الفلسطينيون طيور التمّ كما يراهم فهمي جدعان

الكاتب فهمي جدعان يجمع في كتابه "طائر التمّ.." بين الكتابة الأدبية والفلسفية ليبرز من خلالها المحطّات الحياتية المفصلية في مسيرته.
الخميس 2021/01/07
فهمي جدعان مفكر يروي سيرة أجيال ووطن

عمّان- يتضمن كتاب “طائر التمّ.. حكايات جنى الخُطى والأيام”، السيرة الذاتية للمفكر الفلسطيني فهمي جدعان.

ويمزج المؤلف في سيرته الذاتية بين الهمَّين الشخصي والجمعي في توثيقه لمسيرة حياته التي شكّلت نكبة 1948 مفتتحاً أساسياً لسردها، ومرجعية لرصد التحولات في المشهد العربي عبر أكثر من سبعة عقود.

ويُبرز الكتاب بأسلوب يجمع بين الكتابة الأدبية والفلسفية، المحطّات الحياتية المفصلية في مسيرة مؤلفه، موثّقا علاقته بالأمكنة التي زارها وجال فيها خلال رحلته الأكاديمية والبحثية، ويتوقف عند أبرز الوجوه التي رافقته وأثّرت فيه.

جدعان جمع في كتابه بين الرواية والسيرة الذاتية، وأنتج سيرة روائية بصيغة الجمع، قائمة على التعددية الزمنية

وكتب الشاعر زهير أبوشايب عن هذه السيرة، الصادرة عن الأهلية للنشر والتوزيع، “إنها ليست مجرّد سجل خاصّ لصاحبها، بل هي، في موازاة ذلك، سجلّ عامّ للذات الجمعيّة الفلسطينيّة، التي تشبه طيور التمّ في هجراتها الطويلة المضْنية وصمتها على الألم وقدرتها العظيمة على التحليق؛ ولذا فإنّ كلّ تلك الآلام التي رصدها جدعان في هذه السيرة، لم تجعل منها سيرةَ ‘ضحيّةٍ‘ كما يُفترَض، بل حوّلتها إلى أمثولة تراجيديّة يواجه فيها البطل أقداره بعناد، دون أن يكلّ أو ييأس أو يفكّر في النصر أو الهزيمة”.

ويرى أبوشايب أن هذه السيرة “مغايرة”، لا لأنّها ترصد “تغريبة” الجسد الفلسطينيّ خارج المكان فقط، بل لأنّها “ترصد أيضاً حركة وعي مقاوم لم يتبعثر، ولم يغترب، ولم تنل منه “النكبة”، وهذا ما يجعلها نقيضاً فعلياً لمعنى البعثرة الذي تحفل به النصوص السيريّة الفلسطينية”.

ويضيف أبوشايب “أكثر ما شدّني في ‘طائر التمّ‘، بالإضافة إلى لذّتها الأدبيّة، تلك اللغة الجسورة المسنّنة التي لا تهادن ولا تراوغ ولا تمرّ على الأشياء مروراً آمناً، بل تخمش وتنكأ وتحفر وتخز وتترك علاماتها على كلّ شيء”.

ذاكرة واسعة احتفظت بجروح الزمان
ذاكرة واسعة احتفظت بجروح الزمان 

خاتماً بقوله إنّ أكثر ما يحتاج إليه كاتب السيرة هو “تلك الجسارة التي تؤهّله لا للنظر إلى الخلف فقط والتحوّل على إثر ذلك إلى عمودٍ من الملح، بل للتحديق في عتمات الذات والعالم، والاجتراء على الرؤية”.

أما الناقد فيصل درّاج فيتحدث عن هذا الكتاب قائلاً “في كل سيرة ذاتية مَلْمَح روائي، وفي كل كتابة روائية طيف سيرة ذاتية”، مضيفاً أن جدعان جمع في “طائر التِّم” بين الرواية والسيرة، وأنتج سيرة روائية بصيغة الجمع، احتضنت تعددية زمنية واضحة المفاصل، استُهلِّت بالنكبة، وتابعت تحوّلات عالم عربي طويل الاحتضار، ورصدت أقدار “لاجئ” يلبّي إرادته ولا ينصاع إلى أحد.

ووفقاً لدرّاج، تتكشف في “طائر التِّم” ذاكرة واسعة، احتفظت بجروح الزمان وبمتواليات من طلبة ومفكرين شهيرين، عرب وغير عرب، تعاملتْ معهم السيرة بمعيار الكيف الأخلاقي والنزاهة الثقافية.

ويؤكد درّاج أن جدعان “أنجز سيرة ذاتية يتكامل فيها الأدبي والفلسفي ببلاغة مركّبة.. نسجَها بمتواليات حكائية متحاورة توسّطها ‘لاجئ‘ غدا علَماً ثقافياً، متطور المعرفة”.

ويذكر أن فهمي جدعان مفكر أردني من أصول فلسطينية، من مواليد سنة 1940، في بلدة عين غزال الفلسطينية، درس الفلسفة في جامعة السوربون وحصل منها على شهادة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام سنة 1968.

عرف جدعان بآرائه الجدلية حول الكثير من القضايا الفكرية المتعلقة بالإسلام مثل النسوية الإسلامية والإسلام السياسي وغيرهما، ويربط جدعان جل أفكاره وتمثّلاته الفلسفيّة في مشاغله كافة بمعين الوجدان، ونهر الحياة، وقوة الأمل، فهذه في نظره من المحدّدات التي يعوّل عليها من أجل تعبيد السبيل أمام الأجيال القادمة، والحيلولة دون إنتاج المزيد من الآفاق المسدودة.

سيرة "مغايرة"، لا لأنّها ترصد “تغريبة” الجسد الفلسطينيّ خارج المكان فقط، بل لأنّها ترصد أيضاً حركة وعي مقاوم لم يتبعثر

ويدعو في مجمل نتاجه الفكري، وبخاصة كتبه الأخيرة، إلى تحرير الإسلام من التصوّرات والتمثّلات والمواقف التي تفسد صورته وتجور عليها، وتيسّر إصابته والإساءة إليه، وربما أيضًا إقصاءه من لوح الوجود الحيّ.

ويرى جدعان أنه ما من طريق للعبور والخروج إلا بالمزيد من الدعوة والدفاع عن “مبادئ الحداثة”، من خلال الجهود المتضافرة التي يبذلها المثقفون المستنيرون، والمفكرون، ومنابر الرأي، والمؤسسات الثقافيّة الحديثة، والضغط المستمر على الدولة من أجل إحداث التطويرات الضروريّة.

وفي كتابه الأخير نرى المفكر في جانب آخر منه، الجانب الحياتي، وفي تصوراته لرحلته مع الفكر واللغة والإبداع، وتصوراته الثقافية لمسيرته ومسيرة الكثير من المفكرين والأدباء  الآخرين، ليخلص إلى صورة شاملة ومقاربة مختلفة عن فلسطين والفلسطينيين.

14