البنوك تقتنص صفقات الاستحواذ في السوق المصرية

كورونا يضع شركات المدفوعات الإلكترونية والخدمات الصحيّة والمالية في مرمى الصفقات.
الأربعاء 2021/01/06
بنوك تعدّل دفة الاستثمار

أعادت البنوك تشكيل خارطة صفقات الاندماج والاستحواذ في السوق المصرية، مدفوعة بتداعيات انتشار فايروس كورونا، الذي ساهم في تحويل دفة الاستثمار نحو قطاعات جديدة، وفرض ضرورة التخلي عن الحذر السابق، في محاولة لإنعاش الاقتصاد وتخفيف حدّة الأزمة عليه.

القاهرة - صبّت البنوك المصرية ملاءتها المالية في عدد كبير من شركات الرعاية والخدمات الطبية، وتكنولوجيا المعلومات، والمدفوعات الإلكترونية، التي لمع نجمها في خضمّ أزمة لا تزال مستمرة وتفرض تحديّات على واقع الاستثمار محليا ودوليا.

وقد نشطت سوق الصفقات في مصر على نطاق كبير بقيادة البنوك، بعد أن قنصت فرص الاستثمار المباشر في الشركات، التي تحتاج إلى قدرات مالية كبيرة لتوسيع نطاق أعمالها، عقب تضاعف الطلب على خدماتها بشكل قياسي مؤخرا.

وزاد من جاذبية تلك الاستثمارات أنّ منتجات هذه القطاعات باتت رافدا أساسيا ضمن إجراءات مواجهة الفايروس، حيث أضحت المدفوعات عن بعد قاعدة أساسية لتفادي التزاحم وأسلوبا للتباعد في جميع المؤسسات، فضلا عن الحاجة بشكل رئيسي للخدمات الصحية لمواجهة الجائحة.

واستحوذ البنك الأهلي المصري على نحو سبعة في المئة من شركة “فوري” للمدفوعات الإلكترونية، وتتجاوز قيمتها السوقية نحو 1.5 مليار دولار، ودخل بنك مصر السباق ذاته واستحوذ أيضا على نسبة مماثلة من الشركة، التي تعد الأولى في مجال الدفع الإلكتروني في مصر.

ويمتلك البنك التجاري الدولي- مصر نحو 23.5 في المئة من نفس الشركة، فيما وصلت مساهمات بنك التعمير والإسكان المباشرة أيضا إلى حوالي 40 في المئة من رأسمال شركة خدمات المعلومات والمعاملات الإلكترونية.

وعزّز بنك أبوظبي التجاري استثماراته في مجال شركات الرعاية الطبية، من خلال الاستحواذ على حصة تصل إلى 51.5 في المئة من شركة الإسكندرية للخدمات الطبية، في صفقة بلغت قيمتها 17 مليون دولار.

محمد عبدالعال: الوباء دفع البنوك إلى دخول أنشطة الاستثمار المباشر سريعة النموّ

وأتم بنك الاستثمار “إن.آي كابيتال” المملوك للدولة المصرية، صفقة استحواذ قيمتها خمسة ملايين دولار على شركة “عربية أون لاين” للوساطة في الأوراق المالية، التابعة لبنك عودة اللبناني، الذي يمتلك نحو 90 في المئة منها.

ودفعت زيادة إقبال الجمهور على التعامل مع هذا النمط من الشركات، إلى تفكير جهات كثيرة التوسع فيها، خاصة أن المستقبل يميل إلى هذا الاتجاه في المنطقة العربية، مع ما حققه من تقدّم في دول مختلفة، تمثل جاذبية كبيرة لرؤوس الأموال.

ولدى البنوك توقعات بازدهار مرتقب لأداء تلك القطاعات، ما يجعلها تهرول لقنص المشاركة في رأسمالها لجني الأرباح، وتعويض جزء مما يمكن أن تخسره، حيث تشير تقديرات الكثير من مراكز الأبحاث بانخفاضها خلال العام الحالي.

وقال بنك الاستثمار “فاروس”، من المنتظر أن يظهر أثر خفض أسعار الفائدة في البنوك المصرية، والتي بلغت نحو 400 نقطة أساس خلال 2020 خلال الأشهر المقبلة، ما يساعد الشركات على الإمعان في الاقتراض لتمويل إنفاقها الرأسمالي في استثمارات وتوسعات جديدة، لكن طفرة الاقتراض سوف تُؤتي ثمارها العام المقبل.

