القاهرة تروض اقتصاد الظل بطباعة النقود البلاستيكية

الحكومة المصرية تسعى إلى المزيد من السيطرة على اقتصاد الظل، ويأتي ذلك في سياق الإصلاحات التي تنفذها لإنعاش معدلات النمو على أسس مستدامة.
الجمعة 2020/03/13
نقود بديلة لتطويق السوق السوداء

بدأت الحكومة المصرية خطوة جادّة نحو ترويض الاقتصاد غير الرسمي من خلال طبع فئات نقد بلاستيكية بمطبعة البنك المركزي في العاصمة الإدارية الجديدة بشرق القاهرة، في تحرّك ترى السلطات أن عمليات تغيير العملة ستمكّنها من حصر مجتمع المال الخفي، الذي يعمل بعيدا عن منظومة الاقتصاد الرسمي للبلاد.

القاهرة - تستعد القاهرة للدخول في مواجهة جديدة مع الاقتصاد الخفي أو غير الرسمي، الذي تشير تقديرات إلى أن حجمه يبلغ أكثر من 40 في المئة من حجم الاقتصاد الحقيقي للبلاد.

وتستعين القاهرة في مواجهتها الجديدة بطباعة فئات نقد بلاستيكية مع بدء تشغيل مطبعة البنك المركزي الجديدة تزامنا مع انتقال وزارات ومؤسسات حكومية عديدة إلى العاصمة الإدارية.

وتسعى الحكومة من وراء هذه الخطوة إلى السيطرة بشكل أكبر على اقتصاد الظل، حيث أنها تأتي في سياق الإصلاحات، التي تنفذها لإنعاش معدلات النمو على أسس مستدامة.

ومن خلال طرح الفئات النقدية الجديدة تستطيع السلطات حصر قيمة الثروة خارج الجهاز المصرفي، ودمجها في الحسابات المصرفية عبر عمليات تغيير العملة القديمة، وفتح حسابات للأفراد في البنوك.

وتصل حجم السيولة المحلية المتداولة خارج الجهاز المصرفي إلى حوالي 32.5 مليار دولار خلال شهر ديسمبر الماضي.

وتسيطر التعاملات النقدية على السوق المصرية، الأمر الذي يحتاج سرعة التحول الرقمي، ونشر ثقافة الشمول المالي لدى المواطنين لمنع وقوع الكثير من الأخطاء التي تؤدي إلى مشكلات اقتصادية، وتضاعف من صعوبة حصر الأموال لدى المصريين.

جمال نجم: طبع أول فئة نقد بديلة بمطبعة المركزي بالعاصمة الجديدة
جمال نجم: طبع أول فئة نقد بديلة بمطبعة المركزي بالعاصمة الجديدة

وأعدّت وزارة المالية تشريعا جديدا يحمل حوافز لتشجيع القطاع غير الرسمي للعمل ضمن المنظومة الشرعية في البلاد.

ويتضمّن التشريع حزم حوافز وإعفاءات ضريبية تصل مدتها خمس سنوات من الآن، مع ضمانات تشمل تأمين اجتماعي للمعاشات، إلا أن هذه الحوافز لم تحقق طموحات وزارة المالية.

وقال جمال نجم، وكيل محافظ البنك المركزي المصري، إن المطبعة تقوم بطبع أول ورقة نقد من فئة عشرة جنيهات من البلاستيك.

وأوضح في تصريحات خاصة لـ”العرب” أن تغيير فئات النقد المختلفة سوف تتوالى تباعا، حيث تعدّ فئة العشرة جنيهات الأكثر تداولا في التعاملات بالسوق.

ويتداول في السوق المصرية أوراق نقدية مختلفة من فئات 5 و10 جنيهات و20 و50 جنيها وصولا إلى 100 و200 جنيه.

وخلال السنوات الماضية، طالب عدد من الاقتصاديين المصريين بتغيير العملة خلال السنوات الماضية لتطوير الاقتصاد وتسهيل حركة الأموال بصورة
رسمية.

ومن أكثر المتحمسين لهذا الاتجاه هاني توفيق، الرئيس الأسبق للاتحاد العربي للاستثمار المباشر، الذي أكد أن طرح عملة جديدة في الأسواق يمثّل حلّا عمليّا لحصر الثروات وضمّ الاقتصاد غير الرسمي إلى المنظومة الاقتصادية للبلاد.

وتعزز جهود ضم هذا القطاع من الاقتصاد للمنظومة الرسمية في البلاد من زيادة الوعاء الضريبي للخزانة العامة للدولة، حيث يصل حجم الاقتصاد غير الرسمي لنحو 157 مليار دولار، على اعتبار أنه يمثّل 40 في المئة من الناتج المحلي للبلاد البالغ 394 مليار دولار.

وأوضح البنك المركزي المصري أن عدد المواطنين الذين لديهم حسابات بالبنوك يصل لنحو 17 مليون مواطن، من إجمالي 54 مليون مواطن سجّلوا في قواعد بيانات اللجنة العليا للانتخابات، وهم الراشدون المؤهلون لفتح حسابات مصرفية.

