ميشال حايك منجّم لبناني يخلط الأوراق مع مطلع العام 2021

مع مطلع العام الجديد 2021 ورغم كل ما يعانيه لبنان من انحدار نحو الهوة العميقة المالية والاقتصادية والصحية والاجتماعية، والفراغ الحكومي الناتج عن تقاعس حكومة تصريف الأعمال عن القيام بالحد الأدنى من واجباتها، بفعل التعقيدات المتبادلة بين الرئيس ميشال عون ومن خلفه جبران باسيل وحزب الله من جهة والرئيس المكلف سعد الحريري من جهة أخرى، فإن اللبنانيين انصرفوا كالعادة عن هذه المشاغل وركزوا جل اهتماماتهم لمعرفة ما ستحمله توقعات ميشال حايك عشية استقبال العام الجديد.
إذا أراد اللبناني أن يعرف متى تتشكل حكومته الموعودة، وهل هناك خطر أمني داهم داخلي أو خارجي، هل سيستمر سعر الليرة بالتدهور إزاء الدولار الأميركي، يكون لسان حاله: هل استمعتم إلى حايك؟ وإذا أراد أن يعرف ما إذا كانت أزمة الكهرباء ستحل وإذا كان باسيل سيكون في قفص الاتهام والمحاسبة، يتساءل: ماذا قال حايك؟
كذب المنجّمون ولو صدقوا. لكن شخصية هذا المنجّم الذي بدأت صورته وتوقعاته تنتشر مثل النار في الهشيم لدى اللبنانيين وغيرهم منذ العام 1985، أصبحت مادة دسمة يتناولها الاعلام للترويج له، وربما على طريقة الإعلان، فأصبحت إحدى المحطات التلفزيونية تستعيد، وعلى مدار عام كامل، مقاطع لتوقعاته وتربطها بما حدث لتعتبر أنه أصاب، مقارنة بينه وبين “منجّمين” آخرين يظهرون على شاشات مختلفة وتنشر نسبة صحة توقعاته مع هؤلاء.
نوستراداموس العرب
أصبح اللبنانيون ينامون ويصحون على توقعات المنجمّين ربما لفقدان ثقتهم بالمسؤولين الذين يفترض أنهم يضعون الخطط ويرسمون الحلول لكل مشاكلهم وإذ بهم يفشلون الفشل الذريع ويوصلون البلاد نتيجة سوء إدارتهم إلى حافة الزوال، على ما تنبأ وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، فأصبح حايك وليلى عبداللطيف ومايك فغالي وآخرون البوصلة التي يعتمدون عليها لتحديد خياراتهم أو التخطيط ليومهم أو غدهم.
ورغم أن حايك كغيره من المنجمين، يثير الكثير من اللغط بسبب تنبؤاته السنوية التي يطلقها في شهر ديسمبر من كل عام، يرى العديد من الناس أنه تخطى مرحلة الصدفة في تنبؤاته التي تصيب في العديد من المرات حتى باتوا يطلقون عليه لقب “نوستراداموس العرب”، بينما يرى البعض الآخر أنها ربما كانت “معلومات” استخبارية يتلقاها من أجهزة معينة مرتبط بها.
وخلال العام الماضي، لم تكد تمر دقائق على الانفجار الذي ضرب مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس وراح ضحيته أكثر من 200 شهيد وستة آلاف جريح، حتى نبشت المحطة التلفزيونية التي يتعامل حايك معها ما كان قد توقعه ليلة رأس السنة 2020 والذي جاء على الشكل التالي “جمر تحت الرماد وأم المعارك بمرفأ بيروت”.
لم يبال الإعلام ولا حتى حايك نفسه بدماء الضحايا الذين سقطوا في المرفأ ولا بمعاناة الجرحى وعشرات الآلاف الذين فقدوا منازلهم أو خسروا باب رزقهم، بل كان جل اهتمامهم الترويج لصحة تنبؤ حايك بالكارثة التي ضربت المرفأ.
