صراع النفوذ داخل مالي يفرز تيارا مناهضا للدور الجزائري

الجزائر – تحركت رمال الساحل الصحراوي بشكل مفاجئ بعد اتهام جهات في دولة مالي، للجيش الجزائري بالاستحواذ على جزء من الشريط الحدودي بين البلدين، وهو ما نفته وزارة الدفاع الجزائرية، ويأتي ذلك غداة زيارة وزير الدفاع الأميركي للجزائر ودول شمال أفريقيا، وتصريح قائد أركان الجيش الجزائري لصحيفة نيويورك تايمز حول حياد المؤسسة العسكرية وعدم انغماسها في الشأن السياسي.
ونفت وزارة الدفاع الجزائرية، الاثنين، الأخبار المتداولة من طرف وسائل إعلام في مالي، حول استحواذ وحدات من الجيش الجزائري على بلدة “إن خليل” الواقعة في الشريط الحدودي الفاصل بين البلدين، ووصفتها بـ”الادعاءات المغلوطة والمغرضة والعارية عن الصحة”.
وأضاف بيان الوزارة “على إثر تداول بعض وسائل الإعلام بدولة مالي الشقيقة لادعاءات لا أساس لها من الصحة صادرة عن أطراف في مالي حول احتمال تواجد عناصر من الجيش الوطني الشعبي بالبلدة الحدودية (إن خليل) بشمال مالي وضم جزء من إقليمها من طرف الجيش الجزائري، فإنّ وزارة الدفاع الوطني تفند قطعيا مثل هذه الادعاءات المغرضة”.
ويحمل التوتر المفاجئ بين البلدين بوادر تحرك رمال الساحل الصحراوي، التي ظلت طيلة السنوات الماضية مصدر قلق للجزائر، بسبب تداخل المصالح وصراع النفوذ بين جهات عديدة في المنطقة، خاصة بعد الانقلاب الذي أطاح بسلطة الرئيس إبراهيم أبوبكر كايتا في باماكو.
وتضمن بيان وزارة الدفاع الجزائرية مفردات تعكس امتعاضا من محاولات توريطها في الصراعات الداخلية، واستهدافها لإخراج دورها من المشهد المحلي، خاصة في ظل الحديث عن تصاعد تيار سياسي داخل مالي يرفض ما يصفه بـ”النفوذ الأجنبي في بلده”.
ويبدو أن المظاهرات الشعبية التي تعيشها باماكو وبعض المدن المالية، والمناهضة للتواجد الفرنسي في مالي، يقابلها تصاعد نفوذ جهات إقليمية تريد سحب البساط من تحت الدور الجزائري، بعد الإطاحة بالرئيس المالي من طرف الجيش، وظهور نفوذ المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا “الإيكواس” (ECOWAS) في المشهد المالي الجديد.
وأكدت وزارة الدفاع الجزائرية على أن هذه “المغالطات تأتي على إثر مهمة تقنية نفذها مختصون تابعون لمصلحة الجغرافيا والكشف عن بعد للجيش الوطني الشعبي، مرفوقين بمفرزة تأمين وحماية داخل التراب الوطني، لمعاينة معالم الخط الحدودي الجزائري – المالي بالقرب من بلدة إن خليل الحدودية، وقد أنهت المهمة التقنية عملها بتاريخ 21 سبتمبر 2020، قبل مغادرة المكان دون تسجيل أي حادثة”.
وشدد البيان على أن “الجزائر التي حرصت على تأمين حدودها الوطنية، ولاسيما في ظل حالة اللااستقرار التي تشهدها منطقة الساحل، تؤكد التزامها التام باحترام سيادة الدول وحرمة الحدود، خاصة مع دولة مالي الشقيقة، وذلك وفقا لأحكام اتفاقية رسم الحدود بتاريخ الثامن من ماي (مايو) 1983 المبرمة بين البلدين، كما تؤكد تعلقها بترسيخ مبادئ حسن الجوار وتقديم يد العون والمساعدة لبلدان الجوار، كلما اقتضت الضرورة”.
وجاء التطور المستجد في المنطقة غداة الزيارة التي قادت وزير الدفاع الأميركي مارك أسبر، للجزائر ولدول شمال أفريقيا، وبالموازاة مع التصريح الذي أدلى به قائد أركان الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة، لصحيفة نيويرك تايمز، حول احترافية المؤسسة العسكرية وعدم انغماسها في الشأن السياسي الداخلي.
وتحركت الدبلوماسية العسكرية في الآونة الأخيرة بشكل لافت حيث اقترنت زيارة وزير الدفاع الأميركي للجزائر، بزيارة مماثلة لضباط سامين من أركان الجيش الروسي والصيني، وهو ما قرئ في سياق التوجهات الجديدة في عقيدة الجيش الجزائري برفع الحظر الدستوري على إنجاز مهام ميدانية خارج حدود إقليمة، ورغبة القوى الكبرى في العالم على التفرد باتفاقيات تعاون في هذا المجال مع الجزائر.
وجاءت الاتهامات المالية للجيش الجزائري بالاستحواذ على جزء من إقليمه الحدودي، ليربك توجهات السلطة الجديدة في البلاد، ويبرز تحرك جهات غير معلنة عبر بوابة مالي، لتوريط الجزائر في مواجهة مع بلد مجاور ظل لعقود محل مفاضلة لدى السلطات الجزائرية على اعتبار أنه يمثل العمق الاستراتيجي لها، فضلا عن دخول لاعبين جدد في المشهد المحلي لخلط أوراق النفوذ التقليدية في البلاد.
وتفاقم القلق الجزائري في الآونة الأخيرة، في ظل سعي مجموعة “الإيكواس” (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا) للتفرد بالمشهد المالي بعد إطاحة العسكر بنظام الرئيس أبوبكر كايتا، وأوفدت الجزائر وزير خارجيتها صبري بوقادوم، في مرتين متتاليتين خلال شهر واحد إلى باماكو، للبحث في مسألة العودة إلى الوضع الدستوري بالبلاد.
وتتمسك الجزائر بتنفيذ اتفاق السلام المبرم في عاصمتها العام 2015، لتسوية النزاع بين أطراف النزاع في مالي، ورحبت على لسان سفيرها في باماكو بوعلام شبيحي، في لقاء له مع عدة أطراف إقليمية ودولية مؤثرة، بالتزام السلطة الانتقالية بتنفيذه دون نوايا أو خلفيات مبيتة، غير أن أطرافا جديدة في الصراع تتجه إلى الانفراد بمخرجات المرحلة الانتقالية وإعادة ترتيب الأوراق الداخلية بعيدا عن الشركاء التقليديين لدولة مالي.