حسن التعامل مع الخوف يجعل الأطفال أكثر ثقة

يؤكد علماء النفس أن مجابهة الأطفال للخوف قد تدربهم على التعافي منه. ويشيرون إلى أن التعرض لبعض مشاهد الرعب يمكن الأطفال من بناء المرونة، وينصحون الآباء بتعلم كيفية زيادة احتمال أن تكون التجربة إيجابية وممتعة إذا قرروا السماح لأطفالهم بمشاهدة أفلام مخيفة.
واشنطن - يعتبر الخوف من الانفعالات التي يعيشها الإنسان في حياته وهي الأكثر شيوعا وتباينا حسب المواقف. كما يعتبر إحدى القوى التي تعمل على بناء شخصية الطفل أو هدمها. وبينت الدراسات الحديثة أنه خلافا لما يعتقده العلماء لا يولد الأطفال وهم مزودون بغريزة الخوف، بل يكتسبونه بداية من الشهر السادس من عمرهم.
ويمكن أن يساعد التعامل مع الخوف الأطفال على أن يصبحوا أكثر صلابة في المواقف الحرجة، لكن الإثارة لا تصلح للجميع، وفق ما يؤكده علماء النفس الذين ينصحون الآباء بتعلم كيفية زيادة احتمال أن تكون التجربة إيجابية وممتعة إذا قرروا السماح لأطفالهم بمشاهدة أفلام مخيفة.
وأشارت دراسة نشرت مؤخرا إلى أن محبّي أفلام الرعب يتحسنون نفسيا أثناء جائحة كورونا. وقال المشرف على الدراسة كولتان سكريفنر الحاصل على الدكتوراه “إذا كانت الأمور مخيفة في العالم، فمن المنطقي بالنسبة لبعض الناس التغلب على شيء مخيف في لعبة أو كتاب أو فيلم أو برنامج تلفزيوني بسهولة”.
وأضاف أن أحد أسباب ارتباط استخدام الرعب بضيق نفسي أقل هو أن خيال الرعب يسمح لجمهوره بالتعامل مع مشاعر الخوف في بيئة آمنة، أي أن الشخص يرى الرعب دون أن يمسّه مكروه.
وأوضح أنه على غير المتوقع، فإن التعرض لبعض مشاهد الرعب يساعد الأطفال على بناء المرونة، لأنه يتيح لهم التدرب على الشعور بالخوف ثم التعافي منه.
ويرى علماء النفس أن مشاهدة فيلم مخيف تعد فرصة للتنقل عبر المشاعر في بيئة مسيطر عليها نسبيا، إذ يتعاطف الطفل مع الشخصيات الخيالية والمواقف المخيفة، ويتعلم منها كيفية اتخاذ القرارات الصحيحة للبقاء على قيد الحياة، ومتى يصبح الوقت مناسبا للحيلة أو الهروب ومتى تصبح المواجهة واجبة.
وعلى سبيل المثال، في سلسلة أفلام “هاري بوتر” يحتوي الفيلم على شرير مرعب والعديد من اللحظات المخيفة، لكنه يعرض أيضا شجاعة وصداقة وحب أبطال الفيلم.
وينصح الخبراء بوضع عامل الخوف لدى الطفل في الاعتبار، إذ يحتاج بعض الآباء أولا إلى مراعاة قيم أُسرهم. فإذا كانت الأفلام المخيفة شيئا تسمح به وتستمتع بمشاهدته في المنزل، فيجب بعد ذلك تقييم استعداد الطفل.
وفي حين أنه لا يوجد عمر مطلق تكون فيه الأفلام المخيفة مناسبة، يوصي علماء النفس بتجنب تقديمها للأطفال الصغار جدا بسبب احتمال خلق قلق طويل الأمد.
ففي سن الرابعة تقريبا، يكتشف الأطفال كيفية إدارة المخاوف التي تتطور بشكل طبيعي في مرحلة الطفولة.
وبعد ذلك، ينبغي فهم مستوى إدراك الطفل واهتماماته، فبعض الأطفال يتفهمون أن هذه المشاهد ليست حقيقية، في حين أن بعضهم الآخر يصبحون أكثر حساسية، ويستغرقون وقتا أطول للتعافي من مشاهدة شيء مخيف.
الطفل يتعاطف مع الشخصيات الخيالية والمواقف المخيفة، ويتعلم منها كيفية اتخاذ القرارات للبقاء على قيد الحياة
وأثناء مشاهدة الفيلم، ينبغي على الآباء التعبير عن مشاعر خوفهم دون مبالغة، ولا داعي لإنكار الموقف، ويفضل مشاركة الأطفال في المشاهدة لتوضيح بعض الأمور المتعلقة بمشاهد الخوف.
