روسيا تستهدف "فيلق الشام" فصيل تركيا المفضل في سوريا

كبّدت روسيا فصيل “فيلق الشام” المفضل لدى تركيا في سوريا خسائر بشرية فادحة بعد استهدافها جوا لأحد معسكرات التدريب التابعة له في شمال غرب إدلب، في رسالة قوية لأنقرة بأنها لن تسمح باستمرار حالة المراوحة الحالية، والمماطلة في تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار.
دمشق – تشهد محافظة إدلب ومحيطها في شمال غرب سوريا تصعيدا روسيا، آخر حلقاته استهداف فصيل موال لتركيا الاثنين بقصف جوي على أحد المعسكرات ما أدى إلى مقتل العشرات من المقاتلين.
يأتي التصعيد على إثر فشل اجتماع بين وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ونظيره التركي خلوصي آكار عقد قبل أيام، وسط مخاوف من اندلاع مواجهة جديدة في إدلب، بدأت على ما يبدو تركيا تتحضر لها بعد تسجيل إعادة انتشار لقواتها بالمنطقة في الأيام الأخيرة.
وقتل 78 مسلحا على الأقل من فصيل “فيلق الشام” الذي يعد المفضل لتركيا بين الفصائل السورية، جراء الغارات الروسية على معسكر تدريب تابع له في منطقة جبل الدويلة شمال غرب إدلب.
وكانت حصيلة سابقة أفادت بمقتل 57 على الأقل جراء الغارة التي تشكل وفق مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن “التصعيد الأعنف منذ سريان الهدنة مع تسجيل الحصيلة الأكبر على الإطلاق”، مرجحاً ارتفاعها لوجود العشرات من الجرحى والمفقودين والعالقين تحت الأنقاض.
وأوضح مدير المرصد أن الموقع المستهدف عبارة عن مقر كان قد تم تجهيزه حديثاً كمعسكر تدريب، وتم قصفه فيما كان العشرات من المقاتلين داخله يخضعون لدورة تدريبية.
ويشكل “فيلق الشام” الإسلامي مكونا رئيسيا في الجبهة الوطنية للتحرير، وهي تجمع للفصائل المعارضة والمقاتلة في إدلب. واندمجت الجبهة قبل عام مع فصائل “درع الفرات” الناشطة في شمال وشمال شرق البلاد تحت مظلة ما يسمى “الجيش الوطني” الذي تدعمه تركيا.
وكانت روسيا تركز في السابق على استهداف مجموعات تنتمي لهيئة تحرير الشام التي تقودها جبهة فتح الشام (النصرة سابقا)، عند كل مطب تشهده العلاقات الروسية التركية في سوريا منذ التوصل لاتفاق هدنة جديد في المنطقة في فبراير الماضي.
وتسيطر هيئة تحرير الشام حالياً على حوالي نصف مساحة إدلب ومناطق محدودة محاذية من محافظات حماة وحلب واللاذقية. وتنشط في المنطقة، التي تؤوي ثلاثة ملايين شخص نحو نصفهم من النازحين، أيضاً فصائل مقاتلة أقل نفوذاً، تنتمي إلى الجبهة الوطنية للتحرير.
ويرى متابعون أن شن روسيا لغارات على أحد فصائل الجبهة الوطنية التي توصف بـ”المعتدلة” تحول يحمل بين طياته أكثر من دلالة، لعل أهمها أن روسيا عدلت من موقفها السابق وأنها باتت تنظر لكل الفصائل المقاتلة في إدلب من منظار واحد، حيث لن يكون هناك تمييز بين “متطرف” و”معتدل”.
ويعد “فيلق الشام” الذي تعرض لضربة قاسية، الفصيل السوري المفضل لدى تركيا، وقد قاتل إلى جانبها على جبهات عدة داخل سوريا وخارجها.
ويُعد الفصيل مقرباً من جماعة “الإخوان المسلمين” المحظورة في سوريا، وينظر إليه البعض بوصفه ذراعها العسكري.
وشارك في العمليات العسكرية الثلاث التي نفذتها تركيا منذ العام 2016 في سوريا، وتركزت خصوصاً ضد المقاتلين الأكراد. وينتشر الآلاف من عناصره في مناطق سيطرة القوات التركية في شمال سوريا مثل أعزاز وعفرين، وفي ريف إدلب الشمالي.
ويقول الباحث في الشأن السوري نيكولاس هيراس “فيلق الشام هو وكيل تركيا المفضل لدى (الرئيس رجب طيب) أردوغان” بين الفصائل السورية الموالية لأنقرة. ويوضح أنه يُعد بمثابة “وكالة التجنيد الأبرز للقوات الأجنبية التي يرسلها الزعيم التركي ضد حلفاء الروس.. من شمال أفريقيا حتى القوقاز”.
