأمنية بكل صنوفها في دحر تنظيم داعش الإرهابي وطرده من أرض العراق”.
ولوقف زحف التنظيم على باقي مساحة العراق بما في ذلك عاصمته بغداد وتاليا لاستعادة المناطق التي سيطر عليها احتاجت القوات العراقية إلى دعم الميليشيات التي انضمت إلى الحشد الشعبي الذي تأسس بفتوى من المرجع الشيعي العراقي الأعلى علي السيستاني، كما احتاجت لدعم التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتّحدة الأميركية.
ومن هذه الزاوية مثّلت حرب داعش منعطفا في تقوية شوكة الميليشيات وسطوتها على المشهد الأمني وتدخلّها حتى في القرار السياسي.
واعتبر الكاظمي أنّ الجيش العراقي نهض “منتصرا من كبوة داعش.. ومنتصرا على محاولة كسر هيبته ووجوده وطمس هويته، وقد فعل ذلك مرارا عبر التاريخ الحديث”، معتبرا أنّه “لا تنهض أمّة بجيش مطعون وجريح يتم التآمر عليه وزجه في الأخطاء السياسية”، في إشارة إلى حقبة حكم نظام حزب البعث، لكنها تنطبق بأمانة على الوضع الرّاهن.
وأضاف “على عاتقنا واجب تاريخي لوضع جيشنا في الموقع الذي يستحقه وإعادة الثقة لضباطه ومراتبه”.
وكثيرا ما يتعرّض ضباط الجيش العراقي لإهانات سواء من قادة الميليشيات الشيعية أو من السياسيين ذوي العلاقة بتلك الميليشيات، من بينها اتهامهم بالخيانة والعمالة للخارج، مثلما حدث لقائد قوات الجيش في محافظة الأنبار اللواء الركن محمود الفلاحي الذي اتّهمته ميليشيا كتائب حزب الله العراقي بالتخابر مع إسرائيل والولايات المتّحدة، الأمر الذي أدّى إلى إزاحته من مهامه ليتبيّن لاحقا أنّ التهمة كيدية ولا أساس لها.
ولا تتوقّف إهانة كبار ضباط القوات العراقية على مثل تلك التهم، بل يجري التضييق عليهم لأسباب سياسية لا علاقة لها بالاعتبارات المهنية على غرار إزاحة العميد يحيى رسول المشهود له بالكفاءة من منصبه كمتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة الذي شغله طيلة الحرب على داعش، وإحالته إلى منصب هامشي في وزارة الدفاع قبل أن يعيد له الكاظمي الاعتبار ويعينه متحدثا باسم القائد العام للقوات المسلحة.
اقرأ أيضاً: العراقيون يطلبون #الحرية_للجيش_العراقي في مئويته