الحجر الصحي يغذي سلوك التمرد لدى الأطفال

أدت جهود الحجر الصحي، مثل إغلاق المدارس والحضانات وفرض قيود على الحركة، إلى تعطيل الروتين اليومي للأطفال، وضاعف انعزالهم عن عالمهم الخارجي من شعورهم بالقلق، ما جعلهم يظهرون نوعا جديدا من التمرد أدى إلى إضعاف سلطة الآباء والأمهات.
تسببت حالة الحجر الصحي الشامل التي فرضها فايروس كورونا المستجد في تقييد حركة الأطفال وبقائهم في فضاء ضيق ومغلق، بعد تعودهم على اللعب وممارسة الأنشطة الرياضية والثقافية في فضاءات مفتوحة. وقد خلفت هذه الحالة تداعيات سيئة على نفسيتهم فاضطروا إلى إظهار سلوك التمرد كردة فعل عن الوضعية التي وجدوا أنفسهم فيها بعد أن غادروا مجبرين المدارس.
ووفقا لبيانات صادرة عن اليونسكو، بتاريخ 10 مارس 2020، فإن عدد المغادرين للمدارس والجامعات بلغ حوالي 363 مليون متعلم في جميع أنحاء العالم من مرحلة ما قبل الابتدائي إلى التعليم العالي، وهو ما يزيد حجم المسؤولية الملقاة على العائلات.
وقال علماء نفس إن تنويع التعرض للسلطة بين المنزل والشارع والمدرسة يسهل تعامل الأطفال مع هذه التنويعات البشرية والمكانية من دون الإحساس بأنهم من المساجين، موضحين أن وجود الأطفال محجوزين بين جدران المنزل، على الرغم من أن هذا المكان هو الأكثر أمانا بالنسبة إليهم ومع أحب وأقرب الأشخاص إليهم، إلا أنه يثير نفورهم ويجعلهم يرفضون جميع توجيهات آبائهم وأمهاتهم ولا يتقبلون سلطتهم عليهم.
وتقول حنان أم لطفلين “وجدت نفسي في وضعية لا أحسد عليها أثناء الحجر الصحي.. أعمل عن بعد في المنزل واهتم بطفليّ الصغيرين المتطلبين”.
وتضيف “مع ضغوط العمل ووجود الطفلين في فضاء ضيق، إضافة إلى ضرورة تطبيق كل مستلزمات الحجر الصحي، تشتتت جهودي وأصبحت لا أجيد فعل أي شيء بصورة جيدة مما جعل طفليّ يتمردان علي ولا يطيعانني”.
وبيّنت لمياء التوجاني أن فترة الحجر الصحي جعلتها تكتشف سلوكا في ابنها لم تتعوده من قبل. وقالت لـ”العرب” إن ابنها صار يميل إلى العنف ويعتمد سلوك العناد في تعامله مع أبيه. وأرجعت ذلك إلى انعدام ممارسة أي نشاط من شأنه أن يستوعب حالته النفسية باعتباره كان شديد النشاط ومفرط الحركة.
الآباء والأمهات الذين لم يتعودوا على المكوث في المنازل لوقت طويل وجدوا أنفسهم بسبب الحجر وجها لوجه مع أطفال متمردين ومتطلبين
وأكد الخبراء أن الأطفال هم أكثر الفئات عرضة للاهتزازات النفسية خلال فترة الحجر الصحي لأن التوتر يكون على أشده داخل الأسرة، مما ينعكس على شخصيتهم ويدعم السلوكيات السلبية لديهم مثل العناد والتمرد.
وقال أحمد الأبيض المختص في علم النفس “إن الآباء والأمهات الذين لم يتعودوا على المكوث في المنازل لوقت طويل وجدوا أنفسهم بسبب الحجر وجها لوجه مع أطفال متمردين ومتطلبين”.
وأضاف أنه نتيجة لهذه الوضعية يصبحون يبحثون عن متنفس فلا يجدون سوى ضرب أبنائهم وتعنيفهم أو الصراخ في وجوههم مما يزيد من الإحساس بالغضب.
وأوضح الأبيض أن الأطفال يرغبون في من يلاعبهم في حين أن الآباء والأمهات لا يريدون الامتثال لأوامرهم، ثم يمتثلون مرغمين. كما أنهم يرغبون في تنفيذ كل طلباتهم المادية في حين لا تسمح لهم موازناتهم بذلك مما يخلق أكثر من إشكال.
