خلف رائحة البصل طريق مختصر للنظام الغذائي الصحي

بينما يحرص الكثيرون على عدم تناول البصل تجنبا لرائحة الفم الكريهة بهدف التحلي بالذوق العام وعدم الشعور بانزعاج الآخرين، يشير خبراء التغذية إلى أن وراء تلك الرائحة النفاذة مجموعة كبيرة من الفوائد الصحية للجسم.
يستعمل البصل في إعداد معظم الأطباق الرئيسية، أكثر من أي نوع آخر من الخضروات، إلا أنه نادرا ما يلقى الكثير من الاستحسان، نظرا لأنه يتمتع بقدرة مذهلة على ترك رائحته في الفم لساعات طويلة، ولذا لا يقدر البعض على تحمل رائحته النفاذة، لكن يبدو أن فوائده الكثيرة تتفوق على رائحته الكريهة.
ولا غرابة إذا أن تشترك شعوب العالم في استهلاك هذا النبات اللاذع والمسيل للدموع بكثرة، إذ زاد إنتاجه بنحو 25 بالمئة خلال العقد الماضي، خصوصا بعد أن سلطت الأبحاث العلمية الضوء على فوائده الصحية الجمة، التي لا يرقى إليها الشك.
ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن ما لا يقل عن 175 دولة تزرع البصل، وهو أكثر بكثير من ضعف معدلات زراعة القمح الذي يمثل أكبر محصول في العالم من حيث الكمية.
وتشير البيانات الإحصائية، الصادرة عن الحجر الزراعي المصري، ومركز التجارة العالمية، التابع للأمم المتحدة، بشأن محصول البصل، إلى أن مصر صدرت 353 ألف طن في 2018، إلى نحو 25 دولة حول العالم، فيما بلغ إجمالي صادرات البصل المجفف، خلال 2018 ما يقارب 35.5 مليون دولار، ما يمثل 9.5 بالمئة من إجمالي الصادرات العالمية للبصل المجفف.
وكانت مصر قد احتلت المرتبة الثالثة عالميا في تصدير البصل المجفف، عام 2017، والتي بلغت قيمته 371 مليون دولار، وذلك بعد الولايات المتحدة الأميركية.
وتستحوذ الصين والهند على أعلى معدلات إنتاج واستهلاك البصل، وتنتج الدولتان نحو 45 بالمئة من الإنتاج العالمي من البصل الذي يفوق 70 مليون طن.
لكن الدولتين ليستا من بين أكثر الدول تناولا للبصل وذلك استنادا إلى كمية البصل التي يتناولها كل فرد من السكان، وتأتي ليبيا في صدارة الدول، إذ تناول كل فرد في المتوسط 33.6 كيلوغرام من البصل في عام 2011، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.
ولم يستدل الخبراء على الموطن الأصلي للبصل، إلا أن البعض يرجح أنه عرف في المناطق الواقعة في النصف الشمالي للكرة الأرضية، لكن خبيرة تاريخ الأغذية لورا كيلي ومؤلفة كتاب “سيلك رود غورميت” أو (أغذية طريق الحرير) تقول “نعتقد أنه بناء على التحليل الجيني، فإن البصل نشأ في وسط آسيا، ولذا فإنه كان بعيدا جدا بالفعل عن بلاد النهرين خلال الفترة التي استخدم فيها هذا النبات، وهناك دليل قديم على استخدامه في أوروبا بداية من العصر البرونزي”.
للوقاية من هشاشة العظام، ينصح بإدراج البصل ضمن النظام الغذائي اليومي لإبطاء التراجع الطبيعي للعضلات
وأضافت “إنه نبات رائع جدا، وقد يرى شخص ما أنه جميل للغاية، ثم يكتشف بعد ذلك أنه نبات مفيد من الناحية الغذائية، إنه نبات تسهل زراعته للغاية، ويحتوي على عدد قليل جدا من الآفات”.
لكن بغض النظر عن الموطن الأصلي للبصل، فقد استخدم منذ قرون عدة كعلاج لأنواع مختلفة من الأمراض، وقد ذكر العالم الروماني القديم بلينيوس، فوائد علاجية مختلفة للبصل، منها الربو والتهاب الرئتين، غير أن الأبحاث الحديثة كشفت الكثير من الفوائد الصحية للبصل، ومن بينها قدرته على تسريع العملية الأيضية أو عملية حرق الطعام في الجسم.
ويحتوي البصل على الكثير من الفيتامينات والمعادن، كالكالسيوم والفوسفور والمغنيسيوم والسيلينيوم، فضلا عن فيتامين “هـ” و”سي”.. ويحتوي كذلك على مركبات أخرى مهمة لصحة الإنسان، فهو غني بمادتي “الأليسين واللين” وهما من المضادات الفعالة للبكتريا ويعملان كمضاد حيوي قوي، كما يحتوي على مستويات مرتفعة من مركب “الكيرسيتين”، وهو مادة كيميائية تنتمي إلى مجموعة الفلافونويد المضادة للأكسدة، والمعروفة أيضا بقدرتها على تسريع عملية الأيض في الجسم، ما يؤدي إلى حرق كميات أكبر من الدهون، مما يعني أنه يمكن استخدام البصل في خفض وزن الجسم.