هل كان حايك يعلم بوجود كمية من نيترات الأمونيوم مخزّنة في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت وأن “صاعقاً” سيشعل النار في مفرقعات نارية يتسبب بالانفجار الكارثي والذي صنّف بأنه ثالث أقوى انفجار في العالم؟ أسئلة طرحها من يشكّك بتوقعات حايك وهي أسئلة مشروعة لمن لا يؤمن بالتنجيم والمنجّمين، ويضعها في خانة المعلومات التي يكشفها مسؤولون سياسيون وأمنيون لحايك فيبني عليها توقعاته، لكنها بالمقابل بالنسبة إلى من يؤمنون بقدرات حايك “العجائبية” فهي دليل على قدرة هذا الرجل على “رؤية الغيب” أو كما يزعم بنفسه “مشاهد تتراءى له دون غيره”.
الكارثة القادمة
توقع حايك في مطلع العام 2020 أن تشهد دولة الكويت “حزناً شديداً” فكان أن توفّي أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، لكن الجميع كان على دراية بالوضع الصحي الدقيق الذي كان يعاني منه أمير البلاد المحبوب وانتقاله مرات عديدة إلى الخارج لتلقي العلاج، وصحيح أن الأعمار بيد الله، لكن موت الأمير الراحل كان متوقعاً، فيستمر المنتقدون لحايك بالتساؤل عن القدرة العجائبية في هذا التنبؤ؟
لا يكتفي حايك بالتنبؤ عن الأحداث التي في معظمها سياسية أو أمنية، لكنه يتناول أيضاً الحياة الشخصية للمشاهير ومن ضمنهم الفنانون، أصبح البعض من هؤلاء ممن يدفعون أموالاً طائلة لحايك لكي يكون إلى جانبهم ويتنبأ لهم بنجاح حفل ينوون إقامته أو ألبوم ينوون إصداره، في حين أن البعض من السياسيين يسيرون على خطى أقرانهم من مشاهير العالم مثل الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران أو الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان اللذين عرف عنهما استعانتهما بتنبؤات “بصّارين” قبل اتخاذهما قرارات مصيرية.
المسجد الأقصى سيكون هذا العام مركز الأحداث، حسبما يرى حايك، في ظل تدهور كبير في صحة الرئيس محمود عباس، وكل هذا يمهّد لبركان تغيير في الجغرافيا والقيادات الفلسطينية
ولا شك بأن حايك أصبح متمرساً في كيفية إطلاق تنبؤاته، فهو يغلفها بكلمات تأتي في معظمها ضبابية وعامة وغير محددة، وربما ذلك يعود إلى “عدة الشغل” فيحلو له بعدها أن يرسمها في إطار صحة ما توقعه، ومثال على ذلك “جمر” و”رماد” التي لا تشي بوقوع انفجار ولا أن جزءاً من العاصمة بيروت سيتضرر بنسبة كبيرة نتيجة ما وقع، لكن حايك غالباً ما يقول إن “الصورة” التي تتراءى له تأتي في إطار عام وليس محددا.
ولافت جداً في إطلالات حايك أنه يضع شروطاً على المذيع أو المذيعة خلال المقابلة عدم مقاطعته أو الاستفسار عن أيّ من التوقعات التي يطلقها، وفي ذلك حسب رأي منتقديه، أنه يحاول عدم الوقوع في “فخ” أسئلة قد تكشف زيف ما يقوله أو يتوقعه، في حين أن حايك نفسه يتذرع بأنه لا يريد الغوص أكثر في تفاصيل التوقع الذي يتناول حدثاً ما أو شخصاً ما منعاً “للإحراج” خصوصاً إذا كان هذا التوقع “سيئاً”.
وفي توقعاته للعام 2021، قال حايك إن “الودائع ستعود إلى اللبنانيين”، مشيراً إلى أنه “لا يعرف كيف سيكون ذلك”، وأضاف “اطمئنوا أيها اللبنانيون”. وفي هذا المجال تساءل أحد المشككين “كيف يطمئننا وهو يقول لا يعرف كيف ستعود الودائع؟”.
