شربل وهبة وزير الصدفة في مهمة تدمير ما تبقى من علاقات لبنان

حكيم جديد يكشف عن الوجه الحقيقي لسياسة عون وحزب الله.
الخميس 2021/05/20
"هذرات" وهبة تخرب علاقات لبنان

لم يكن ينقص لبنان الذي يعيش في ظل أزمة كارثية على الصعيد الاقتصادي والنقدي والاجتماعي والصحي سوى تصريحات وزير خارجية “العهد القوي” شربل وهبة الذي جاءت به صدفة استقالة وزير الخارجية السابق ناصيف حتي، لتزيد من عمق الأزمة التي يعاني منها مع محيطه العربي الطبيعي، وقد تتحول إلى ما هو أبعد من أزمة دبلوماسية مع دول الخليج العربي تحديداً لتضيف إلى رصيد “العهد القوي” إنجازاً غير مسبوق.

ورغم إعلان الرئاسة اللبنانية أن وهبة، طلب من الرئيس ميشال عون الإعفاء من مهام منصبه، بعد لقائه معه، ورغم تصريحه الجديد الذي قال فيه إنه “في ضوء التطورات الأخيرة والملابسات التي رافقت الحديث الذي أدليت به إلى إحدى المحطات التلفزيونية، وحرصا منّي على عدم استغلال ما صدر للإساءة إلى لبنان واللبنانيين، تشرفت بمقابلة فخامة الرئيس وقدمت إليه طلب إعفائي من مهامي ومسؤولياتي كوزير للخارجية”. إلا أن الأزمة ما زالت تتوسع. فقد تمّ تعيين نائبة رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع زينة عكر وزيرة للخارجية بالوكالة بعد موافقتها، وأرسل المرسوم من الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى قصر بعبدا.

أما المحاولات التي يبذلها فريق عون مدعوماً من “حزب الله” و”محور الممانعة” لنفي وجود مقاطعة خارجية له، فهي عاجزة عن تبديد حقيقة أن المستشار الدبلوماسي السابق للرئيس القوي والذي أصبح وزيراً لخارجيته لم يكن على قدر ما هو مقرّر لمن يتولى هذه الحقيبة السيادية التي من صلب مهامها تعزيز علاقات لبنان التاريخية الطبيعية مع محيطه العربي، وتأكيد انفتاحه على باقي الدول لاسيما الأميركية والأوروبية منها، لا بل فإن تصريحاته تزيد الطين بلة وسوف تنعكس سلباً لتزيد من حدة الانهيارات التي تعاني منها المؤسسات الرسمية.

الدبلوماسي وسلاح حزب الله

والسؤال الطبيعي الذي يطرح نفسه في الوقت الذي يمعن فيه الإسرائيليون في تدمير قطاع غزة ومحاولة تعزيز “يهودية” الدولة على أرض فلسطين، وفي ظل حصار العقوبات التي بدأت أميركية وتتدرّج لتصبح أوروبية وقرار السعودية وقف استيراد الصناعات الزراعية من لبنان، هل كان الوزير ”اللعّيب“ بحاجة لكي يخرج بتصريحات من “كعب الدست” يمجّد فيها سلاح “حزب الله” الذي كان ولا يزال أساس المعضلة اللبنانية، ويعتبر أن هذا السلاح نجح في إبعاد خطر “الدواعش وقد أتت بهم دول أهل المحبة والصداقة والأخوة”؟

لم تكن هذه المرة الأولى التي ينحدر فيها أداء وزير الخارجية اللبناني إلى هذا الدرك، غير أن مقابلته التي بثتها قناة “الحرة” مساء الاثنين الماضي تسبّبت له، إذا أحسّ بذلك، بإحراج كبير، فبعدما كانت قد تعاقبت على هذه الحقيبة الحساسة قامات كبيرة في الحكمة والحنكة والدبلوماسية أمثال شارل مالك وفؤاد بطرس وخليل أبو حمد، إذا بنا أمام موظف جاء به رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل لكي يكون عينه وأذنه في الوزارة التي تولاها سابقاً، وتدهور العلاقات الدبلوماسية اللبنانية بدأ منذ تلك الفترة، وتنفيذ البرنامج الذي وضعه باسيل لخدمة نفسه و”حزب الله”.

