ملتقى أريج للصحافة الاستقصائية اختبار لرقمنة التحاور الإعلامي

عمان - فرضت جائحة كورونا عقد ملتقى أريج السنوي للصحافة الاستقصائية الـ13، افتراضيا في العاصمة الأردنية عمان، تحت عنوان “نربط العالم”، عبر منصتين متزامنتين، الأولى “زوم”، والثانية منصة “أون فينت”، بينما اختلفت ردود أفعال الصحافيين حول الفائدة التي يمكن تحقيقها من مؤتمرات الإعلام عن بعد، وسط محدودية التفاعل مقارنة بالتواصل المباشر.
واستطاعت شبكة أريج للصحافة الاستقصائية تجاوز العقبات التقنية وجمعت 3000 صحافي من أنحاء العالم و160 متحدثا، شاركوا في 60 جلسة وورشة حول تحديات الإعلام، والتحقيقات العابرة للحدود، وتعامل الصحافة وتغطياتها المعمقة للجائحة وغيرها، خلال الفترة من 4 إلى 7 ديسمبر الجاري.
ويرى مراقبون أن نجاح الملتقى في التنظيم والتواصل الافتراضي مع المتلقين خلال المحاضرات، وتنظيم الوقت، وتقصي ردود الفعل عبر استبيانات، بالإضافة إلى العدد الضخم الذي سجل للمشاركة بأضعاف ممن شاركوا سابقا في النسخ الحية، يمهد لاعتماد شكل التواصل الرقمي في المؤتمرات والملتقيات الإعلامية والصحافية حتى بعد الجائحة.
وبدأت بالفعل المؤسسات الصحافية والبحثية في مجال الإعلام التأقلم مع تغيرات كوفيد – 19، سواء كتفاعل الضرورة أو تمهيدا للاختيار الطوعي المتوقع بعد كورونا توفيرا للنفقات والجهد ولإتاحة التواصل مع أكبر عدد ممكن، لكن هذه القناعة لم تنتقل بعد إلى الصحافيين لتبنيها.
ولازال تقييم فاعلية مثل تلك اللقاءات في صورتها الرقمية، قيد الشك إذ أن الأعداد المشاركة فعليا في الجلسات لم تتجاوز المئات، ما يعني أن الصحافيين لازالوا غير متعاطين أو مقتنعين تماما بجدوى اللقاءات عن بعد.
وأعرب عدد من الصحافيين الذين سجلوا لحضور الملتقى، أنهم لم يحضروا سوى جلسة أو اثنتين، وبعضهم لم يشارك في أي جلسة، ممن اعتادوا على حضور تلك الملتقيات في نسخها الماضية، أو ممن سجلوا فيها للمرة الأولى.
وعلى الرغم من أن العمل الإعلامي انتقل منذ فترة طويلة، قبل الجائحة، إلى اعتماد التكنولوجيا والتواصل عن بعد بين الصحافي ومصادره توفيرا للنفقات والجهد، أو في ظل الأعمال العابرة للحدود، غير أن اللقاء المباشر يبقى بالنسبة إلى الإعلاميين الطريقة المثلى للتواصل، إذا ما أرادوا التعمق والتميز.

عبدالله أبوضيف: جلسات الملتقيات ما هي إلا ساحات لتبادل الآراء حول المواضيع
وقالت صحافية شاركت في ورشة أريج التدريبية الأولى حول الصحافة الاستقصائية بالتزامن مع الجائحة في أبريل الماضي، إنها شاركت في الجلسة الافتتاحية وجلسة حول تغطية جائحة كوفيد في اليوم الأول لانطلاق الملتقى، لكنها لم تستسغ تلك الصورة الرقمية للملتقيات.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” مفضلة عدم ذكر اسمها: “كنت أتمنى أن أشارك في الملتقيات الحية لأتعرف على صحافيين استقصائيين من دول عدة، وأكوّن مصادر في المهنة، غير أن الجائحة قالت كلمتها، حاولت التعاطي مع الملتقى على النحو ذاته الذي تفاعلت فيه مع الورشة التدريبية واستفدت منها، لكن لم أستطع فقد أصابني التلقي الرقمي لساعات دون الإرسال، بالصداع وعدم التركيز”.
وعلى الخلاف، رأى الصحافي الاستقصائي، عبدالله أبوضيف، أنه حقق استفادة كبيرة من فاعليات الملتقى، حيث تلقى تجارب وشروح لاستقصائيين من دول عدة، واستمع أكثر عن المضامير الحديثة في العمل الصحافي مثل التحقيقات العابرة للحدود والتي يشترك فيها أكثر من صحافي من دول عدة، يستقصون عن القضية نفسها في بلادهم.
وتابع أبوضيف لـ”العرب”، وهو واحد من المتحدثين في إحدى الجلسات، “لقد كنت من أول مجموعة شاركت في الورشة الرقمية لأريج، والمؤسسة نجحت في إدارة الورشة كما الملتقى، حيث صممت موقعا خاصا لها، العمل عن بعد كان أصعب خلال تنفيذ تحقيقي الأول مع أريج، لكن الحالة على تحدياتها أفضل من لا شيء”.
ويرى أن الملتقى وإن لم يمثل قدرا هائلا من الإفادة، لكنه يعد “بريق أمل”، موضحا أن “جلسات الملتقيات ما هي إلا ساحات لتبادل الآراء، وتسليط ومضات حول مواضيع محددة، وهذا مهم في الوضع المتأزم للصحافة، نحتاج كصحافيين أن نتشارك الهموم والمخاوف”. وتابع أبوضيف 5 جلسات فقط من الملتقى.
ومن التحديات الأخرى في اعتماد النسخ الرقمية لمثل تلك الملتقيات، تعارض جدولها مع الجدول اليومي والمكتظ عادة لدى الصحافيين، فالصحافي يستطيع أن ينظم جدوله لكي يسافر عدة أيام لحضور الملتقى، لكنه في المقابل قد لا يستطيع الاعتذار عن التزام أو عمل ما لحضور ملتقى رقمي.
وأكد الصحافي الاستقصائي الحاصل على المركز الثاني في مسابقة أريج السنوية، محمود الواقع، أن الملتقى نجح في تجاوز عقبة كوفيد – 19، وهو شيء يحسب للمؤسسة خصوصا مع القدرة العالية على التنظيم وتلقي أسئلة الصحافيين وتدعيم مجتمعها بمتفاعلين جدد.
وأوضح لـ”العرب”، لكن ذلك بالطبع لا يُقارن مع جدوى تنظيم ملتقيات حية، يستطيع فيها الصحافي التقاء آخرين، وطرح جملة من الأسئلة المباشرة عن تجربتهم، وتعميق العلاقات في ما بينهم، وهذه كانت الاستفادة الأكبر من تلك الملتقيات، وهو ما سلبها كوفيد.
وينتظر الإعلام العربي والعالمي مرور وباء كورونا، لاختبار الكثير من التغييرات التي طرأت عليه في ظل الجائحة، بتحديات قد تضعنا أمام إعلام جديد يختلف عن إعلام ما قبلها.