وكما هو الحال في توقعه حول “الجمر تحت الرماد” بالنسبة إلى مرفأ بيروت، عاد حايك في توقعاته بالنسبة إلى العام 2021 لتطال مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت ليعرب عن “خوفه منه وعليه”، متوقعاً أن “يصاب بالعين”، كما أوضح أنّ الكثير من الدول الصديقة قبل الدول العدوّة لا تريد ازدهاره.
ويتابع المشككون في تنبؤات حايك بالقول إن الكل يتحدث عن خطر يحيط بمطار بيروت منذ وقوع انفجار المرفأ. لقد نظّم حزب الله جولة إعلامية في منطقة قريبة من المطار بعدما تناول الإسرائيليون وتحديداً رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مسألة وجود مخازن صواريخ لحزب الله بالقرب من المطار، في تهديد مبطن لاحتمال شن غارة لتدمير المخزن وبالتالي تضرر مطار بيروت، فهل يريد حايك إيهامنا بأن إلهامه وقدراته التنبؤية رسما له مشهداً يتعلق بغارة إسرائيلية على المطار، هذا استخفاف بعقولنا. لا شك أنه قارئ سياسي محترف. حتى مرفأ بيروت سبق لنتنياهو أن ألمح إلى وجود مخزن صواريخ لحزب الله بالقرب منه، في إشارة إلى احتمال أن يكون حايك قد قرأ رسالة تهديد مبطنه للمرفأ في هذا الكلام فكان أن أطلق توقعه المثير للجدل “جمر تحت الرماد”.
تحطيم رؤوس
أما عربيا فقد توقع حايك أن الصدمة “ستختار أحد مطارات مصر مهبطاً لها” إضافة إلى “ظهور قائد جديد إلى يمين السيسي”. وسط اهتزاز أحد السجون المصرية. أما الإخوان فسيقومون بعمليات تحصد الرؤوس انتقاماً، بينما ستضرب أزمة طارئة فلك النجم عمرو دياب.
الكويت ستشهد تحطيم رؤوس أيضاً، إلى جانب تسريب معلومات صادمة تتمحور حول تغييرات جذرية بهوية الكويت، مؤكداً أن طابورا خامسا يشق طريقه إلى أركان الحكم، وأن الإرهاب سوف يضرب ذلك البلد.
“خلل فاضح في أحد الأجهزة الأمنية” هذا ما رآه حايك في الأردن، كما شاهد العيون متوجهة على أولاد الملك عبدالله، بينما يحاك مخطط إرهابي كبير لصيد رؤوس. كما توقع حايك أن يتم إطلاق القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي من سجون إسرائيل، وأن المسجد الأقصى سيكون في هذا العام مركز الأحداث، متابعاً، فيما سيركب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية موجات خطرة. في ظل تدهور كبير في صحة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكل هذا يمهّد لبركان تغيير في الجغرافيا والقيادات الفلسطينية.
حبال الهواء
ومن توقعات حايك الجديدة أيضاً أن لقاح كورونا سيكون دواءً سخيفاً ولا طائل منه. وأن قسماً “من الجامعات والمدارس يغلق درفة من بابه وقسم يغلق الدرفتين” وهذه المسألة قد لا يمكن وضعها في خانة التنبؤات، إذ أن القطاع التربوي والتعليمي منشغل منذ انتشار الجائحة وتدهور سعر صرف العملة الوطنية بكيفية “الصمود والاستمرار”، ما يطرح مسألة إغلاق بعض المدارس والجامعات أبوابها قيد التداول وظاهرة الإقفال قد بدأت فعلاً.
في خلاصة الأمر أن الشخصية الجدلية الكبيرة التي يشكلها حايك تعود إلى أن اللبنانيين أصبحوا “يتعلقون بحبال الهوى” كما يقول المثل الشعبي الدارج نتيجة تقاعس المسؤولين عن القيام بأدنى واجباتهم لناحية تأمين الاستقرار الاجتماعي والمالي والصحي، فباتوا ينتظرون “توقعات” حايك أو غيره لكي تصبح لديهم مادة للسجال بعدما أضحت المواضيع السياسية مبتذلة والانقسام العامودي بين اللبنانيين واضحاً ورمي الاتهامات المتبادلة لم يعد يسمن ولا يغني من جوع.