السورية رماح بوبو.. قصيدتها خارطة غامضة لكنز مجهول

الشاعرة السورية تؤكد أن اعتماد المبدع على منصات التواصل الاجتماعي لاكتشاف موقعه في الساحة الأدبية هو الطامة الكبرى، وأن النقد غائب عن الساحة الأدبية.
الخميس 2020/06/25
رسالة الشعر هي الإنسان

باريس – العواطف والانفعالات البكر التي تمطرها حالتها النفسية والمشاعر الدفينة فجرت ينابيع الحياة الحروفية الفنية  للشاعرة السورية رماح بوبو، وببساطة مطلقة كزهرة ربيع نجمية خرجت قصائدها، لتحبس الأنفاس وتغلق المكان، وبمشهدية جميلة عفوية متكئة على قصص حقيقية وأخرى خيالية تمسك بك لتفتح إسطوانة الأوكسجين لقلبك.

تستشعر رماح بوبو الشعر ترجمانا لانفعالاتها البكر، وللبهجة الغامضة التي كانت تعتريها مع رذاذ المطر، أو صرير الريح أو ضحكات الشقاوة، “كمن يمسك غزل البنات بكفيه الصغيرة ولا يذوب”.

وعت على نفسها مغرمة بالشعر، وما من لحظة محددة تجمد ذاكرتها وتؤرخ ولادة هذا الولع، كانت تقرأه على قصاصة ورقية أو توقف أجهزة الراديو أو قناة التلفاز، أي متى ما التقطت أذنها؛ أيا كان اسم الشاعر أو شكل كتابته لتشبع هذا الولع. كتبته مبكرا ودعمتها ابتسامة الرضا والفرح التي كانت تلمحها تشع من عيني والدها، كلما قرأت له ما كتبت.

ينابيع الحياة الحروفية
ينابيع الحياة الحروفية

استمدت رماح بوبو مخزونها الحروفي من تلك الحاكورة المنسية خلف سياج الوعي، حيث تختبئ اللغة التي تجمعت من القراءة والأغنية والحكاية، وكبذرة حملها غبار طلع الحياة المعيشة لتزهر كالسحر ساعة تحتاجها القصيدة. لحظة الكتابة في الشعر ومضة كلحظة الغفلة، تدفع بأصابعها باتجاه الورق لذلك هي عفوية بالتأكيد، أما الاشتغال اللاحق على التشذيب والتصحيح فيكون قصديا.

الطبيعة والشخوص وأي نأمة قد تفلت من تحت أظافر الريح هي وقود لقلمها، فالشعر بالنسبة إليها لا يوفر موضوعا يثيره دون أن يحاول الإبحار في خلجاته، والإمساك بالحرف قلبا وقالبا لا يستوجب وجود قضايا مباشرة أو ساخنة كما هو الحال في المقالات الأكاديمية أو السياسية، فالشعر تجل لتفاعل الإنسان مع كل ما يثير قلقه، تساؤلاته، مخاوفه أو أفراحه، ولذلك رسالته هي الإنسان بلا حدود، والتي تبدأ بسؤال ولا تنتهي بجواب.

كانت لها محاولات خجولة (لم تصل إلى حد النشر) في كتابة الرواية والقصة القصيرة إضافة إلى الشعر، الذي وجدت نفسها مأخوذة لفضائه فاكتفت به ولم تشرك به. مؤمنة بأن لكل شكل إبداعي سمته وشروطه الخاصة، ولا يوجد مانع من المزج بين الأنواع الأدبية شرط أن يتم هذا المزج بحرفية عالية، تجنبا الحصول على وليد مسخ.

عن الهوية الحروفية الفنية الخاصة بها تقول بوبو “حاولت خلق بصمة، ولكن لست أنا من يحدد مدى نجاحي في تحقيق هذه المغايرة. إن اكتشافنا الدرب نحو أعماقنا والغوص فيها تاركين الضجيج على السطح كفيلان بمنحنا هوياتنا المتفردة، إذ من المحال تشابه روحين كما استحالة تطابق البصمات. القصيدة خارطة غامضة للكنز المدفون. تحتاج دهاة وقراصنة معنى ومغامرين لفك أحاجيها، ولذلك تستولد زمنا طويلا للوصول. إنها تلك المنارة التي تومض لتدل السفن البعيدة على الاتجاه الصحيح. القصيدة الحق بهية دائما ولكن ليس كل ما يطلق عليه اليوم اسم قصيدة هو كذلك”.

