حمادي الجبالي يشترط تنحي الغنوشي للعودة إلى النهضة

تشهد حركة النهضة حراكا داخليا غير مسبوق بين استقالة بعض القيادات وحديث عن عودة أخرى، في وقت يستعد فيه الحزب لعقد مؤتمره الحادي عشر، والذي من المنتظر أن يشهد لأول مرة منذ تأسيسه تداولا سلميا على القيادة.
تونس – أشارت أوساط من حركة النهضة الإسلامية إلى عودة القيادي السابق حمادي الجبالي إلى الحزب شريطة عدم ترشّح الرئيس الحالي راشد الغنوشي لمنصب الرئاسة مجددا، في وقت يسعى فيه الغنوشي للاستنجاد بخدمات الجبالي لمواجهة الغاضبين داخل الحركة.
وأكد القيادي في حركة النهضة زبير الشهودي والعضو في ما يسمى بـ“مجموعة الـ100” الخميس أن القيادي السابق بالحركة حمادي الجبالي اشترط للعودة إلى الحركة عدم ترشح راشد الغنوشي لرئاسة النهضة مجددا.
وقال الشهودي في تصريح لإذاعة محلية إن المفاوضات جارية مع حمادي الجبالي للعودة إلى الحركة ولكنه كان واضحا وقدم شروطه للعودة ومنها الوضوح في المسار القادم وخيارات الإصلاح داخل الحركة وألا يترشح شخصيا لقيادتها إثر المؤتمر، إضافة إلى عدم ترشح راشد الغنوشي للرئاسة.
وبخصوص إمكانية ترؤسه الحركة قال الشهودي “أريد مرافقة رئيس الحركة القادم، مجرد مرافقة دون تموقع أو منصب معين”.
وعن استقالة لطفي زيتون من هياكل النهضة أكد الشهودي أن زيتون استقال فقط من المناصب القيادية وأنه ما زال ينتمي إلى الحركة.
ووصف الشهودي ما يحدث داخل النهضة من تجاذبات بـ”انعطاف مهم وحاسم”، مضيفا أن النقاش الأساسي الحاصل الآن يتعلق بالحوكمة داخل الحركة من إدارة الموارد البشرية والمالية والسياسات العامة، بالإضافة إلى التوافق السياسي مع أطراف سياسية أخرى، قائلا “ليس لنا مانع في التوافق ولكننا نعترض على طريقة إدارته وعلى شخصنة التوافق في شخصية أو اثنتين“.
ويعدّ الجبالي من أبرز مؤسسي حركة النهضة، وقد تولى رئاسة الحكومة في ديسمبر 2011 بعد فوز الحركة الإسلامية في الانتخابات البرلمانية، لكنه قدم استقالته عقب رفض الأغلبية الحاكمة مبادرته بتشكيل حكومة تكنوقراط. كما استقال من حركة النهضة عام 2014 بسبب خلافات مع الغنوشي حول مسار التوافق مع حزب نداء تونس والرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.
ويرى مراقبون أن الجبالي ليس في عداء مع الغنوشي، خصوصا وأن هذا الأخير كثيرا ما سعى لعودة الجبالي إلى الحركة. وبعد أيام من الكشف عن عريضة وقعها مئة قيادي في الحركة تطالب زعيمها راشد الغنوشي بالالتزام بموعد المؤتمر وعدم تعديل قانونها الأساسي، بدأ الحديث في أروقة الحزب عن عودة الأمين العام الأسبق للحركة ورئيس الحكومة الأسبق أيضا حمادي الجبالي.
وأفادت المحللة السياسية فاطمة الكراي بأنه “لا يمكن أن نمر دون أن نعلق على العلاقة التاريخية بين الجبالي والغنوشي التي امتدت لأكثر من 4 عشريات، وفي 2011 وقع إرضاء الجبالي من قبل الغنوشي ليكون رئيسا، وها هو اليوم (الجبالي) يشترط تنحي الغنوشي من رئاسة الحركة لأن خروجه منها كان بسبب الغنوشي وسياساته”.