وكانت البنوك تجني ثمار أرباحها الرئيسية من خلال إقراض الحكومة عبر أدوات أذون وسندات الخزانة، فيما تتراجع وتيرة معدلات الاقتراض العام الحالي، وفق خطة وزارة المالية بمصر لتخفيض وتيرة الدين العام، ما يعني انخفاض دخل البنوك من الاستثمار في أدوات الدين الحكومية.

وقال الخبير المصرفي محمد عبدالعال، إن الوظيفة الأساسية للبنوك ليست الاستثمار المباشر في الأنشطة الاقتصادية، لكن التطورات الحديثة وما يفرضه الواقع، دفعتها إلى الاستثمار في تلك القطاعات الواعدة.

وأضاف لـ”العرب”، أن البنوك تضم إدارات تخدم العمل المصرفي بشكل مباشر، منها إدارة المخاطر وإدارة الامتثال وتمويل الشركات وتكنولوجيا المعلومات، لكن تطورات التكنولوجيا المالية فرضت على البنوك اقتحامها وبقوة، لمواكبة التحوّل الرقمي.

وتعد شركات المدفوعات الإلكترونية الوسيلة الأنسب لتعزيز قدرات البنوك لامتلاك بنية تحتية ذكية تعزز التحول الرقمي، فيما تسعى البنوك أيضا للاستحواذ على الشركات المكمّلة لأنشطتها مثل السمسرة أو الحفظ المركزي أو التأجير التمويلي، من أجل خفض التكاليف والمنافسة في السوق.

وليد جاب الله: صندوق مصر السيادي يفتح شهية البنوك لدخول سوق الصفقات

واستحوذ البنك الأهلي المصري، ويمتلك أكبر حصة في سوق التجزئة المصرفية في مصر، على نحو 24 في المئة من شركة “أمان” لتكنولوجيا الخدمات المالية غير المصرفية والمدفوعات الإلكترونية مقابل 30 مليون دولار.

وأكد الخبير الاقتصادي وليد جاب الله، أن حجم الودائع في البنوك يقدر بنحو 295 مليار دولار، ولا تزال الحكومة هي المقترض الأول، وبالتالي فإن هذه القوة المالية لديها القدرة على اقتحام الاستثمار المباشر في الأنشطة الاقتصادية المختلفة.

وتوقع في تصريح لـ”العرب”، أن تنشط استثمارات البنوك في القطاعات الاقتصادية المختلفة خلال الفترة المقبلة، مع وجود الصندوق السيادي المصري، الذي يفتح آفاقا استثمارية أمام البنوك عبر المشاركة في الصناديق الفرعية ذات الأنشطة المتنوعة.

وتضم الأنشطة الاستثمارية للصندوق السيادي، قطاعات الطاقة والخدمات المالية والتحول الرقمي والخدمات الصحية والاستثمار العقاري والمرافق والبنية الأساسية.

وما يعزز مواصلة نشاط سوق الصفقات بقيادة البنوك الفترة المقبلة ارتفاع الضرائب والرسوم الجديدة التي أقرتها تعديلات قانون ضريبة الدخل، حيث رفعت سعر الضريبة الذي تدفعه البنوك على أرباحها من الاستثمار في أذون وسندات الخزانة، وهو أحد الضغوط الرئيسية على نموّ أرباح البنوك.

وتضم حزمة الضغوط المالية على أرباح البنوك المساهمة التكافلية في منظومة التأمين الصحي الشامل، واقتطاع واحد في المئة من أرباحها السنوية لصالح صندوق دعم وتطوير القطاع المصرفي، ونصف في المئة من قيمة الودائع، لصالح صندوق تمويل إجراءات تسوية أوضاع البنوك المتعثرة.

وتدفع هذه الأمور مجتمعة البنوك للبحث على ملاذات استثمارية سريعة العائد وعالية الربحية للحفاظ على مراكزها المالية قوية، من خلال الاستثمار في قطاعات لديها القدرة على تعظيم العائد على الاستثمار إلى جانب سرعة دوران رأس المال.

11