كورونا تشل الاقتصاد الجزائري المتعثر أصلا

عمقت أزمة انتشار فايروس كورونا التحديات التي يواجهها الاقتصاد الجزائري، الذي يعاني أصلا من أزمات لا حصر لها، في ظل التراجع الحاد في إيرادات صادرات النفط ومخلفات عقود من الفساد والبيروقراطية التي قوضت أركان الاقتصاد.
الجزئر - وقعت الجزائر في دوامة الشلل الاقتصادي جراء تداعيات فايروس كورونا مما أثار حالة من الذعر والهلع بين صفوف المواطنين وأرغم أغلبهم على ملازمة المنازل، وهو ما أثر على المردود البشري للشركات والخدمات وما ترتب على ذلك من ضرر في النشاط الاقتصادي.
وفقدت الجزائر نصف مداخيلها من العملة الصعبة خلال الأيام القليلة الماضية، بسبب تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية، تحت ضغط جائحة كورونا، وهو ما وضع الحكومة في مأزق جديد تجاه الجبهتين الاجتماعية والاقتصادية التي تهدد بانفجار وشيك، ينضاف إلى أزمة الاحتجاجات السياسية المشتعلة في البلاد منذ أكثر من عام.
وتوقع خبراء أن تتعدى مداخيل الخزينة الجزائرية من العملة الصعبة إلى ما دون الـ30 مليار دولار، في ظل تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية، لاسيما وأنه يشكل مصدر الدخل الوحيد للبلاد.
وقال الخبير الاقتصادي عبدالرحمن مبتول، إن “الاقتصاد الجزائري، سيكون أكثر عرضة للضرر من التداعيات التي أفرزتها جائحة كورونا، والاهتزازات التي تشهدها أسواق النفط في الآونة الأخيرة، على اعتبار أنه مصدر الدخل الوحيد للبلاد”.
وأضاف “إن التوقعات تذهب إلى أقل من ثلاثين مليار دولار، وهو ما يمثل نصف حاجة البلاد لتغطية الواردات والخدمات التي تناهز سقف الـ60 مليار دولار، وهو ما يضطر الحكومة إلى اللجوء القسري إلى رصيد النقد الأجنبي الذي دخل هو الآخر مرحلة حرجة بعدما بلغ 60 مليار دولار، مقابل غياب مؤشرات تنويع مصادر الدخل القومي”.
وتتوجه الحكومة إلى إصدار قانون مالية تكميلي في غضون الأشهر القليلة القادمة، في خطوة تهدف إلى اتخاذ المزيد من التدابير التقشفية والبحث عن مصادر جديدة لتمويل الخزينة العامة، المتأثرة بتقلص مداخيل الجباية عن إيرادات النفط، وحتى حظر استيراد البعض من المواد الاستهلاكية، وتجميد استثمارات حكومية إلى أجل آخر.
وتعكس الحالة المضطربة لبورصة “بور سعيد” بوسط العاصمة للاتجار في العملة الصعبة، حالة الارتباك المالي والاقتصادي الذي يضرب البلاد في الأسابيع الأخيرة.
ورغم طابعها غير الرسمي، إلا أنها تمثل مؤشرا على الحركة المالية والتجارية بالبلاد، وأظهرت معاينة ميدانية لـ”العرب” داخل السوق المذكورة، الانهيار اللافت لأسعار العملة الصعبة وحالة الركود في البيع والشراء، وحتى الغموض في الأفق.
وأرجع أحد التجار الوضع المرتبك في السوق إلى الأوضاع المضطربة في حركة رؤوس الأموال، ودخول تدابير حظر السفر إلى العديد من الدول الأوروبية وتراجع الحركة التجارية مع تركيا والصين.
وأشار إلى أن الكثير من التجار تكبدوا خسائر فادحة خلال الأسابيع الأخيرة، بسبب تهاوي الأسعار إلى نحو 10 في المئة من القيمة المتداولة في السابق، وأن السوق تشهد حالة ركود تام بسبب تقلص النشاط التجاري نظير تفشي وباء كورونا في العالم، وحظر السفر إلى عدد من الدول الأوروبية القريبة كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا. وتبحث الحكومة عن عقد اجتماعي واقتصادي وسياسي بين جميع النخب الفاعلة، من أجل مواجهة المرحلة وحماية الاقتصاد المحلي من الانهيار، في التداعيات المؤملة لمرض كورونا، ولخلافات أعضاء ما يعرف بـمنظمة “أوبك +”، حول أسعار النفط.
وأوضح الخبير الاقتصادي، إسماعيل لالماس، أن “الأوضاع الاقتصادية خطيرة في البلاد نتيجة المعطيات الجديدة، وأن جميع الحلول والبدائل ستكون مؤلمة، ولذلك فإن المسألة تتطلب عقدا قويا بين النخب والمؤسسات الرسمية، وهو أمر غير متاح حاليا، بسبب القطيعة المستشرية بين الشارع الجزائري والسلطة”.
وشدد على أن الذهاب إلى مقاربة اقتصادية شاملة تنهي خيار الريع النفطي، يتوجب إصلاحات سياسية شاملة قبل ذلك، ومن غير المعقول التوجه إلى رؤية اقتصادية جديدة بآليات ووجوه قديمة لا تحوز أي مصداقية في الشارع، وأن الفساد المستشري لا يمكن القضاء عليه أو حتى التقليص من حدته بالمنظومة القائمة.
وقدر أستاذ الاقتصاد والمستشار السابق في رئاسة الجمهورية عبدالرحمن مبتول، قيمة الأموال المهربة من الجزائر إلى الخارج في غضون العشريتين الأخيرتين بنحو 180 مليار دولار، استنادا على تضخيم فواتير الاستيراد بنحو 20 في المئة فقط. وسبق وصرح رئيس الوزراء الجزائري عبدالعزيز جراد بأن مخطط عمل حكومته يعتزم إرساء قواعد اقتصادية جديدة، تقوم على ثلاثة محاور، أولها تطوير الموارد البشرية ويشمل إعادة بناء المنظومة الصحية، وإعادة بناء المدرسة والجامعة، وثانيا التحول الاقتصادي من خلال التركيز والاعتماد على الطاقات المتجددة، ثم الاقتصاد الرقمي والمعرفة كمحور ثالث.
وأكد جراد أن حكومته “تملك رؤية واضحة ومقاربة براغماتية وواقعية لمواجهة الأزمة”، وتعهد برفع القيود عن الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وعدم الالتزام بقاعدة 51/49 في المئة إلا في ما يتعلق بالقطاعات الاستراتيجية، وهي القاعدة التي كانت مصدر نفور لمستثمرين أجانب، بينما تمسكت بها الحكومات السابقة بدعوى الحفاظ على السيادة الوطنية.
وكانت السلطة الجزائرية قد راجعت المنظومة التشريعية للمحروقات والاستثمارات، بوضع حوافز جديدة للرأس المال الأجنبي، إلا أن عدم الاستقرار السياسي في البلاد أطال من عمر الترقب، قبل أن تدخل تداعيات جائحة كورونا على الخط وتهوي بكل التوقعات والآمال في النهوض بالاقتصاد المحلي.