وينبغي تذكير الأطفال بأن لديهم دائما خيار مغادرة الغرفة أو إيقاف العرض، كما ينبغي التحدث عن الفيلم معهم بعد ذلك لمساعدتهم على تفكيك أي عناصر كانت مزعجة أو شديدة.
وينصح علماء النفس بالانتباه إلى التغييرات في السلوك بعد مشاهدة الأفلام المخيفة، مثل الكوابيس أو الخوف من الظلام وغير ذلك مما يشير إلى أن تلك الأفلام ربما تكون مخيفة جدا للطفل الصغير، وغير مناسبة له في الوقت الحالي.
وحول إمكانية أن تخيف تلك الأفلام الأطفال مدى الحياة، قال الدكتور مايكل ريتش طبيب الأطفال وأستاذ بجامعة هارفارد ومدير مركز الإعلام وصحة الطفل، إن الآباء يعرفون أطفالهم أفضل من أي شخص آخر، فإذا كانوا يميلون إلى الخوف من الأشياء بسهولة، فربما لا تكون فكرة جيدة أن يشاهدوا أفلام الرعب حتى يكبروا قليلا، لكن في نفس الوقت بعض الأطفال ليست لديهم مشكلة في ذلك.
وأضاف أن الحل هنا هو التأكد من الفئة التي يقع فيها الطفل، وهذا له علاقة بالمزاج أكثر من العمر.
واستشهد بنتائج إحدى الدراسات المشهورة عن أفلام الرعب التي شاهدها طلاب الجامعات وهم أطفال والتي كشفت تسبب تلك الأفلام في آثار سلبية مثل القلق لدى معظمهم، لكن نصفهم أكدوا أن هذه النتائج اختفت في غضون أسبوع، بينما قال 26 في المئة فقط إنهم مازالوا يشعرون بالآثار السلبية لتلك المشاهدة على المدى الطويل.
وأشار علماء النفس إلى أنه لا يوجد شيء خطأ بطبيعته مع الأطفال الذين يستمتعون حقا بالخوف، ذلك أن البعض من الأفراد لديه رغبة أولية في اندفاع الأدرينالين الذي يمكن أن يحصل عليه من الرعب والتشويق.
وأكدوا أن مشاهدة شيء مخيف من خلال الشاشة تمنح المشاهد أيضا شعورا بالسيطرة على الخطر، حتى في سن أصغر، ولاحظوا أن بعض الأطفال يشاهدون عن قصد شيئا يخيفهم مرارا وتكرارا ليجعلوا ما يرونه أكثر أمانا ويمكن التحكم فيه.
ونفى رون ستولبيرج، دكتور علم النفس السريري وأستاذ بكلية كاليفورنيا للمحترفين أن تكون أفلام الرعب قد تدرب الأطفال بطبيعتها على أن يصبحوا عدوانيين أو عنيفين أو على استخدام الغضب كأداة، قائلا “لقد صادفت أطفالا ربما لا تتجاوز أعمارهم 5 أو 6 سنوات يحبون تلك النوعية من الأفلام، وليست لديهم أي تداعيات سلبية، كما تحدثت بالفعل مع أطفال في سن 12 عاما لا يمكنهم البقاء في حفلة لمجرد أنهم شاهدوا فيلما يبدو مرعبا”.
وأضاف ستولبيرج “قد يتذكر الطفل في الواقع المرة الأولى التي شاهد فيها فيلما مخيفا مع أصدقائه أو المرة الأولى التي شاهد فيها فيلم رعب، وهي مناسبة خاصة أو ذكرى ممتعة، لكنها ليست صادمة”.
لذلك، إذا كان الطفل يشاهد أحدث فيلم عنيف أو فيلم أشباح، فقد يستيقظ مع كوابيس، نعم، وقد يتذكر ما رآه لسنوات، لكنه سيكون بخير،مشيرا إلى أن الخوف نسبي
وأشار علماء النفس إلى أنه ليس علاجا أن نمنع الأطفال من مشاهدة أفلام الرعب أو الأفلام البوليسية، لأنه إذا منعناهم من ألا يخافوا من تلك المشاهد فيجب أن نضعهم أمامها ولكن بشكل تدريجي ومع الشرح لهم بأن كل ما يرونه ليس حقيقيا بل هو خيالي وتمثيل ومن الممكن إثارة الضحك حتى يصبح الأمر عاديا.