عمليات منظمة لإسكات الإعلام العراقي لا تردعها المطالب بحماية الصحافة

النقابة الوطنية للصحافيين تؤكد أن حرية العمل الإعلامي تواجه خطرا كبيرا بعد حملة الاعتداءات بحق الإعلاميين والقنوات خلال تغطية التظاهرات.
الثلاثاء 2019/10/08
الهاتف يفي بالغرض

بغداد - أثارت سلسلة هجمات وتهديدات طالت وسائل إعلام عدة في العراق، قلق الأمم المتحدة وصحافيين وناشطين، يطالبون الحكومة بمنع “إسكات” الإعلام الذي يقوم بتغطية الاحتجاجات، خصوصا أنه من المرجح أن تستمر الهجمة غير المسبوقة على وسائل الإعلام، رغم دعوات الرئيس العراقي برهم صالح إلى التحقيق فيها.

وعززت عمليات الاقتحام التي وقعت نهاية الأسبوع لمقر قنوات محلية وعربية، المخاوف حيال حرية التعبير التي طالها أولا إقدام السلطات على حجب الإنترنت تماما، بعد انطلاق حركة احتجاجية مناهضة للحكومة في العاصمة بغداد ومدن جنوبية عدة.

ودعا الرئيس العراقي برهم صالح إلى التحقيق في استهداف مسلحين مجهولين لمكاتب وسائل إعلام، في الأيام الماضية، خلال اجتماعه، الأحد، مع رئيس مجلس النواب (البرلمان) محمد الحلبوسي ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان.

وبحث الاجتماع “ملف مكافحة الفساد وحماية الإعلاميين”.

ومساء السبت، تعرضت قنوات “أن.آر.تي” الناطقة بالعربية ومقرها الرئيسي في إقليم كردستان العراق، وقناة العربية السعودية، وقناة دجلة المحلية لعمليات اقتحام من قبل مجهولين، بحسب ما أعلن كل منها في بيان.

وأشارت قناة “أن.آر.تي” إلى أن مسلحين أقدموا على تحطيم المعدات، ما دفع بها إلى إيقاف البث مؤقتا، كما استحوذوا على هواتف الموظفين.

من جهتها، نشرت قناة “العربية” مقطعا مصورا بكاميرا المراقبة يظهر نحو 12 رجلا يرتدون زيا عسكريا وخوذات، يقتحمون مكتبها في بغداد ويخلعون الشاشات عن الجدران إضافة إلى عمليات تخريب.

ولفتت “العربية” إلى أنها تلقت “ضمانات” من مكتب رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي بالتحقيق في الحادث.

وفي هذا الإطار، قالت الممثلة الأممية في العراق هينيس-بلاسخارت إنها “صدمت من التخريب/ الترهيب الذي قام به مسلحون ملثمون”. وأضافت أن “المطلوب جهود حكومية لحماية الصحافيين. الإعلام الحر أفضل ضمانة للديمقراطية القوية”.

زياد العجيلي: هذه المرة الأولى التي نشهد فيها محاولات مماثلة لترهيب الإعلام
زياد العجيلي: هذه المرة الأولى التي نشهد فيها محاولات مماثلة لترهيب الإعلام

وصرح مصدر أمني لوكالة فرانس برس بأن قناة محلية أخرى، “النهرين”، قد تمت مداهمة مقرها وتدمير معداتها، إضافة إلى تلقي قناتي “هنا بغداد” و”الرشيد” لتهديدات.

وقال صحافي في قناة الرشيد التي غطت التظاهرات عن كثب واتهمت القوات الأمنية باستخدام العنف بشكل عشوائي، “تلقينا تهديدات مباشرة بشأن تغطيتنا للاحتجاجات”.

وأضاف الصحافي الذي طلب عدم كشف هويته “لقد أخبرونا، إما أن تغيروا خط التحرير الخاص بكم، وإما سيكون مصيركم مماثلا لأن.آر.تي والبقية (…) لذلك فضلنا الحد من تغطيتنا”.

وعلى مدار الأسبوع الماضي، أبلغ مدوّنون وناشطون في مناطق بجنوب البلاد أيضا عن تلقي رسائل نصية ومكالمات هاتفية تهددهم وأسرهم.

وقال مازن علوان من قناة “دجلة” للاتحاد الوطني للصحافيين العراقيين في ثاني أيام الاحتجاجات إن “تغطية الاحتجاجات صعبة جدا، ومختلفة عن التغطية المعتادة للأحداث، لأن كل ما يطرأ على المتظاهرين تتعرض له الفرق الإعلامية”.

وانتقدت منظمة “مراسلون بلا حدود” القيود التي تفرضها قوات الأمن على الصحافيين باعتبارها “تقييدا غير متناسب وغير مبرر للحق في الإعلام”.

وقالت رئيسة مكتب الشرق الأوسط للمنظمة صابرينا بنوي، “بدلا من حظر جميع الأنشطة الصحافية، يقع على عاتق القوات الأمنية والسلطات المحلية واجب ضمان سلامة الصحافيين حتى يتمكنوا من إنجاز تقاريرهم”.

من جهته، اعتبر رئيس مرصد الحريات الصحافية زياد العجيلي إن هذه هي المرة الأولى التي “نشهد فيها محاولات مماثلة لترهيب” وسائل الإعلام.

وقال العجيلي “هذه عمليات منظمة لإسكات الإعلام، وقائمة على تخطيط مسبق، وهو العمل الأساسي لقمع المتظاهرين. وبالطبع منع الإنترنت هو جزء من ذلك”. وحذر من أن هناك “تخوفا من اعتداءات أخرى”.

ويحتل العراق المرتبة 156 من بين 180 دولة على لائحة “مراسلون بلا حدود” لمؤشر حرية الصحافة في العالم للعام 2019.

وانطلقت موجة الاحتجاجات الثلاثاء من الأسبوع الماضي في العاصمة بغداد ومدن جنوبية عدة، طالب فيها المتظاهرون، وغالبيتهم من الشباب، بمحاكمة الفاسدين وتوفير فرص عمل، بعد دعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي اليوم التالي، قيدت السلطات إمكانية الوصول إلى مواقع التواصل، خصوصا فيسبوك وإنستغرام، قبل حجب الوصول إلى شبكة الإنترنت بشكل كامل في جميع أنحاء العراق، ما عدا الشمال.

واعتبر المتظاهرون تلك الخطوة محاولة لمنعهم من نشر صور وفيديوهات، للاحتجاجات التي أسفرت حسب إحصائيات رسمية، عن مقتل أكثر من مئة شخص بينهم رجال أمن.

من جهتها، أكدت النقابة الوطنية للصحافيين الاثنين أن العمل الإعلامي يواجه خطرا كبيرا في العراق، موضحة أن وحدة رصد النقابة وثقت جملة من الاعتداءات على الصحافيين والمقار الإعلامية ومصادرة معدات وأجهزة تصوير وهواتف.

وأكدت النقابة أن حرية التعبير وحرية العمل الإعلامي تواجهان خطرا كبيرا في العراق بعد حملة الاعتداءات الأخيرة التي تعرض لها الإعلاميون والقنوات خلال تغطية التظاهرات، وتطالب المنظمات الدولية المعنية بحقوق الصحافيين وحرية التعبير بالتدخل من أجل إنهاء الانتهاكات المتكررة للحريات في العراق.

18