"لوحات الشارع" معرض مفتوح على المارة

موضوعات ما رسم على الجدران في مهرجان "لوحات الشارع" بالرباط، اتّسمت بنوع من الواقعية والمشاركة الوجدانية وبدا التداخل بين فن الغرافيتي وفنون الرابرز جليا.
الجمعة 2019/10/04
رسومات تتحرك بالتتابع مع خطوات المارة

تحوّلت جدران العاصمة المغربية الرباط إلى معارض تتحرّك رسوماتها بالتتابع مع خطوات المارّة، الذين تشغلهم الحياة ومشاغلها وصعوباتها عن الاستمتاع برؤية ما يبدعه الفنانون التشكيليون من جمال في معارضهم وسط المدينة، حيث أصبح فن الغرافيتي معرضا مفتوحا بشكل دائم لمن يعيش وسط المدينة أو على هامشها.

الرباط- لم تعد وظيفة فن الغرافيتي في المغرب محصورة برسومات “الألتراس” (مشجو كرة القدم المتعصبون) وما يخطه بعض العابثين على الجدران من عبارات خادشة للحياء أو كتابة الشتائم والتعريض بالآخرين، فقد أقيم مؤخرا بالرباط مهرجان تحت عنوان “لوحات الشارع” تم فيها رسم إحدى عشرة لوحة غرافيتي على جدار مواز لشارع أحمد رضا أكديرة وسط العاصمة المغربية من قبل أحد عشر فنانا مغربيا وأجنبيا ذكّرت المارّة بهذا الشارع بفنون “الرابرز”. فليس غريبا أن تعود أصداء موسيقى الهيب هوب لذاكرة المارّة، وهم يراقبون فناني الغرافيتي يرسمون بالفرشاة والرول كولر والبخاخات لوحاتهم.

والمهرجان الجديد للوحات الشارع بالرباط أشرفت عليه، المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية المغربية، ونفّذه رسامون، من المغرب وهم: حسناء لحجر، المهدي الزموري، غالب الطيب، بكر بنعويس، ووقّع الباقون جدارياتهم بأسماء شهرتهم: حباري، دينام، مشيمة، عمرو، نداوة، ديمام ودانا من كندا.

ومرأى الأصباغ وهي تلطّخ صدريات الفنانين وسراويلهم وكذلك الأرصفة، علاوة على الفرشاة التي تصنع وجوها ملوّنة، يفكّكون من خلالها فنون الفلكلور المغربي والخيال الشعبي، ذلك ما تلاحظه من خلال رسمهم الغرافيتي لحيوانات ضخمة وسراويل طائرة وسيارات ألعاب أطفال متصادمة ومقاطع كرتونية وتراث معماريّ يزيل وحشة الجدران وقساوة الأسمنت بامتداده الطويل وزواياه الحادّة.

اشتباك الأصابع

الجمع بين الفلكلور والخيال
الجمع بين الفلكلور والخيال

اتّسمت موضوعات ما رسم على جدار شارع أحمد رضا أكديرة، بنوع من الواقعية والمشاركة الوجدانية، حيث اهتم الرسام دينام، مثلا، برسم غرافيتي عن اشتباك الأصابع لكفّيْ عاشقين، واتسم رسمه بذلك الشوق الكامن في نفوس العاشقين بالاتّصال البدني لتبادل حرارة الشوق من خلال اشتباك أصابع الكفَّين. رسمها الفنان باللون الرصاصي المائل للسواد، وحرّك فرشاته بأناة، كأنما يحضّر أرواحا ذائبة في العشق، من خلال رسم أنامل نحيفة تنساب فوق بعضها بحركة حانية. ليؤكد من خلالها استحالة الارتواء من مسِّ أصابع المحبين، لما في النفوس العاشقة من شوق للالتحام خطوطها، لتغدو كفا واحدة بعشرة أصابع.

أما حسناء لحجر فقد رسمت السمكة السحريّة، التي تتمنى كل فتاة أن تكونها في أحلامها، بأصدافها الفضية المشوبة بالزرقة الفيروزيّة، يلتفّ حول جسدها الناعم بقوة جسد ضخم ممتد لفرس البحر، ولا تسمح قبضته لها إلاّ بطلّة سعيدة على العالم، وكأنها متواطئة مع فرس البحر الذي يقيّد حركتها.

