افتقاد عاطفة الأخوة ينمي اضطرابات عند الابن الوحيد

يواجه الطفل الوحيد في العائلة عددا من المشاكل الاجتماعية والنفسية، كضعف المهارات وصعوبة الاندماج مع أقرانه. وقد يشعر بالقلق والاكتئاب ويفقد خصوصيته، نتيجة الاهتمام المبالغ فيه من طرف الأسرة، مما يدفع إلى التساؤل حول كيفية تعامل العائلات مع الابن الوحيد وتفادي الآثار الجانبية عليه.
يؤكد علماء النفس على أن الطفل الوحيد في العائلة شخص ذو خصوصية وجب التعامل معه بشكل مختلف عن الطفل ذي الأشقاء، لكن دون الوقوع في المبالغة.
ويشيرون إلى أن الطفل الوحيد قد يشعر بالخوف فيعمد إلى العزلة والانطواء ويمكن أن يكون عنيدا وعصبيا فيبدأ بأعمال التخريب في المنزل كما يمكن أن يشعر بالغيرة الشديدة نتيجة تعامله مع أسر بها أكثر من ابن، مما يولد لديه شعورا بالقلق والاكتئاب.
ولأنه ليس للطفل الوحيد إخوة يتعلم منهم أو يكتسب من تجاربهم، فإن مهاراته الاجتماعية تقل ويصبح شديد الخجل عند تعامله مع الآخرين وهو ما تعتبره بعض الأسر مشكلة حقيقية تسعى إلى تفاديها، وهنا ينصح علماء النفس الوالدين بأن يكونا على قناعة بوضعية ابنهما، حتى تنعكس
تلك القناعة بالإيجاب على سلوكهما نحوه.
يقول الدكتور ممتاز عبدالوهاب أستاذ الأمراض النفسية والعصبية بجامعة القاهرة إنه على الرغم من توفر الإمكانيات المادية والرعاية الأسرية للطفل الوحيد فإن الآثار النفسية السيئة قد تنعكس عليه نتيجة لعدم وجود إخوة يقاسمونه الاهتمام والرعاية ويتنافسون معه في شتى المجالات.
ويشير عبدالوهاب إلى أن عاطفة الصديق أو القريب لا يمكن أن تكون أعمق وأقوى من عاطفة الأخوة.
ويؤكد أحمد الأبيض المختص في علم النفس أن الطفل الوحيد عادة ما تنقصه المهارات الاجتماعية لأنه ليس له أخ ينافسه أو يفرض عليه إرادته .
وقال الأبيض لـ”العرب” إن العراك الذي يقع بين الإخوة مهم لأنهم يتعلمون منه التكيف مع المحيط الخارجي، مشيرا إلى أن نقص المهارات الاجتماعية يصعّب مهمة الاندماج على الطفل الوحيد، حتى إذا صار شابا.
ورغم علاقاتهم المتينة بآبائهم، عادة ما يساور الأطفال الوحيدين شعورٌ بالندم لأنهم ترعرعوا دون أشقاء، وهو ما كشفته دراسة أميركية بينت أن الأطفال الوحيدين في سن ما قبل المرحلة الدراسية عادة ما يكون لهم أصدقاء خياليون يُصبحون حلفاءهم، ويشاركونهم في شؤونهم اليومية.
الأطفال الوحيدون في سن ما قبل المرحلة الدراسية عادة ما يكون لديهم أصدقاء خياليون يُصبحون حلفاءهم، ويشاركونهم في شؤونهم اليومية
وأوردت الدراسة مؤشرات على أن الأطفال الوحيدين أقل استعدادا للتصالح مع الآخرين. كما قال العديد من الشباب الذين طلب منهم استرجاع فترات طفولتهم، إنه من المؤسف أنهم لم يكن لديهم رفيق لعب موثوق به، كرفقاء اللعب الذين حظي بهم مَنْ لهم أشقّاء.
وفي الصين، حيث طبعت سياسة الطفل الوحيد تنظيم الأسرة لقرابة أربعة عقود، حقّق الأطفال الوحيدون درجات أدنى في ما يخص قدرتهم على التسامح.
وتبين أن المتسامحين تحديدا يتّصفون بالإيثار، ومساعدة الآخرين، والتعاطف، والتعاون، في حين يتسم غير المتسامحين بالمشاكسة، والارتياب، والتمحور حول الذات، والتنافس أكثر من غيرهم.
ووفق عبدالوهاب تظهر على الأطفال الوحيدين أعراض الأنانية وحب الذات والميول النرجسية في مرحلة مبكرة من العمر، مبينا أن الأطفال الوحيدين هم أطفال مدللون لا يستطيعون الاعتماد على ذواتهم ولا يستطيعون مواجهة متاعب الحياة ومصاعبها عند الكبر.
ويؤكد عبدالوهاب أنه عادة ما يكون الطفل الوحيد غير قادر على التكيف مع العلاقات الاجتماعية إلا بصعوبة شديدة.
ولفت إلى أن الطفل الوحيد يريد أن يأخذ أكثر مما يعطي إذ تسيطر عليه نزعة حب السيطرة والتملك، ويتعجل الحصول على الكسب والمتعة دون الاستعداد للتضحية، ويميل دائما إلى التقرب من الآخرين واجتذاب الأصدقاء ليكونوا تحت السيطرة وليفرض عليهم إرادته ويملي عليهم شروطه بشيء من الحكمة والأنانية .
وبدوره يشير الأبيض إلى أن الطفل الوحيد عادة ما يكون محل عناية مفرطة وتدليل يجعلانه يتصور أن الحياة سهلة وبلا مصاعب، مؤكدا أن الآباء يتساهلون مع الطفل الوحيد بطريقة تجعله لا يتعرف على الممنوعات والمحرمات بما من شأنه أن يجعل منه إنسانا منحرفا لا يحترم القانون ولا يخضع له.

ويحظى الطفل الوحيد بالمزيد من الرعاية والاهتمام من طرف والديه لكن في المقابل يشعر بالملل والوحدة لذلك يتخذ من والده سندا له ويشاركه كل ما يحدث له، فلا تكون للطفل خصوصية. وينصح هنا الأبيض الآباء بتوسيع عالم أبنائهم الوحيدين لأن آفاقهم تكون محدودة وتجاربهم لا تتجاوز تجارب آبائهم أو المحيطين بهم.
كما قد يتخذ بعض الأطفال من اهتمام آبائهم الزائد بهم نقطة ضعف فيكثرون من العناد ويستخدمونه كأسلوب للفت النظر وطريقة لتلبية كل احتياجاتهم.
ويرى الأبيض أنه من الضروري أن يعوّد الآباء أبناءهم على عدم تلبية كل متطلباتهم مستدلا في ذلك بما يصفه خبير تربوي أميركي بفيتامين “لا”.
وأفاد علماء النفس أنه من الضروري وضع الطفل الوحيد مبكرا في الحضانة المدرسية حتى يسهل عليه الاندماج مع أقرانه ومع الأطفال عموما مادام يفتقدهم في البيت. كما ينصحون بترتيب لقاءات له مع أطفال العائلة أو أبناء الأصدقاء للعب معهم، مشيرين إلى أن لعب الأطفال له أهمية كبيرة في إنقاذهم من الانطواء والخجل وفي تنمية مهاراتهم.