دراما "الخليفة".. التطرف الإسلامي من منظور سويدي

مسلسل يرصد انتشار التطرف في أوساط أبناء المهاجرين.. فكرة جيدة ومعالجة رديئة.
الأحد 2020/04/19
برفين التي تعجز عن حماية نفسها من الاغتصاب

السويديون أيضا لحقوا بالركب، وأنتجوا أخيرا مسلسلا دراميا (من 8 حلقات) بعنوان “الخليفة” (Kalifat) عن أوروبا في مواجهة تنظيم داعش، تعرضه شبكة نتفليكس حاليا ويلقى إقبالا كبيرا بسبب موضوعه المثير.

موضوع المسلسل هو كيف يتمّ تجنيد فتية وفتيات سواء من أصول عربية أو سويدية، ولدوا ونشؤوا في المجتمع السويدي، ودفعهم للالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية أو القيام بعمليات إرهابية على الأراضي السويدية، بينما هم في حقيقة الأمر، لا يعرفون شيئا عن الإسلام، ولا عمّا ينتظرهم هناك في الجانب الآخر من العالم، في معقل “داعش” في الرقة التي يتوقون للذهاب إليها. ومع ذلك، جذبتهم فكرة الانتماء الوهمي والبطولة والبحث عن التحقق أو عن الهوية المفقودة.

المسلسل من تأليف فيلهلم بيمان ونيكولاس روكستروم، ومن إخراج غوران كيبتانوفيتش، وهو مصاغ دراميا في قالب بوليسي مثير. ولكن هل نجح في معالجة قضيته التي سبق أن عُولجت من قبل في أعمال سينمائية ودرامية كثيرة، في السينما العالمية كما في السينما العربية؟

تدور الأحداث بين ستوكهولم والرقة، وينتقل المسلسل بين شخصيات متعددة أولها “برفين” (وهي سويدية من أصول تركية) تزوجت من “حسام” السويدي السوري، والتحقت معه وعاشت في كنف التنظيم في الرقة، حيث أصبح زوجها أحد المقرّبين لفصيل من الفصائل النافذة المقاتلة. إلا أنه مع ذلك، جبان، لا يرغب في القتال، ويخشى الموت، يريد أن يبقى مع زوجته التي يحبها كثيرا وطفلته “لطيفة” التي أنجبتها حديثا. إنه ينتمي عقائديا إلى داعش، ولكن تداعيات الأحداث وما ستكتشفه، ستجبره على اتخاذ موقف مغاير، تماما كما سيحدث لبرفين نفسها التي تصبح راغبة بشدّة في الخروج من الرقة بعد أن شهدت العنف والقتل وسفك الدماء كما تعرّضت للاغتصاب على يدي أحد رجال التنظيم.

إننا نتابع قصة برفين وسعيها للخروج وكيف تنجح في الاتصال بامرأة تدعى “فاطمة” تعمل مع الشرطة السرية السويدية. لكن فاطمة تسعى للحصول على أكبر قدر من المعلومات من “برفين” قبل أن تقدّم لها المساعدة على الهرب والعودة إلى السويد. ونتابع في الوقت نفسه قصة “زليخة” التي تجاوزت الثامنة عشرة من عمرها (ينطقون اسمها في الفيلم سليخة ويدللونها باسم سولي) وشقيقتها “ليشا” التي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، وصديقتهما “كريمة”. وكيف تنجذب زليخة وكريمة إلى شاب يُدعى “إبراهيم” عميل داعش ويطلقون عليه “المسافر”، الذي عاد من الرقة ليعمل مساعد مدرس في مدرسة سويدية (هو بدوره سويدي لأب مصري وأم سويدية)، وهو الذي يسعى لتجنيد الفتيات وينجح بالفعل ويرسلهن إلى الرقة. كما يقوم بتجنيد فتاة عراقية تعمل في المطار تدعى مريم، ويقنعها بتسريب قنبلة لاستخدامها في تفجير إحدى الطائرات. وتقع أحداث كثيرة ترغم زليخة وكريمة على العودة من الرقة، بينما تبقى “ليشا” هناك بمحض إرادتها. ويتم إفشال معظم العمليات التي كان مخططا لها.