عاصفة التصريحات

جميع المحاولات التي يبذلها فريق الرئيس ميشال عون مدعوماً من "حزب الله" و"محور الممانعة" لنفي وجود مقاطعة خارجية له، لم تنجح في إثبات أن وهبة لم يكن على قدر من يتولى هذه الحقيبة السيادية
جميع المحاولات التي يبذلها فريق الرئيس ميشال عون مدعوماً من "حزب الله" و"محور الممانعة" لنفي وجود مقاطعة خارجية له، لم تنجح في إثبات أن وهبة لم يكن على قدر من يتولى هذه الحقيبة السيادية

وسبق لوهبة المولود في العام 1953 في بلدة العاقورة في قضاء جبيل والذي عُين وزيرًا للخارجية في الـ3 من أغسطس 2020، أن حاول بخفة كبيرة أن يبدي امتعاضاً رسمياً على فرض الولايات المتحدة عقوبات على الوزير السابق جبران باسيل بموجب قانون ماغنتسكي بتهمة الفساد أن “استدعى” السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا “لطلب الحصول على المستندات التي استندت اليها وزارة الخزانة لإصدار عقوبات على وزراء آخرهم باسيل وما يتردد عن عقوبات على شخصيات لبنانية”.

وهبة الحاصل على إجازة في القانون من كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية في العام 1979 شغل منصب مدير الشؤون السياسية والقنصلية في وزارة الخارجية، وكان قنصلاً عاما للبنان في لوس أنجلس، وقنصلاً عاماً للبنان في مونتريال بكندا. وشغل عدة مناصب دبلوماسية في سفارات لبنان في كل من مصر وهولندا وألمانيا، وعيّن سفيراً للبنان لدى فنزويلا في العام 2007 وهو يحمل وسام فرنسيسكو دو ميراندا من الدرجة الأولى من فنزويلا.

أما في هذه الأيام، فإن ما قاله وهبة يكمّل مسيرته الدبلوماسية الحافلة، بالعمل على الجهة المعاكسة من أهداف المسؤولية الملقاة على عاتقه، فالوزير يرى أن سلاح حزب الله ”هو سلاح يتحمل مسؤوليته حزب الله، لا شك أن لبنان يتحمّل هذه المسؤولية ولكن ليس القرار قرار الدولة اللبنانية”، وأضاف “عندما كانت إسرائيل تحتل الأراضي اللبنانية تَجنَّد عناصر الحزب للدفاع عن سيادة لبنان”.

وعند سؤاله هل أصبحنا اليوم في مرحلة ثانية؟ أجاب ساخراً ”في المرحلة الثانية جاء الدواعش وقد أتت بهم دول أهل المحبة والصداقة والأخوة فدول المحبة جلبت لنا الدولة الإسلامية وزرعوها لنا في سهل نينوى والأنبار وتدمر“. وعن مبرّر بقاء سلاح “حزب الله” اليوم قال “انظروا ماذا يحصل في غزة فهل حصل مثله في لبنان؟ فإذا كان هذا السلاح رادعا للعدو الإسرائيلي فلن أمسّ به لأنه بالنسبة إلينا بوليصة تأمين” مضيفا “أنا الآن أمام معضلة انهيار اقتصادي أم انهيار السيادة واحتلال الأراضي اللبنانية، وبين الاثنتين أختار كرامتي والحفاظ على سيادتي، أما الاقتصاد فيذهب ويعود”.

أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله حين كان يهاجم السعودية تحديداً في العديد من خطاباته كانت الدنيا تقوم ولا تقعد، غير أنه في نهاية الأمر ليس مسؤولاً في الدولة ولو أنه صادر قرارها، لكن الوضع مختلف مع وزير مسؤول

وتعليقا على قول وزير الخارجية الأميركي بأن “حزب الله” خطر على الولايات المتحدة وعلى العالم ويجب تقييد حركته، أجاب وهبة “لا أدري ما هو حجم الخطر الذي يشكله حزب الله على الولايات المتحدة ولكن إذا كان برأيه أنه يشكّل خطرا على العدو الإسرائيلي فهذا موضوع آخر ونحن نشعر بخطر العدو الإسرائيلي علينا”، وأردف “أنا لا أبرر كل شيء يقوم به حزب الله وأنا أقول إنه لا يحظى بإجماع سياسي لبناني، هناك اختلاف والاختلاف عميق في الحياة السياسية اللبنانية سببه مواقف الحزب وسياسته وهذا ينعكس ضعفا وصعوبة في أخذ قرار في السياسة الخارجية اللبنانية ولكن لا يجوز للدبلوماسية اللبنانية أن تأخذ موقفا معاديا من فريق لبناني كان له دور ولا يزال على الساحة اللبنانية”.