وترى الشاعرة أنه ليست للمكان أهمية في لحظة ولادة القصيدة قد تترك الصحون في المجلى وتسرع لتدوين ومضة. قد تكتب القصيدة في ذهنها أثناء المشي أو في الباص، فقط الوحدة هي الطقس اللازم الذي تحتاجه حين تسعى لتوثيق الولادة بالحبر، ولكل مبدع أسلوبه الخاص في بناء سكنه الروحي، فالبعض يهوى السرد فيما يفضل غيره فلاشات يربطها رابط سري يترك للقارئ اكتشافه. وآخرون قد يتبنون الحوار.. إلخ المهم في البناء أن يكون سلسا يسهل على القارئ الإبحار فيه دون زوايا تربكه وتشتت استرساله أو متاهات تخرج به إلى الضياع.

الشعر تجل لتفاعل الإنسان
الشعر تجل لتفاعل الإنسان

وللشاعرة بوبو نظرة في الملتقيات الأدبية ومنصات التواصل الاجتماعي في حاضرنا، وفي ذلك تقول “بتعريفها اللغوي بالتأكيد تساهم في دعم الحركة الثقافية. أما بتعريفها الواقعي فنبل منا أن نكتفي بقول ‘لا‘ دون أن نتهمها بالتخريب. أعيب على المؤسسات الثقافية الاستخفاف بمسؤولياتها حين تستضيف أو تنشر دون تدقيق وحرص. أما إن أردنا الكلام عن منصات التواصل الاجتماعي فهي ذات حدين. أولهما إيجابي بإتاحتها المنبر للجميع ودون أي احتكار، فيتلمس البعض الحريص مستواه ويعمل على تحسين نصه، مما اكتسبه من اطلاعه على الكثير من التجارب والمقارنة بينها ومن تعليق الآخرين على نصوصه، ولكن الاعتماد عليها كوسيلة للمعرفة ولاكتشاف موقعه في الساحة الأدبية فهنا الطامة الكبرى لما تحفل به هذه المنصات من مغالطات مدعين ومن نفاق”.

استعانت الشاعرة بمثل شعبي لوصف المشهد الثقافي في الوقت الحاضر “طبيخ القرباط – تكاثر مرعب في أعداد الكتّاب بشتى أنواع المجالات مع غياب النقد البناء وطغيان المجاملة والمحسوبيات”، ووضحت أننا نحتاج لشهور من التفرغ لغربلة الغث من الرث، وهذه الفوضى شكل من أشكال مقاومة الخراب الذي سببته الحرب وإنها متفائلة بأن نحصل على بعض الزبدة من هذا المخيض.

صرحت الشاعرة بأن “النقد بالعام غائب عن الساحة. فإن أطلّ فمروره خجول مجامل وسطحي يفتقد للكثير من أدواته. عني شخصيا أنا سعيدة بأني لفتّ انتباه عدد من الأساتذة في سوريا وخارجها تناولوا تجربتي بالدراسة ببعض التفصيل، وقد نشرت تلك الدراسات في جرائد عدة كهيرالد الأسترالية ومجلة الرؤيا الصادرة من لندن”.

نشرت رماح بوبو ديوانين شعريين “تفاحتي وقد سرقتُها” و”البحر يبحث عن أزرقه” ولديها ديوانان آخران جاهزان للنشر، لكنها لم تدفع بهما إلى المطبعة بعد، والعمل الأهم بالنسبة إليها لم يصدر بعد.

هدفها أن ترى أشعارها مطبوعة وقد تحقق لها هذا. وطموحها ألا يخذلها الوحي يوما، وأن ترسِّخ خلق بصمتها الخاصة.

يذكر أن رماح بوبو من مواليد اللاذقية، وهي مهندسة تعمل في التعليم المهني.

15