هشاشة النص

درس في مقاومة الإرهاب
درس في مقاومة الإرهاب

العيب الأساسي في المسلسل يكمن في النص نفسه، الذي يعاني من الافتعال الشديد بغرض الإثارة فقط، على حساب تحليل الشخصيات، فكلها شخصيات كرتونية لا نفهم دوافعها أبدا، ويفشل المسلسل في التعمّق فيها، فبينما يجعل كريمة على سبيل المثال، فتاة عابثة مراهقة لاهية، لا تبدو مهتمة بالتدين ولا حتى بتغطية شعرها، يفاجئنا في النهاية بأنها على استعداد لتفجير نفسها، وعندما تقبض عليها الشرطة وتستجوبها، تبدو وكأنها تفضّل الانتحار على التوبة. وهو انتحار تنجو منه لكنها تقع في هوّة انتحار آخر حقيقي عندما يقنعها إبراهيم بتفجير انتحاري في حفل للفتيات!

تظل زليخة شخصية هلامية لا نعرف لماذا كل ما تبديه من تعصّب وحنق ورفض للمجتمع السويدي في حين أنها تتمتع بالجمال والحيوية، فهي تكرّر كثيرا مع غيرها، فكرة العيش في مجتمع عنصري يُعادي المسلمين ويريد القضاء على الإسلام، وهي فكرة لا أحد يرد عليها أو يواجهها في المسلسل، فجميع الشخصيات المسلمة خاضعة لنفس الفكرة باستثناء والد زليخة لكنه سلبي تماما في التعامل مع الموضوع، لا يهمّه سوى عودتها دون أن يواجه أفكارها أو يردّ عليها. كما لا يهتم أحد من رجال الشرطة السويدية بالرد على فكرة أن السويد مجتمع قمعي عنصري يقمع الأديان، يضطهد المسلمين، ويعتبرهم جميعا إرهابيين. وكأن المسلسل يريد أن يقول لنا إن تلك هي نظرة المسلمين المقيمين في السويد للسويد!

الإيقاع العام للمسلسل هابط ومترهل، فالقصة بأسرها كان يمكن روايتها في أقلّ من ساعتين، وكانت ستصبح أيضا أقوى وأكثر تماسكا، لكننا هنا نخضع للتلاعب الدرامي المفتعل الذي يجعل المشاهدين يتعجبون من تغيّر مسار الأمور على نحو مفاجئ وغير متوقع في سياق غير مقنع، بل فقط من أجل تحقيق المفاجأة. فنحن نتابع شخصية رجل شرطة سويدي من أصول هندية، وهو مسلم يدعى “نادر” يجعلنا المسلسل نشك من البداية في علاقته بالتنظيم الإرهابي، يضطهد ويعادي ويفسد كل محاولات الشرطية السرية “فاطمة” التي تتابع خيوط المؤامرة بهمة ونشاط، بل ويدفع رجاله أيضا لتعقبها والقبض عليها، لكننا سنعرف في النهاية أنه مخلص في عمله وأنه كان قد نجح في اختراق التنظيم وحصل على جميع المعلومات. فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم يمنع ذهاب الفتيات الثلاث إلى الرقة؟ ولماذا لم ينبر لمساعدة برفين على العودة إلى السويد؟ ولماذا كل هذا الحقد من جانبه على “فاطمة”؟

ضعف التمثيل

 

ضابطة الشرطة فاطمة التي تؤديها الممثلة ألييت أوفيم، تسعى إلى محاكاة شخصية جيمس بوند وحركاته، وتغالي كثيرا في تجسيد الانفعالات

إلى جانب اهتزاز الإخراج وانتقالاته غير المحسوبة جيدا بين الأماكن والمواقف المختلفة، والاستطرادات الكثيرة في السرد، وتكرار الفكرة مرات عدة، والسذاجة الكبيرة في رسم الكثير من المشاهد والارتباك في تحريك الممثلين داخل أماكن التصوير، ورغم الجهد الكبير في تنفيذ مشاهد “الأكشن” والعنف وتصوير إيقاع الحياة في الرقة (تم التصوير في الأردن) إلا أن من أهم نقاط الضعف في هذا المسلسل، الأداء التمثيلي الضعيف الذي يسقط في النمطية والافتعال. فضابطة الشرطة فاطمة مثلا، التي تؤديها الممثلة ألييت أوفيم، تسعى إلى محاكاة شخصية جيمس

بوند وحركاته، وتغالي كثيرا في تجسيد الانفعالات. والممثل الذي يقوم بدور والد زليخة “سليمان” (سيمون مظهر)، يبدو عقيما في أدائه. ولعل أضعف أداء تمثيلي في المسلسل كله يعود إلى أحمد بوزان الذي يقوم بدور “حسام”، والواضح أنه لم يسبق له التمثيل شأن غيره من المشاركين في المسلسل. أما غوزيم أردوغان التي قامت بدور “برفين” فقد أفرطت كثيرا في البكاء والاستجداء حدّ الملل!