وكشفت دراسة أجراها باحثون بريطانيون من معهد الأبحاث الغذائية، أن مكون “الكيرسيتين” يتعرض إلى عملية التمثيل الغذائي السريع في الأمعاء والكبد، ومن ثم، لا يعثر له على أثر في الدم البشري.
وبناء على نتائج الأبحاث السابقة، ركز فريق البحث على المكونات التي تدخل إلى مجرى الدم في الجسم بعد ابتلاع الجسم “للكيرسيتين” وامتصاصه ومن ثم خضوعه إلى عملية التمثيل الغذائي السريع.
واستخدمت المكونات، في كتل مركزة شبيهة بالكتل المركزة التي تنتج بعد الهضم، لمعالجة خلايا مأخوذة من أغطية الأوعية الدموية.
ويقول الدكتور بول كرون، “إننا اختبرنا المكونات التي يعثر عليها في الدم بدل اختبار ‘الفلافونويد’ في الطعام قبل أكله، لأن هذه المكونات هي التي تتصل بالأنسجة البشرية وتؤثر على صحة الشرايين“.
وأضاف أن “التأثير يكون أكثر دقة عند عقد مقارنة مع التجارب المعملية التي تستخدم المكون الأصلي، غير أن المواد الناشئة عن عملية التمثيل الغذائي السريع تحتفظ بتأثيرها على الخلايا التي تغطي الأوعية الدموية”. وخلص الباحثون إلى أنه في حال حدوث عملية التهابية، فإن امتصاص الجسم كمية أقل من المكونات بابتلاع الجسم ما بين 100 و200 غرام من البصل، تحدث في الواقع تأثيرا أكبر.
وثبت علميا أيضا أن تناول البصل باستمرار يمنع هشاشة العظام، وخصوصا بالنسبة إلى النساء المسنات، وتكمن أهمية هذا الكشف العلمي الجديد في أنه برهن لأول مرة وبالدليل العلمي على ما يعرفه الناس منذ القديم عن مزايا وقدرات البصل المتعددة في مكافحة ترقق العظام. وكما هو الحال في معظم الأمراض، فإن الوقاية خير من العلاج، وللوقاية من هشاشة العظام، ينصح الخبراء بإدراج البصل ضمن النظام الغذائي اليومي من أجل إبطاء التراجع الطبيعي للعضلات والعظام الذي يحدث نتيجة التقدم في العمر.
ووجد باحثون أستراليون أن المركب الطبيعي المعروف باسم “جى.بي.سي.أس” والموجود في البصل يمكن أن يساهم في تقوية العظام ويقلل خطر إصابتها بالترقق والهشاشة.
ومرض هشاشة العظام منتشر بين النساء في حدود سن الخمسين عموما، وتضاعف الإصابة به خطر تعرض عظام الجسم للكسر المتكرر في ما بعد.
ويعكف العلماء منذ زمن على اكتشاف مواد قد تساعد النساء في الحفاظ على متانة عظامهن بعد تقدم العمر.
ولاحظ الباحثون بعد عزل مجموعة من خلايا العظم من فئران مولودة حديثا، وتعريضها لهرمون “باراثايرويد” المنشط لخسارة العظام، ثم تعريض بعضها لمركب “جى.بي.سي.أس” أن هذا المركب منع فقدان المعادن العظمية بصورة كبيرة وخصوصا الكالسيوم، عند مقارنتها مع الخلايا التي لم تتعرض له.

وتعد هذه النتائج سندا قويا للمزاعم حول الفوائد الصحية للبصل، ومع ذلك، كان البعض من الخبراء أكثر حذرا، بسبب الاختلاف الكبير بين البشر والقوارض. إذ يمكن على سبيل المثال تطبيق نظام غذائي كامل مع الفئران لاختبار فرضية معينة، ولكن هذا لا يعني أن هذا النظام سيعطي نفس النتائج على البشر.
ويبدو أن الأبحاث ما زالت في مراحلها المبكرة وهناك حاجة إلى إجراء المزيد من التجارب والدراسات للكشف عن مدى تأثير ذلك المركب البروتيني على البشر وكمية البصل اللازمة للحصول على الفوائد الوقائية المرجوة على صحة العظام، وتحديد آلية عمل مركبات البصل في المحافظة على سلامة الخلايا العظمية.
وينتمي البصل إلى الفصيلة الثومية المعروفة بالمركبات القوية المحتوية على الكبريت والمسؤولة عن الرائحة النفاذة والعديد من الآثار الصحية.
ويحذر عدد من الأخصائيين من مركب الكبريت الذي يمكن أن يسبب في التهاب القولون المزمن والتهاب الجلد المعروف باسم “درماتايتس”، لأنه يدمر البكتريا الطبيعية الموجودة في جدار المعدة.
وقال جايا هنري أخصائي التغذية في جامعة أوكسفورد بروكس في مدينة أكسفورد في بريطانيا، إن كمية الطعام التي يتم هضمها مهمة في تسبب الإصابة بالحساسية أو بأي رد فعل مرضي في الجسم.