صعود القوميين في أيرلندا يهدد بخلط أوراق المفاوضات البريطانية الأوروبية

لا تزال عمليات فرز الأصوات في الانتخابات التشريعية الأيرلندية متواصلة وسط تكهنات بصعود تاريخي لحزب شين فين الجمهوري والذي يُعرف عنه مطالبته بإجراء استفتاء حول توحيد الأيرلنديتين، وهو أمر يثير توجس البريطانيين والأوروبيين معا الذين يجرون محادثات بشأن العلاقة المستقبلية بينهما والتي تلعب فيها الحدود الأيرلندية دورا محوريا.
دبلن – تتواصل في أيرلندا عمليات فرز أصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في انتخابات تشريعية جرت السبت وسط تقارب في النسب بين الجمهوريين والأحزاب ذات الهيمنة التقليدية على غرار “فاين غيل” و”فيني فيل”.
ويُنظر لهذه الانتخابات على أنها ستكون محددا رئيسيا للموقف الرسمي الأيرلندي من مفاوضات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لإمضاء اتفاق تجاري، حيث تعد أيرلندا البلد الوحيد العضو في التكتل الأوروبي الذي يشترك مع المملكة في حدود برية. وتُعد مسألة الحدود من بين أكثر القضايا تعقيدا في المفاوضات بين بروكسل ولندن.
وإذا نجح حزب شين فين الجمهوري في تشكيل ائتلاف حكومي فإن ذلك سيمهد للمطالبة بإجراء استفتاء على توحيد دبلن وأيرلندا الشمالية المنضوية تحت التاج البريطاني ما يخلط أوراق المفاوضات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وتشير التوقعات إلى تحقيق الحزب الجمهوري مكاسب هامة في هذا الاستحقاق.
وكان رئيس الوزراء الأيرلندي ليو فارادكار الذي يتصدّر حزبه “فيني غيل” نتائج الانتخابات التشريعية بفارق ضئيل عن الـ”شين فين” قد أكد منذ البداية أنه يواجه صعودا متناميا للجمهوريين الذين يسعون لتشكيل تحالفات غداة الاقتراع الذي لم تصدر نتائجه النهائية بعد. ووفقا لاستطلاع أجراه معهد “إيبسوس أم.آر.بي.آي” لدى خروج الناخبين من مراكز الاقتراع ونُشرت نتائجه وسائل الإعلام الأيرلندية مساء السبت، حصل حزب رئيس الوزراء “فيني غيل” على 22.4 في المئة من الأصوات، يليه الحزب الجمهوري “شين فين” بـ22.3 في المئة ثم حزب “فيني فيل” أو “جنود المصير” (يمين الوسط) بـ22.2 في المئة.
ويعد الفارق ضئيلا للغاية في النتائج بين الأحزاب الثلاثة إذ لا يتعدى عُشر نقطة مئوية ولا يمكن الركون إليه في تحديد الحزب المتصدّر لأنّ الدراسة جرت على عيّنة من خمسة آلاف مقترع وبلغ هامش الخطأ فيها 1.3 في المئة، ما يعني أنّ النتيجة النهائية للانتخابات لم تحسم بعد.
ويتعين الانتظار لمعرفة كيف ستترجم هذه الأرقام على توزيع المقاعد في البرلمان الذي يبلغ عدد أعضائه 160. وخاض حزب “شين فين” اليساري القومي المطالب بتوحيد إقليم أيرلندا الشمالية مع جمهورية أيرلندا، الانتخابات بـ42 مرشحا فقط، أي أقل بمرتين من مرشحي الحزبين الوسطيين الكبيرين.
تشكيل حكومة أيرلندية سيخضع لمفاوضات شاقة حيث يستبعد حزبا فيني غيل وفيل تشكيل تحالفا مع شين فين الجمهوري
ومن المنتظر أن تكون هناك مفاوضات شاقة لتشكيل حكومة أيرلندية حيث يستبعد حزبا فارادكار “فيني غيل” ومايكل مارتن “فيني فيل” تشكيل أي تحالف مع “شين فين” بسبب ارتباطه بـ”الجيش الجمهوري الأيرلندي”، المنظمة المسلّحة المعارضة للوجود البريطاني في أيرلندا الشمالية. ودعت زعيمة “شين فين” ماري لو مكدونالد إلى تشكيل “حكومة تعمل لصالح الشعب، حكومة خالية من فيني فيل وفيني غيل”.
وأعلنت مكدونالد أنها على تواصل مع الأحزاب الأخرى، ولاسيما الخضر والحزب الديمقراطي الاجتماعي. وقالت إن الأحزاب الكبرى التي ترفض “التعاطي معنا” ستغير موقفها.
وبحسب الصحف الأيرلندية فإن الاختراق الذي حقّقه “شين فين” في بلد يقوده تقليديا، أحاديا أو ائتلافيا، حزبان كبيران من يمين الوسط، يعيد خلط الأوراق السياسية في أيرلندا.
وأكد مسؤول القسم السياسي في صحيفة “آيرش تايمز” بات ليهي أن ثمة “صعوبة في تشكيل الحكومة إذا تمسّكت الأحزاب بالمواقف التي أعلنتها قبل التصويت”. وسيدفع عدم إفراز الانتخابات أغلبية صريحة، الأحزاب إلى إجراء مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية سيكون للأحزاب الصغيرة والمستقلين دور كبير فيها.
وفي الانتخابات السابقة التي جرت في 2016، استغرق تشكيل الحزبين الكبيرين حكومة سبعين يوماً. وقد يستمر تعداد الأصوات الذي يجري بطريقة “ديمقراطية للغاية” أياما عدة بسبب طبيعة النظام الانتخابي المعقّد والقائم على الصوت الواحد القابل للتحويل، وفق ما أوضح ايونن أوهالين أستاذ التاريخ في جامعة “ترينيتي” في دبلن. ولا يمنح الناخبون صوتهم للائحة معدة مسبقا، بل يشكلون لائحتهم الخاصة عبر وضع الناخبين بترتيب قائم على المفاضلة. واستُحدث هذا النظام الانتخابي مع بدايات تأسيس الجمهورية الأيرلندية قبل نحو قرن.
ويجسّد المثلي فارادكار (41 عاما) نهج الحداثة في بلاد كانت متزمتة كاثوليكيا، لكن شعبيته تراجعت بعد ثلاثة أعوام في السلطة. وواجه رئيس الحكومة المنتهية ولايته انتقادات لأنه أعطى الأولوية في حملته الانتخابية لبريكست بدلا من اهتمامات الناخبين، مثل الإسكان والصحة. ولم تؤثر قضية بريكست سوى على خيارات 1 في المئة من ناخبين استطلعت آراؤهم السبت.
وبعد أسبوع على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير باتت أيرلندا وسكانها البالغ عددهم 4.9 مليون نسمة في خط المواجهة الأمامي. ومع اقتراب مفاوضات تجارية ستتأثر جزيرة أيرلندا بنتائجها حيث شدد فارادكار خلال الحملة على أهمية إيجاد حل يجنب البلاد العودة إلى إقامة حدود مادية مع أيرلندا الشمالية.
ويعيد الحديث عن الحدود الأيرلندية إلى الأذهان ذكرى “اضطرابات” شهدتها أيرلندا الشمالية مدى ثلاثة عقود بين الجمهوريين والوحدويين غالبيتهم بروتستانت، أسفرت عن مقتل 3500 شخص.