هناك الكثير من المشاهد التي لا يكمن تصديقها في المسلسل، أي تلك التي تفتقد للإقناع، كأن تنجح برفين مثلا في قتل الرجل الذي اغتصبها (أحمد) وهو ضخم الجثة بينما هي نحيلة وضعيفة كثيرا، لكنها مع ذلك، تضع جثته فوق سجادة وتجرها مسافة طويلة ثم تلقي بها في بئر مجاور لبيتها (يا لها من مصادفة جيدة أن يوجد هنا بئر!). يتشكك رجال داعش في أن يكون أحمد قد اختفى في منزل حسام، لكنهم يبتعدون عن الشك في حسام لكي يشكوا في أحمد نفسه، ثم يعودون إلى اتهام حسام والرغبة في التخلّص منه بإرساله للقتال في الصفوف الأمامية على غير إرادته، لكنه سيتمكن من الفرار مع زوجته وابنته بمساعدة فاطمة التي تصرّ على أن تأتي بنفسها لإخراج المرأة من الرقة، دون أن نفهم السبب، فهناك من ابتاعها كما شاهدنا، من يمكنهم إخراجها.. وكلها تحولات تربك المسلسل بسبب عدم الإقناع والإطالة والدخول من فكرة إلى فكرة دون أيّ إشباع، فلا نفهم قطّ سرّ علاقة فاطمة بضابط زميل لها متزوج، وما الذي تخدمه هذه العلاقة، وماذا لو لم يكن غير متزوج.

نمطية الشخصيات

المسافر.. عميل داعش في ستوكهولم
المسافر.. عميل داعش في ستوكهولم

إن طرح أيّ تساؤلات منطقية حول التسلسل وتكوين الشخصيات ودورها، لا يبدو مطلوبا هنا، فالمطلوب هو فقط أن تتابع تلك الشخصيات النمطية السطحية التي لا تفهم دوافعها ولا تقتنع بأفعالها. ليس مهمّا على سبيل المثال أن يصبح أحمد نفسه هو ما يعتبره زملاؤه في داعش، الجاسوس الذي ينقل أخبار التنظيم إلى الشرطة في السويد. ولا لماذا يجب أن تموت برفين في النهاية بينما كان يمكن جدا أن تنجو، ولا لماذا يوقف نادر الإنذار العام بين الشرطة الذي أصدره الضابط صديق فاطمة بعد أن تيقنت هي من وقوع عدة عمليات إرهابية، وهكذا.

كثير من الأخطاء والأشياء التي تجافي المنطق إلا أنه يصبح مطلوبا من المشاهدين التغاضي عن إفقادها للمنطق الدرامي، وقبولها كما هي، لحساب تمرير مشاهد المطاردة، مع كثير من الاستطرادات في تصوير الانتماء المتعصب الذي لا نفهمه، من جانب شابين من السويديين الأصليين، لتنظيم داعش، والتدرّب على تنفيذ عمليات تفجير وقتل، دون أن نفهم السبب، بل إن أحدهما يقتل والدته أيضا دون أي مبرر سوى أنه ربما يعتبرها “من الكفار”، وهي قمة السذاجة!

تنظيم داعش في المسلسل يخطط لشن ثلاث هجمات في وقت واحد على ثلاثة أماكن في العاصمة السويدية. يفشل اثنان منهما ويتم الثالث ولكن مع أقلّ خسائر في الأرواح بعد أن تقوم “كريمة” بتحذير فتيات الحفل الراقص وتطلعهن على القنبلة التي تحملها في حزام ناسف يلتف حول صدرها وتفشل في التخلص منه بعد أن كشفت لها زليخة أن إبراهيم غرر بهما، ومرة أخرى: إذا كان مفتش الشرطة “نادر” على اطلاع من البداية بجميع التفاصيل فلماذا لم يوقف كريمة؟

عنوان المسلسل “الخليفة” (وليس الخلافة كما ترجمه البعض) لا يعبّر موضوعه فهو لا يدور عن شخصية زعيم في داعش، بل كان يصح أن يكون العنوان “دولة الخلافة”.

ويظل في رأيي أهم وأفضل عمل سينمائي قدّم رؤية جادّة بعيدة عن الإثارة السطحية، ودرسا حقيقية مقنعا في ظاهرة الانتماء للإرهاب الدوافع التي تدفع الشباب العربي والأوروبي في المجتمع الغربي إلى التطرّف والانتماء إلى داعش وغيره، هو الفيلم الدنماركي الممتاز “ليلى م” الذي قدّمت له عرضا نقديا من قبل في “العرب”.

14