وأضافت الكراي في تصريح لـ”العرب”، “الغنوشي له انفتاح واستقطاب ودور دبلوماسي في الحركة، على عكس الجبالي الذي لا يعترف بأن النهضة الممثلة للإسلام السياسي تتعرض لعاصفة أو ضغوطات ويذهب مباشرة للمواجهة”.
وأشارت إلى أن “الغنوشي متهم من الجبالي والشهودي بإدخال أعضاء غير معروفين في الواجهة، وفي سنة 2019 عندما وقع الاختيار على مرشحين في المكتب التنفيذي أعطيت الأولوية لأعضاء جدد ووقع تجاهل الصف المناضل على غرار عبداللطيف المكي وزبير الشهودي وغيرهما“.
وصرحت “أعتقد بأن الجبالي حسب حديث الشهودي، يريد أن يقلب الطاولة على الغنوشي”.
وتفتح العودة في هذا الوقت، الباب أمام تساؤلات عن الدور الذي قد يلعبه الرجل في هذه المرحلة الهامة من تاريخ حركة النهضة، خصوصا وأنه اشترط تنحي “رمزها الأول” (الغنوشي) من منصب الرئاسة.
ويُعتقد على نطاق واسع أنّ استعادة النهضة للجبالي وقيادات أخرى مستقيلة منذ مدة طويلة تأتي في سياق مساعي الضغط على قائمة المئة قيادي الذين عبّروا عن رفضهم التمديد للغنوشي.
وقال المحلل السياسي ناجي الزعيري في تصريح لـ”العرب”، “إن الجبالي تم اختياره في انتخابات 2011 لرئاسة الحكومة التونسية، يعني أن الرجل يرى في نفسه شخصية وطنية رمزية، وبهذه الصفات يرفض الجبالي أن يكون ظلاّ للغنوشي وفي الصف الثاني للحركة”.
وأضاف الزعيري “هذا الشرط يعني أن الجبالي على علم بالتحركات داخل الحركة، وإذا لم يكن الغنوشي أمينا عاما فسيكون رئيسا شرفيا بصفة أخرى والمهم ألا يغادر الحركة”.
وتابع “يعتقد الجبالي أن عودته بمثابة الجدار أو الواجهة لرئاسة الحركة لأن السلطة الفعلية ستكون بيد الغنوشي، وهناك أصوات تطالب بانتزاع الرئاسة من الغنوشي، وإذا فشلت عودة الجبالي إلى الحركة فستكون الخيارات منعدمة للخروج من هذا المأزق”.
وعلى عكس الغنوشي الذي يُتّهم بالتفرد بالرأي، فإن أداء الجبالي يتسم بالهدوء والقدرة على التواصل والاستقطاب، وهو ما قد يساعده على إقناع أعداد من الغاضبين بالعودة إلى الحركة والقبول بتعهدات من الغنوشي وفريقه التنفيذي بشأن تصويب العلاقة مع مجلس الشورى والأخذ بأفكار ومقترحات تحسينية للغاضبين.
وسبق أن أعلنت حركة النهضة عن عودة عدد من المستقيلين بينهم رياض الشعيبي، والذي كان قد استقال سابقا ووجه عدة اتهامات للغنوشي، واعتبر أن الديمقراطية داخل الحركة شكلية، متوقعا أن تشهد المزيد من الاستقالات. كما أسس الشعيبي حزب البناء الوطني بمستقيلين من الحركة أو مقربين منها، لكن التجربة فشلت.
في المقابل تتواصل الاستقالات من حين إلى آخر في الحركة، ما يعكس وجود أزمة في التسيير الداخلي من جهة، وغياب البرامج واستمرار القيادات في إطلاق شعارات قديمة وضبابية لم تعد تفيد في مرحلة انتقال ديمقراطي تتطلّب خططا وأفكارا ذات بعد اجتماعي واقتصادي.
والأسبوع الماضي، استقال لطفي زيتون الذي يوصف بأنه الرجل المعتدل داخل النهضة من شورى الحركة ومن لجنة الإعداد المضموني لمؤتمر الحركة الحادي عشر.