وأسست مصر أول مجلس قومي للمدفوعات الإلكترونية، بهدف خفض استخدام النقد خارج البنوك وتحفيز طرق الدفع الإلكتروني لمراقب التعاملات وحصر الأنشطة غير الرسمية.

وقال الخبير الاقتصادي، ياسر عمارة، إن “النقود البلاستيكية إحدى الوسائل التي تساعد في حصر الثروات الخفية في مصر، وتضبط حركة الاقتصاد بطريقة سليمة”.

ويضطر التجار الذين يعملون في قنوات اقتصادية خفية إلى تغيير أموالهم من الجهاز المصرفي، وفتح حسابات ما يزيد من كفاءة حركة الأموال في المنظومة الاقتصادية.

وأضاف عمارة أن الاتجاه لتلك النقود خطوة مبدئية لإجبار المجتمع على الاستغناء عن النقود الورقية، وتأهيل المجتمع للتعامل مع المتغيّرات المالية المستقبلية، وتعميم عمليات الدفع الإلكتروني في المعاملات.

جلب ثقة المستثمرين
جلب ثقة المستثمرين

ويغلب على المجتمع المصري التعاملات النقدية ولا يثق عدد كبير من المصريين في التعاملات والمدفوعات الإلكترونية، رغم الجهود الحكومية التي تبذل من خلال توسيع نطاق عمليات الرقمنة.

وأشارت عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان بسنت فهمي إلى أن استخدام النقود البلاستيكية تعدّ وسيلة تدريجية لدمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية.

وأوضحت في تصريح، أن تلك الآلية تستغرق وقتا طويلا، حتى تتمكّن الحكومة من توفير القيم المالية من العملات البلاستيكية البديلة عن فئات النقد الورقية المتاحة بالأسواق.

وتحتاج عمليات طباعة النقد البديل إلى تكاليف مرتفعة، لا تستطيع الحكومة تحمّلها على المدى القصير، كما يتطلّب ذلك الأمر توفير ميزانية مناسبة للإحلال والتجديد.

وتتميز طباعة العملة من خام الـ”بليمر” بأنها شديدة الدقة الوضوح، ومن الصعب تزويرها، بنسبة 98 في المئة، مقارنة بالطباعة الورقية وهو تحدّ كبير أمام مصر.

بسنت فهمي: الآلية الجديدة سوف تستغرق وقتا لتغيير جميع فئات العملة
بسنت فهمي: الآلية الجديدة سوف تستغرق وقتا لتغيير جميع فئات العملة

وتتميّز النقود البلاستيكية بالمرونة والمتانة وأقلّ سمكا، الأمر الذي يمنحها عمرا افتراضيا أطول يقدّر بنحو خمسة أضعاف عمر الفئة الورقية المصنوعة من القطن، إلى جانب مقاومتها للماء، وصعوبة تزويرها.

وطرحت الغرفة الأميركية في القاهرة في وقت سابق هذا العام رؤية لتحفيز الاقتصاد غير الرسمي وتشجيعه على الانضمام إلى المنظومة الرسمية عبر فرض ضريبة قطعية بقيمة 20 دولارا على المشروعات متناهية الصغر سنويا.

وكشفت لجنة الضرائب بالغرفة أن هذه الخطوة تبثّ رسالة طمأنة لهذا القطاع وتعزز فكر الحماية بدلا من الاتجاه إلى دفع أموال بشكل غير شرعي مقابل السماح بممارسة نشاطه.

ولفتت اللجنة إلى أنه يمكن تطويع هذه التجربة على المشروعات ذات الحجم الصغير الذي يعمل في الاقتصاد غير الرسمي.

كما أكدت أن هذه الخطوة تطرح حلولا عملية بعيدة عن البيروقراطية والتعقيدات الضريبية التي تنشر الرهبة لدى أصحاب هذه المشروعات.

وتسير الخطوة في اتجاه الحداثة، الذي تنتهجه الحكومة المصرية في الأنشطة التجارية والاستثمارية، ومحاولة مسايرة أفضل النظم العالمية بما يتماشى مع طريق الإصلاح الاقتصادي وبدأته منذ ثلاثة أعوام، وأثبت نجاعته في تحقيق الكثير من الأهداف.

وتجلب هذه الإجراءات ثقة المستثمرين، وتقضي على ترددهم السابق في الإقبال على السوق المصري، بذريعة أنه يتلكأ في التطوير.

وكانت مصر قد قامت بالكثير من التحركات في السنوات الأخيرة في هذا المضمار عبر سلسلة من التدابير الاستثنائية حتى تتمكّن من تحفيز الاقتصاد الذي تراجع بشكل حادّ بعد الإطاحة بنظام الرئيس الراحل محمد حسني مبارك في مطلع 2011.

10