والفنانة دأبت في الكثير من لوحاتها السابقة على رسم الملابس الفلكلورية المغربية، وكأنها ترسم على الزجاج، وموضوعاتها مبهجة ومعظمها عن علاقة الذكر بالأنثى. وهي تخلط في رسمها الغرافيتي بين فن الكولاج واللصق والأكريليك.

وقدّمت الفنانة نداوة رسما تجريديا، من خلال لوحة جدارية جعلت الرائي يتخيّل ما يراه بأي شكل يتوافق مع حالته النفسية. خطوطها البيضاء المتموّجة ذكّرت بزبد البحر، وموجات الأطلسي الهائلة وهي تغمر الساحل برغوة ضخمة تكاد أن تكون بديلا للموجات الزرقاء الهادرة، قبل أن تتحوّل عند الساحل إلى رغوات متبدّدة. أو هي ربما تمثّل أيضا غيوما متداخلة أحداها تدفع الأخرى مثل قطيع الخراف المسرع إلى زريبته.

رقصة "الرابرز"

استخدم الفنان غالب الطيب عين الكاميرا كما في التصوير الفوتوغرافي، ليرسم بورتريها لوجه غير مكتمل، يستطيع الرائي أن يوصل الفجوات غير الملوَّنة للبورتريه، بين العينين والأنف والفم والجبهة. ويعيد صياغة الوجه ليكتمل، كما يفعل المصوّر الفوتوغرافي وهو يُظهر الصورة في مظهرها الكيميائي، جزءا جزءا، بحركة متوالية في إغراق الصورة في السائل.
والطيّب هنا، يُذكّر بأول فنانيْن رسما الغرافيتي، ليكلينوس وفريدي في معرضهما الريادي بروما في العام 1979 واللذين أبدعا في رسم الوجوه غير المكتملة. وهو ما يفعله الفنان المغربي الذي يجعل المارّ على شارع أحمد رضا أكديرة ملهوفا لظهور وجه البورتريه مكتملا، لكنه يبقيه وجها ناقصا في طور الظهور غير المرئي ليكمل تفاصيله خيال المارّين.

وظيفة فن الغرافيتي بالمغرب لم تعد محصورة بالرسومات الخادشة للحياء، لتتجاوزها إلى فن جمالي يزيّن شوارع العاصمة المغربية

وتميّزت جدارية المهدي الزموري بتحويل أشكاله إلى قصص مرئية يكملها الخيال بقصص أخرى مستلهمة من عالم الكرتون وأفلامه، مذكّرا بما تمتلكه تلك الأفلام من قوة خيال وابتكارات للطفل وعوالمه، ويبدو تأثر الزموري بفنيْ الكوميكس والكاريكاتير واضحا في رسوماته.

والفنان الذي وُلد بمدينة مكناس، انعكس تراث المدينة القديمة بتراثها وألوان معمارها في ما أنجزه من رسم غرافيتي. فلوحة الجدار التي رسمها نقلت ما نلاحظه في الصناعات التراثية خصوصا الزربية المغربية ومناديل الرأس التي تضعها نساء منطقة الأطلس، مع إبرازه لتعدّد الألوان والأشكال الهندسية من دوائر ومنحنيات وخطوط مستقيمة.

وفن الغرافيتي اقترن منذ بداية ظهوره بموسيقى الهيب هوب الراقصة، التي كانت تعبيرا منذ ستينات القرن الماضي بتجسيد صوتي وموسيقي لغضب الشباب السود، ورفضهم لأوضاعهم السيئة في الولايات المتحدة. وكانت وقتها وسيلة لتعبير “الرابرز” الراقصين المبتهجين بالحياة والحالمين بالحرية.

وهذا التداخل بين فن الغرافيتي وفنون الرابرز بدا جليا في مهرجان “لوحات الشارع” بالرباط، حيث تفاعل بعض المارّة بالرقص مع ما يشاهدونه من لطخات الأصباغ التي يضعها كل فنان على جداريته، فتراهم يرقصون على وقع موسيقى الهيب هوب المتخيّلة من قبلهم. في حين يقوم أصدقاؤهم بتسجيل رقصاتهم في فيديوهات عبر هواتفهم الذكية، ممّا يعني أنهم سيقومون ببثها لاحقا في مواقع التواصل الاجتماعي، ناقلين إلى الأهل والأصدقاء حالة الفرح التي شعروا بها وهم يتطلعون إلى رسومات الجدار الراقص.

17