الاحتقان في الجزائر يولّد صراعا بين السلطات الثلاث

الجزائر – تمادى الاحتقان السياسي والاجتماعي في الجزائر ووصلت حدته إلى حصول صراع بين السلطات الثلاث رفضا لتغوّل أي منها على حساب الأخرى قبل فترة قليلة من إجراء الانتخابات الرئاسية في البلاد المقررة يوم 12 ديسمبر القادم.
ونتجت خلافات حادة بين السلطات الثلاث (تنفيذية، تشريعية وقضائية) حول صدور قرارات متزامنة عن وزارة العدل والبرلمان والمجلس الأعلى للقضاء.
وتجلت الخلافات أساسا في رفض البرلمان الاستجابة لمطلب السلطة القضائية بالامتناع عن رفع الحصانة عن عضوين ملاحقين بشبهة الفساد، وكذلك في رفض السلطة القضائية (القضاة) إجراءات السلطة التنفيذية (وزير العدل) بشأن الحركة التي جرت في سلك القضاة. وترفض كل سلطة في الجزائر الانصياع لسلطة أخرى، في فترة تعيش فيها البلاد على وقع حراك شعبي مهدّد بالتصعيد عشية إحياء ذكرى ثورة التحرير المصادف للفاتح من شهر نوفمبر.
واصطدم قرار السلطة التنفيذية، ممثلة في وزارة العدل، بإجراء حركة في سلك القضاة، بإضراب غير مسبوق للقضاة، احتجاجا على ما اعتبروه سعيا للمس من استقلالية القضاء وتطويعه لها. ولم تعد تحركات القضاة مجرد احتجاج قوي ضد حركة تغييرات شملتهم، بل أصبحت معركة دفاع عن استقلالية القضاء بعدما أكدت وزارة العدل مراجعة النصوص المنظمة لعلاقة السلطة القضائية بالسلطة التنفيذية لتهيمن الأخيرة على القضاء.
قرار البرلمان الجزائري برفض مطلب رفع الحصانة عن عضوين متهمين بارتكاب جرائم فساد يثير جدلا واسعا
وتتلاءم مطالب القضاة مع المطالب السياسية المرفوعة من طرف الشارع الجزائري منذ بداية الحراك الشعبي في فبراير الماضي.
وبات من الصعب العزل بين ماهو قانوني في إضراب القضاة وبين التطورات السياسية المتسارعة في البلاد، خاصة بعد التصريحات الصادرة عن بعض القياديين في النقابة، حيث أكد رئيسها في تصريح للصحافيين، أن “القضاة لا يمكن إلا أن يكونوا في خندق الشعب”، في إشارة إلى دعم النقابة للحراك الشعبي ودعم مطالبه السياسية.
وكانت وزارة العدل قد أعلنت في بحر الأسبوع الماضي، عن حركة تحويلات وتغييرات داخلية مست ثلاثة آلاف قاض، وهو ما يعادل نصف تعداد القطاع، الأمر الذي أثار غضب المعنيين، واعتبرته النقابة في أول بيان لها “قرارا غير شرعي وغير قانوني، ولا يتواءم مع التدابير الناظمة للقطاع”.
وسجل شلل تام في محكمتي سيدي امحمد وبئر مراد رايس بالعاصمة، وفي مختلف المؤسسات القضائية في مختلف ربوع البلاد.
وتتزامن معركة السلطة القضائية (القضاة) مع السلطة التنفيذية (وزارة العدل)، مع صراع جديد اندلع بين السلطتين التشريعية والقضائية بعد أن رفضت الغرفة الثانية للبرلمان (مجلس الأمة)، طلب القضاء لرفع الحصانة النيابية عن العضوين علي طالبي وأحمد أوراغي المنتميين إلى حزب التجمع الوطني الديمقراطي، المحسوب على نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
ورأى مراقبون أن قرار رفض رفع الحصانة بمثابة تمرد للسلطة التشريعية على السلطة القضائية وخطوة لمواصلة حماية برلمانيين متهمين في قضايا تتعلق بارتكاب جرائم فساد.
ويشترك القضاة وأعضاء الحراك الشعبي في مطلب الفصل بين السلطات القضائية والتنفيذية رغم توجيه انتقادات للسلطة القضائية بتأخرها في الانضمام إلى الحراك الشعبي والخضوع لإرادة السلطة في سجن العشرات من المعارضين السياسيين والنشطاء.
وفي خضم الصراع بين السلطتين القضائية والتنفيذية، تصر وزارة العدل على تنفيذ حركة التغييرات، في المقابل يتمسك القضاة بإلغائها.
وتزامن صراع السلطات الثلاث (تنفيذية، تشريعية وقضائية)، مع حالة تعبئة قوية في الشارع الجزائري، لتصعيد الاحتجاجات ضد السلطة، وتوظيف رمزية الاحتفاء بذكرى انطلاق ثورة التحرير المصادف للفاتح من نوفمبر، في تنظيم اضرابات شاملة ومسيرات شعبية حاشدة، وهو ما استبقته الحكومة باجراءات التضييق على العاصمة وتكثيف الحواجز والانتشار الأمني في تخومها، والتقليص من تدفق الإنترنت، وتوقيف حركة النقل العمومي، لمنع دخول الوافدين إلى العاصمة.
ولم يفوت قائد أركان الجيش فرصة تفقده لقيادة القوات الجوية بالعاصمة، للتأكيد أن المسار الانتخابي هو المخرج الوحيد للأزمة السياسية في البلاد، وأن الاستحقاق الرئاسي سيجرى في موعده المحدد، وأن الرئيس القادم هو الذي سيستكمل مسار تجسيد مطالب الشعب.
وقال “السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات وجدت وتجد اليوم وستجد مستقبلا كافة أشكال الدعم من قبل جميع مؤسسات الدولة، كما ستحظى بالمرافقة الدائمة من قبل الجيش الوطني الشعبي والأحرار وأخيار أبناء الشعب، وإن الجيش سيرافق الشعب إلى غاية إجراء الانتخابات الرئاسية”.
وأضاف “الشباب بلغ درجة عالية من الوعي، وهو مصمم على الذهاب إلى إجراء الانتخابات الرئاسية، مفشلا بذلك مخططات العصابة وأذنابها الذين تعودوا على الابتزاز السياسي من خلال أبواق ناعقة تستغل بعض المنابر الإعلامية المغرضة”.