كورونا يوسع الهوة بين الجيران

التوجس من المرض ينفر سكان الحي الواحد من بعضهم.
الخميس 2020/11/19
الشعور بالوحدة نتيجة تقليل الزيارات أخف وطأة من الإصابة بالعدوى

أدت التحذيرات المتواصلة من سرعة انتشار فايروس كورونا بين الأشخاص إلى هجر الأجوار لبعضهم البعض حتى ولو كانت بينهم روابط دموية قوية. ويفسر علماء النفس هذا السلوك بغريزة حب البقاء لدى الأفراد مشيرين إلى أن الخوف من انتقال العدوى تحوّل إلى رعب.

أدت جائحة كورونا إلى المزيد من التباعد الاجتماعي بين الأشخاص وقد تجاوز أفراد الأسرة الواحدة ليشمل الأجوار حتى الأكثر قربا منهم .

وخوفا من انتشار عدوى الفايروس أصبح سكان الحي الواحد أكثر نفورا من بعضهم البعض حتى ولو كانت بينهم قرابة دموية.

ورغم أن الانعزال الاجتماعي وتبعاته النفسية يعتبران أخطر على الصحة النفسية والجسدية من تبعات التباعد الاجتماعي أو الجسدي، حيث أشارت بعض الدراسات إلى أنه يعتبر من أكبر العوامل المعرضة للوفاة، إلا أن الخوف من انتقال عدوى فايروس كورونا جعل الأجوار لا يهتمون بمقولة “الجار للجار رحمة” ولا يأبهون بمساعدة أحدهم حين يحدث مكروه له.

وأكد المختص في علم النفس أحمد الأبيض أن خوف بعض الناس من انتشار العدوى تجاوز ذلك ليصبح رعبا مشيرا إلى أن الناس أصبحوا يتنقلون مصحوبين بكل وسائل التعقيم وهو ما جعلهم حذرين من أي مكان يقصدونه.

وقال الأبيض لـ”العرب” إن الأجوار لم يقللوا من التزاور فقط بل أصبحوا يحرمون أبناءهم حتى من اللعب مع أطفال الحي الواحد، بتعلة أنهم غير مطمئنين للحالة الصحية للأجوار .

وأضاف أن إلغاء التزاور نتج عنه انكماش وضعف في التواصل ما جعل الفرد يشعر بأنه على غير طبيعته وهو المدني بالطبع.

كما أن الخوف من الوصم جعل العديد الأسر تمتنع عن كشف خبر إصابة أحد أفرادها وهو ما يزيد من فرص التباعد الاجتماعي والخوف من تبادل الزيارات.

أحمد الأبيض: إلغاء التزاور نتج عنه انكماش وضعف في التواصل
أحمد الأبيض: إلغاء التزاور نتج عنه انكماش وضعف في التواصل

وقالت درة الشواشي المتزوجة حديثا إنها تسكن بجوار منزل والدتها ويجمعهما حي واحد لكنها لا تجرؤ على زيارتها يوميا وتعوض ذلك بالاتصال الهاتفي لتطمئن على حالتها الصحية .

وأضافت لـ”العرب” أنها لا تتجرأ على زيارة الجيران في هذه الفترة بالذات خصوصا إذا علمت بإصابة احدهم بالفايروس اللعين، مشيرة إلى أن شعور الشخص بالوحدة أفضل من شعوره بأنه مهدد في كل لحظة بعدوى فايروس كورونا.

من جهته قال زهير الخزري إنه يلتزم بكل القواعد الصحية خوفا من نقل العدوى لأطفاله لذلك يتجنب الزيارات العائلية حتى لو كان الأقارب أجوارا. مضيفا أنه ليس لديه ثقة في تطبيق البروتوكول الصحي بكل عناية في المكان الذي يقصده.

وأشار إلى أنه يكتفي بإلقاء التحية على جيرانه دون أن يطيل معهم الحديث وأن زوجته تكتفي بالتواصل مع الجيران من شرفة المنزل عن بعد وهو ما يضمن السلامة للجميع.