وردت فصائل الجبهة الوطنية على الاستهداف الروسي، الاثنين، بقصف مناطق للقوات الحكومية بريف إدلب الجنوبي. وقال قائد عسكري في الجبهة إن “فصائل المعارضة قصفت براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة مواقع القوات الحكومية السورية والقوات الروسية في منطقة الدار الكبيرة وعلى خطوط التماس وكافة محاور الاشتباك”.
وأضاف القائد الذي رفض الكشف عن اسمه “جميع اتفاقات الهدنة وخفض التصعيد انتهت بالنسبة لنا، واليوم فقط العمل العسكري من كافة الفصائل الثورية وليس فقط من الجبهة الوطنية للتحرير”.
بدوره، أكد الناطق الرسمي باسم الجبهة الوطنية للتحرير النقيب ناجي مصطفى أن الرد سيكون قاسيا على مقتل وجرح العشرات من عناصر “فيلق الشام”.
وقال مصطفى، على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، إن “الغارة الجوية استهدفت معسكرا تدريبيا وأسفرت عن وقوع شهداء وجرحى في صفوف المتدربين”، مؤكدا أن القصف يعد خرقا واضحا لاتفاق التهدئة برعاية تركيا.

وأردف أن الجبهة الوطنية للتحرير هي أحد مكونات الجيش الوطني السوري، والاستهداف كان لمنطقة حدودية مع تركيا في رسالة روسية واضحة.
ويقول المتابعون إن جميع المؤشرات توحي بأن المفاوضات الروسية التركية بلغت طريقا مسدودا، وأن المنطقة مقبلة على حرب جديدة. وتطالب موسكو أنقرة باستعادة الجيش السوري السيطرة على الطريق الدولي الرابط بين حلب واللاذقية المعروف بـ”أم 4″، في المقابل ترفض تركيا ذلك وتصر على ضرورة عودة القوات الحكومية إلى حدود “اتفاق سوتشي”.
وقامت القوات التركية الأسبوع الماضي بإخلاء نقاط عسكرية لها محاصرة من قبل القوات السورية في سياق خطة لإعادة الانتشار وتعزيز مواقع الفصائل الجهادية والمقاتلة استعدادا لأي عملية عسكرية ستشن ضد المنطقة. ومن بين النقاط التي أخلتها تركيا نقطة “مورك” في ريف إدلب الجنوبي، والتي حاصرها النظام السوري في العام 2019.
ويرى خبراء عسكريون أن إخلاء تركيا لنقاط محاصرة من الجيش السوري، يأتي إدراكا منها بأن استمرارية تلك النقاط لن يكون ذا جدوى بل قد يشكل خطرا في حال حصلت عملية عسكرية روسية سورية.
ويلفت الخبراء إلى أن موسكو لم تعد تقبل بحالة المراوحة الراهنة، بعد إدراكها بأن تركيا ليست في وارد الاستجابة للبنود التي تضمنها وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في مارس الماضي بعد تصعيد عسكري كبير شنه النظام السوري في ديسمبر ونجح خلاله في قضم نحو نصف مساحة إدلب.
وكان النظام قد اضطر عن مضض لقبول اتفاق الهدنة بين تركيا وروسيا الذي جرى التوصل إليه في فبراير، وقد وجه على مدار الأشهر الماضية انتقادات للمماطلة التركية في الالتزام بباقي البنود ولعل أهمها فتح الطريقين أم 4 وأم 5 الدوليين.
ويشير مراقبون إلى أن عودة التصعيد الروسي يشكل مبعث ارتياح لدمشق التي تعتبر أن الخيار العسكري السبيل الوحيد لحل معضلة إدلب.
وفي خطوة لا تخلو من رسائل أصدر الرئيس السوري، بشار الأسد، مرسوما بتعيين محافظين جدد ونقل آخرين في عدد من المحافظات السورية، من بينها الرقة وإدلب، للمرة الأولى منذ خروج المحافظتين عن سيطرته النظام السوري في 2013 و2015.
وبموجب المرسوم الصادر الاثنين 26 عيّن الأسد عبدالرزاق خليفة محافظًا لمحافظة الرقة، ومحمد نتوف محافظًا لمحافظة إدلب، وفاضل نجار محافظًا لمحافظة دير الزور، وجميع هذه المحافظات خارج السيطرة الكاملة للنظام السوري. ويصر النظام على استعادة السيطرة عسكريا على كل المناطق السورية.