أما عن زيارته إلى سوريا فقد قال وهبة “سُئلت هل هنالك نية لزيارة سوريا فقلت نعم نحن بصدد الإعداد لزيارة نقوم بها لوزير الخارجية السوري وتلقيت دعوة من معالي الوزير فيصل المقداد وسألبيها في الوقت المناسب”. وأكد وهبة أنه سيقوم بجولة أوروبية تبدأ بالفاتيكان ثم إيطاليا ثم إسبانيا، موضحا أن هذه الزيارة هي لبحث نتيجة زيارة وزير خارجية فرنسا إلى لبنان، وما قيل عن أن فرنسا ستذهب إلى الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على سياسيين لبنانيين، معلنا أنه طلب من دول الاتحاد الأوروبي النظر إلى لبنان كدولة مريضة والمريض لا يعاقب بل يعالج، وهذه العقوبات سوف تخرّب ما تبقى من وحدتنا وسوف تأتي بنتائج عكسية، معتبرا أنه إذا كان لا بد من عقوبات، فلتفرض العقوبات على أهل الفساد.

وفور إذاعة المقابلة، ذكرت وسائل الإعلام العربية أن هناك امتعاضاً خليجياً كبيراً قد يتطوّر إلى أزمة دبلوماسية لاسيما بين لبنان والسعودية، نتيجة تصريحات وهبة، وأصدر المكتب الإعلامي للرئيس سعد الحريري بياناً جاء فيه “أضاف وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة مأثرة جديدة إلى مآثر العهد في تخريب العلاقات اللبنانية العربية، كما لو أن الأزمات التي تغرق فيها البلاد والمقاطعة التي تعانيها، لا تكفي للدلالة على السياسات العشوائية المعتمدة تجاه الأشقاء العرب”.

أمّا الوزير السابق النائب نهاد المشنوق فقد ردّ عبر صفحته على موقع تويتر على تصريح وهبة كاتبا “شربل وهبي وزير الغباء الخارجي”. وأضاف المشنوق “لن نسمح لهذا العهد أن يقضي على لبنان. وتصريح وزيره لا يمثّل لبنان”.

واللافت كان تناول أحد ركائز محور المقاومة والممانعة رئيس حزب “التوحيد العربي” الوزير السابق وئام وهاب تصريحات وهبة وانتقدها بشكل لاذع، فكتب على صفحته على وقع تويتر “أتمنى على وزير الخارجية تصحيح كلامه حول دول الخليج ولا أرى معنى لمثل هذا الكلام والمنطقة تتجه إلى علاج كثير من مشكلات السنوات الماضية. ومن لا ينظر إلى الخطاب الجديد في الخليج بإيجابية فهو أحمق ولا يعرف مسار الأمور. الاعتذار عند الخطأ صواب”.

وفوق ذلك كله، تبرّأ رئيس الجمهورية ميشال عون من كلام مستشاره الدبلوماسي السابق وأصدر بياناً اعتبر فيه أن الكلام الذي صدر عن وهبة لا يمثل موقف الدولة اللبنانية ولا رئيسها.

كما اتصل رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بوهبة لاستيضاحه حول حيثيات المواقف التي أدلى بها، مجددا حرصه على أفضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج ومع جميع الدول الشقيقة والصديقة، وعدم الإساءة إليها.

أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فقد أجرى اتصالا بسفير المملكة وليد بخاري، مستنكرا “الكلام المسيء وغير المسؤول الذي صدر عن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة”، مؤكدا رفضه وإدانته لـ”مثل هذا الكلام الذي لا يعبّر على الإطلاق عن عمق العلاقة الأخوية التاريخية التي تجمع اللبنانيين بالخليج العربي”.

وفي أول رد رسمي على “هذرات” وهبة، أعلنت وزارة الخارجية السعودية في بيان، أنه “إشارة إلى التصريحات المسيئة لوزير خارجية الجمهورية اللبنانية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة خلال مقابلة تلفزيونية، والتي تطاول فيها على المملكة وشعبها، فإن وزارة الخارجية إذ تعرب عن تنديدها واستنكارها الشديدين لما تضمنته تلك التصريحات من إساءات مشينة تجاه المملكة وشعبها ودول مجلس التعاون الخليجي الشقيقة، لتؤكد مجددا على أن تلك التصريحات تتنافى مع أبسط الأعراف الدبلوماسية ولا تنسجم مع العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين”.