ويرى علماء الاجتماع أن فوائد التباعد الاجتماعي تطغى على سلبياته التي أهمها الشعور بالوحدة، وانخفاض مستوى التفاعل المباشر، ومستوى الإنتاجية نتيجة إجراء بعض التغييرات في البيئة المحيطة.

كما أشار علماء النفس إلى أن هناك مشاعر سلبية قد تعتري البعض أثناء الحجر أو العزل، كالقلق أو الخوف، والعصبية، والغضب، والإحباط، والحزن، والملل، أو غيرها من المشاعر، وربما تكون هناك استثارة لأي أعراض أو اضطرابات نفسية سابقة أو محتملة.

ونصحوا بالتقيد في مثل هذه الظروف بالإجراءات الاحترازية واتباع توجيهات الجهات المعنية وتقليل التعرض للأخبار والابتعاد عن الشائعات، وممارسة الأنشطة الرياضية والترفيهية، والنوم الصحي والتغذية الجيدة، وممارسة أنشطة الاسترخاء، والتواصل مع الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والعمل عن بعد، وطلب الاستشارة الطبية أو النفسية عبر الهاتف عند الضرورة.

ورغم أن الإنسان اجتماعي بطبعه، والتواصل الاجتماعي هو حاجة إنسانية أساسية لتعزيز صحته النفسية والجسدية، إلا أن علماء النفس يحذرون من كثرة التزاور وخصوصا بين كبار السن.

ووجدت الدراسات أن الأشخاص السعداء لديهم ارتباط اجتماعي بالآخرين، كما أن الشخص يشعر بسعادة أكبر عندما يقوم بعمل شيء لفائدة الآخرين، سواء كان معنويا أو ماديا، مقارنة بعمل شيء ما لنفسه، إلا أن ما فرضته الجائحة من تباعد أجبر العديدين على القبول بوضعية العزلة الاجتماعية .

ويختلف الانعزال الاجتماعي عن التباعد الاجتماعي أو الجسدي في أن الأول تتوفر حوله وسائل التواصل الاجتماعي أو فرص التفاعل الاجتماعي أو الأنشطة الترفيهية وغيرها لكن لا يشعر الفرد خلاله بالمتعة أو الرغبة في الاندماج والتواصل مع الآخرين.

وعوضت شبكات التواصل الاجتماعي التزاور في ذروة انتشار الفايروس ما سهل الاطمئنان على الأحوال الصحية للأفراد، في عدد من بلدان العالم.

وفي الولايات المتحدة مثلا تم تسهيل التواصل بين أفراد الحي الواحد عن طريق شبكة التواصل الاجتماعي والمحلية الطابع “نيكستدور” التي تجمع بين سكان الحي الواحد، ومساعدتهم على قضاء حوائجهم واقتراح التبضع للسكان المسنين فضلا عن إخراج الكلاب في نزهة.

وازداد عدد الأعضاء الناشطين اليوميين عبر شبكة التواصل “نيكستدور” بنسبة 80 في المئة في غضون شهر. وتسمح خدمة الشبكة بالتواصل مع أشخاص لم يعد بالإمكان الالتقاء بهم في الشارع أو في مصعد المبنى.

واتجهت الأسر المعزولة في منازلها في مناطق مختلفة من العالم إلى منصات رقمية للبقاء على تواصل وبغرض الترفيه. وارتفعت أعداد الاتصالات عبر تقنية الفيديو بشكل صاروخي عبر المنصات المتاحة.

تقول سارة فراير المديرة التنفيذية لشبكة نيكستدور “يتبين لنا أن الجوار أهم من كل شيء في هذه المرحلة. إننا نحتاج إلى أشخاص يقيمون بجوارنا”.

ويعتبر الخبراء في مجال الصحة التباعد الاجتماعي وتجنُّب التجمعات والاتصال الوثيق بالآخرين أمرا بالغ الأهمية لإبطاء وتيرة انتشار الفايروس، وتفادي إرهاق نظم الرعاية الصحية، وربما حمايتها من الانهيار في حالة ارتفاع معدلات الإصابة إلى مستوى لا يمكن التعامل معه بكفاءة. ودعوا إلى التكيف مع هذا الظرف الطارئ مع تجنُّب أي آثار سلبية على النفس أو المجتمع.

21