كما بينت الدكتورة ليزا دامور الأخصائية النفسية وصاحبة العمود الشهري في مجلة “نيوزويك” أنه على البالغين أن يتفهموا أن شعور الأطفال بالغضب والقلق من كوفيد ـ19 أمر طبيعي.
وقالت دامور “إن الأطفال بحاجة إلى مخطط يومي من أجل أن يكون سلوكهم طبيعيا ولا يميلون إلى العنف أو التمرد، وما على الأولياء إلا أن يضعوا مخططا ليمضي الطرفان يومهم على النحو الصحيح”.
واقترحت أن تكون للطفل مساحة هامة للعب وأن يستخدم هاتفه ليتواصل مع أصدقائه كما يجب أن تكون هناك أوقات خالية من التكنولوجيا.
واقترحت أيضا أن يشارك الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 10 و11 سنة أمهاتهم في الإعداد ليومهم وعلى الأمهات أن يساعدن في ذلك. أما بالنسبة للأطفال الأقل سنا اقترحت دامور أن يرتب الوالدان الأمور حسب سلم الأولويات كإنهاء الواجبات المدرسية والمهام المطلوبة.
وبينت الأخصائية النفسية أن هناك عائلات يفضل أبناؤها القيام بهذه الأمور في بداية اليوم، أما عائلات أخرى فيفضل أطفالها القيام بذلك بعد فترة من الاستيقاظ من نومهم وتناولهم الافطار. أما بالنسبة للذين لا يستطيعون الإشراف على أطفالهم اقترحت دامور أن يرتبوا ذلك مع مربية المنزل.
كما أوضح الخبراء أن التخطيط لروتين يومي يجعل الفرد قادرا على السيطرة على الأمور وخاصة في ظل الأزمات، مشيرين إلى أن الأشياء البسيطة يمكن أن تساعد على تقبل الوضع غير الطبيعي.
وأكد المختصون في علم نفس الطفل والمراهق أن ارتداء ملابس المدرسة مثلا أثناء القيام بالواجبات المدرسية في المنزل بدل البقاء بملابس النوم من شأنه أن يمنح الطفل نوعا من الراحة ويشعره بالاختلاف. كما أشاروا إلى قيمة التواصل الاجتماعي وأهميته في جعل الطفل لا يقلق من الروتين اليومي وذلك بمساعدته على استثمار الوقت في الاتصال والتواصل مع الأصدقاء بشكل آمن.
ودعوا الآباء والأمهات إلى المساعدة في تنظيم بعض الأنشطة الافتراضية كالمطالعة أو مشاهدة فيلم وثائقي على أن يقوم كل واحد بعرضه بطريقته.
كما دعا علماء النفس الأهل إلى تفهم نفسية أطفالهم الذين “خاب أملهم بفقدان ما اعتادوا عليه بسبب فايروس كورونا”.
وأوضحوا أن ذلك يعتبر خسارة كبرى للمراهقين في حياتهم، مؤكدين أنه لا يجب قياس ذلك ومقارنته بتجاربنا. وشددوا على ضرورة دعمهم والتعاطف معهم لأنهم محبطون ويشعرون بالحزن جراء فقدانهم لما تعودوا عليه.
وقال الأخصائي النفسي وحيد قوبعة إن وضعية الأطفال أثناء الحجر الصحي صعبة ودقيقة لأنهم تعودوا على الحركة والنشاط، داعيا الأولياء إلى ملء هذه الفراغات عن طريق ممارسة بعض الأنشطة المنزلية مثل مشاهدة التلفاز أو المطالعة، مشيرا إلى أن الأطفال يميلون عادة إلى سلوك التمرد لإثبات ذاتهم والتأثير على الآخرين أو لتحدي آبائهم الذين يعتمدون الضرب كأسلوب للعقاب.
كما أكد علماء النفس أن مستوى التوتر والقلق يرتفع داخل المنزل في الحروب وحالات الطوارئ المختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة إمكانية تعرض الأطفال في العائلة للاعتداءات والعنف كونهم أكثر الفئات المستضعفة في المجتمع.
وأكد الأخصائيون الاجتماعيون أن تواجد أفراد الأسرة في مساحة مغلقة ولفترات طويلة يساهم في توتر العلاقات العائلية، مشيرين إلى أن التقارب المكاني الحالي بين أفراد الأسرة ينتج تماسا مباشرا بينهم، وهو ما قد يؤدي إلى ضغط نفسي، ربما يتحول إلى عنف جسدي ضد الطفل.