كمال يعيش: الأسرة صمام الأمان الأول إزاء التشدّد والإرهاب

"صوت الملائكة" فيلم جزائري ينتصر لقيم التسامح ويعكس معاناة الكثير من الأسر الجزائرية.
الخميس 2019/11/28
مصير غامض لولا فسحة الأمل

يحضر الشباب الجزائريون بأحلامهم وآمالهم وواقعهم القلق في الفيلم الجزائري “صوت الملائكة” للمخرج الجزائري كمال يعيش، من خلال قصة شاب لا يجد في لجّة الواقع المأزوم الذي يحياه من حل إلا أن يتجه إلى عالم المخدرات والجريمة، فيجد نفسه في مواجهة عقوبة السجن، ولكن تدخل الأقدار في اللحظات الأخيرة عبر عفو المُعتدى عليه، لتمنح البطل آفاقا رحبة من الحلم والأمل.

يروي الفيلم الجزائري “صوت الملائكة” للمخرج كمال يعيش على امتداد 96 دقيقة من الزمن، قصة محرز، وهو شاب عصامي دون تكوين ولا مهنة ولا طموحات كبيرة، يعيش يوميا على السرقات الصغيرة لشراء بعض الحبوب المخدرة في حيّه الشعبي بأعالي العاصمة الجزائر، إلى أن أوقفته قوات الأمن وهو يحاول سرقة هاتف محمول من سائق سيارة.

وعلى عكس ما كان ينتظره المشاهدون، أسقط الضحية خالد، وهو مخرج سينمائي، شكواه بالمعتدي عليه، بل ومنح خصمه عملا بـ”بلاتوه” التمثيل الذي يشرف عليه، فساهم هذا اللقاء في تغيير منحى حياة الشاب.

ومنذ تلك اللحظة، ينطلق فيلم آخر داخل الفيلم نفسه ذلك الذي يقوم خالد بتصويره حول التجنيد المتطرّف للشباب الجزائري خلال سنوات الإرهاب، عبر معالجة قصة شاب مُعدم تقوم جمعية غير قانونية بمساعدته وضمه إلى صفوفها.

ويصوّر الفيلم كافة مراحل التجنيد إلى غاية المرحلة الحاسمة التي يقوم فيها الشاب الذي يؤدي دوره محرز باغتيال رجل آخر بلا شفقة حتى يتمكن من الالتحاق بجماعات إرهابية أخرى في الجبل. من هناك، وبعد حصوله على هذا الدور، يبدأ محرز في التطلع إلى حياة أفضل له ولأمه.

و”صوت الملائكة” من إنتاج المركز الجزائري لتطوير السينما بمشاركة وزارة الثقافة الجزائرية والمركز الوطني للسينما السمعي والبصري، عن سيناريو وإخراج لكمال يعيش، وتمثيل كل من مداني سليم، لعروسي حمزة، رانية سروطي، نضال الملوحي، زكريا بن محمد، هشام مصباح وآخرون.

كمال يعيش: بطل الفيلم يجد في سحر السينما بديلا عن واقعه المرير
كمال يعيش: بطل الفيلم يجد في سحر السينما بديلا عن واقعه المرير

يعتبر المخرج الجزائري الشاب كمال يعيش أن التطرّق إلى مواضيع خاصة بالشباب في الجزائر أكثر من ضروري، لاسيما أن جلهم يحلم بمغادرة الوطن والهجرة نحو أوروبا حتى وإن كان ذلك على متن قوارب الموت.

وعن ذلك يقول، “لقد فقد الشاب الجزائري كل أمل للعيش بكرامة وعزة داخل بلاده، الشيء الذي يعدّ كارثيا وخطيرا على مستقبل الوطن برمته. إن انقطاع التواصل بين فئة الشباب حاليا بالجيل السابق أدى إلى انعدام الثقة بين هاتين الفئتين، وهذا ما يجعل من الفيلم وسيطا حقيقيا وفرصة لبعث الحوار من جديد على أسس وقواعد صحيحة”. وعن دخول الفيلم في متاهات المجتمع التي يعاني منها، وإظهاره العديد من الآلام التي تقلق المواطن العادي وتربك استقراره الأسري والنفسي على حد سواء، يقول يعيش، “من المؤكد أن الأسرة هي الخلية الأولى والأساسية لبناء المجتمع، وعندما نقول “أسرة” نقصد من خلال ذلك مكانة قيادية ومسؤولة للأب ودور فعّال وواع لأم قوية الشخصية بهدف تحقيق التوازن الأسري المنشود، ليكون بذلك المحيط الملائم لنمو أبنائهم في ظروف حسنة تسمح لهم ببناء شخصيتهم وفرض وجودهم كأفراد داخل أسرهم

قبل التحوّل إلى تأكيد مكانتهم داخل المجتمع، وهذا ما تفتقد إليه معظم الأسر الجزائرية أو بالأحرى أسر المجتمعات المريضة”.

يعتبر بطل الفيلم وأسرته نموذجا حيا يعكس معاناة الكثير من الأسر الجزائرية التي ما فتئت تحاول النهوض والبقاء في ظل نظام متعفن لا يحرك ساكنا لإنقاذ أبنائه. ويرصد فيلم “صوت الملائكة” كل الجوانب السلبية للشخصيات، معروضة أمام المتفرج بكل موضوعية حتى يتسنى له النظر فيها ومعالجة كل نقائصه الذاتية.

حفل فيلم “صوت الملائكة” في نهايته بِطاقة إيجابية تبعث على التفاؤل من خلال الوصول بهؤلاء الشباب إلى مستقبل أكثر هدوءا واستقرارا، حيث أوجد المخرج حلّا لذلك الشاب الذي عركته الحياة بجبروتها، قبل أن تعيد الثقة إليه.

وعن ذلك يقول يعيش، “إن بعث الأمل في قلوب شبابنا يعتبر بالنسبة إلينا أكبر تحدّ في طريق إعادة بناء مجتمع متوازن وقوي. وأول خطوة يمكننا تخطيها لإعادة الأمل، هي التحرّر من كل أنواع التسلط سواء كان أسريا، أو اجتماعيا، أو سياسيا. وهذا ما حقّقه بطل الفيلم مع أمه بعد مغادرتهما البيت، في نهاية الفيلم، من خلال تحرّرهما من سلطة أب غاشم”.

لم يشأ المخرج الجزائري الشاب أن يقوم باستعراضات بصرية في تصويره للفيلم، بل اعتمد لغة بصرية بسيطة همها الأول والوحيد إيصال الفكرة إلى المشاهد في أقل جهد ممكن، ودون الحاجة إلى فك الرموز أو الخطابات السينمائية المشفّرة. وهو يرى أن “أحداث الفيلم تتطوّر من خلال قصتين مختلفتين من حيث الموضوع، ولكنهما متكاملتان من حيث المعنى. فالقصتان ليستا غنيّتن بالأحداث الدرامية بقدر ما هما غنيّتان بمواقف الشخصيات تجاه بعضها البعض والتي جاءت لتعبّر تارة عن التضامن في ما بينهم، وتارة أخرى عن استغلالهم لبعضهم البعض”.

ويضيف كمال يعيش، “اختيار هذا الأسلوب جاء لإضفاء أكبر قدر ممكن من الواقعية بهدف معالجة الموضوع دون التحزّب لشق أو آخر، مع التركيز في بعض الأحيان على لحظات مميزة تحمل معان خاصة حول أحداث ومواقف تاريخية حديثة عرفتها الجزائر ولا تزال آثارها حية إلى يومنا هذا”.

16