وأشارت إلى أنه “نظرا لما قد يترتب على تلك التصريحات المشينة من تبعات على العلاقات بين البلدين الشقيقين، فقد استدعت الوزارة سعادة سفير الجمهورية اللبنانية لدى المملكة للإعراب عن رفض المملكة واستنكارها للإساءات الصادرة من وزير الخارجية اللبناني، وتم تسليمه مذكرة احتجاج رسمية بهذا الخصوص”.

انهيار جديد قادم

وفود لبنانية عديدة تزور السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، في دارته باليرزة، بعد تصريحات وهبة المسيئة للدول العربية، وقد تعمد السفير استقبال ضيوفه في خيمة بدوية
وفود لبنانية عديدة تزور السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، في دارته باليرزة، بعد تصريحات وهبة المسيئة للدول العربية، وقد تعمد السفير استقبال ضيوفه في خيمة بدوية

وتشير مصادر سياسية لـ”العرب“ إلى أنه يتوقع أن تشهد الساعات المقبلة تطورات جديدة على صعيد تداعيات الكلام الذي صدر عن وهبة، وتناول فيه السعوديّة باتهاماتٍ عدّة. ولم تستبعد المصادر أن تذهب دول الخليج العربية إلى ما هو أبعد من اعتذار رسمي من لبنان، وتحديداً من رئيس الجمهوريّة.

من جهتها أشارت وكالة “أخبار اليوم” نقلاً عن مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى، أن اتهام دول الخليج وخصوصاً المملكة بتمويل أخطر منظمة إرهابية في التاريخ الحديث من قبل وزير خارجية لبنان لن يمرّ، وسوف يؤثر حتماً وسلباً وبكل أسف على الجاليات اللبنانية في دول مجلس التعاون الخليجي. وهو ما حدث بالفعل، فقد طالب مجلس التعاون لدول الخليج العربية وهبة، بإصدار اعتذار رسمي لها بسبب “إساءات غير مقبولة” خلال تصريحاته الأخيرة. وأعرب الأمين العام للمجلس نايف فلاح مبارك الحجرف، حسب بيان أصدره عن ”رفض دول مجلس التعاون واستنكارها لما ورد على لسان وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال في الجمهورية اللبنانية شربل وهبة“.

لم يكن بيان وهبة الذي اعتبر أنه تم تفسير ما قاله وتأويله “خدمة لأبواق خارجية” موفقاً إذ أنه سرعان ما نشر المحلل السياسي السعودي رئيس لجنة العلاقات الأميركية – السعودية سلمان الأنصاري مقاطع من الكلام “السيء والتافه” الذي تفوّه به وهبة بحق دول الخليج العربي وأبنائها ليدحض بالصوت والصورة نفي وهبة، ما دفعه إلى الاعتذار لاحقاً.

من ملامح انهيار الدولة اللبنانية في ظل هذا “العهد القوي” تعيين وهبة وزيراً للخارجية، فهل يعي “معاليه” أنه وضع مئات الآلاف من اللبنانيين الذين يعتاشون في المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج العربي أمام مخاطر لا تقل عن التضييق على أعمالهم أو عدم تجديد إقاماتهم في الحد الأدنى؟

على وهبة أن يعي أن تصرفاته وما ينطق به يؤثر سلباً أو إيجاباً على كل اللبنانيين أينما كانوا، وعندما كان أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله يهاجم السعودية تحديداً في العديد من خطاباته كانت الدنيا تقوم ولا تقعد غير أنه في نهاية الأمر ليس مسؤولاً في الدولة ولو أنه صادر قرارها، لكن الوضع مع وزير مسؤول حتى في حكومة مستقيلة يختلف.

ولهذا لم يكن مستغرباً أن تسارع أجهزة إعلام إيران وتوابعها إلى الدفاع عن وهبة، معتبرة إياه كما ورد في موقع قناة العالم الإيرانية أنه على طريق الحق، على قاعدة لم يترك الحق لي صاحباً.

من المؤكد أن وهبة لا يعرف كيف تورد الإبل عند العرب، ولا يريد أن يعرف، بحكم أنه وتياره ورئيسه حسب كثير من اللبنانيين من الخواجات السعداء بممارسة وعيش ”الذمية“ في دولة “حزب الله”.

12