الدمشقي حسام تحسين بك فنان ينزع الأقنعة عن وجه الحاضر

الفنان حسام تحسين بك يترك ضجيج الحياة، ليرحل نحو سكون العزلة والجنون، ليكون بطلا في أول كتاب يألّفه حسام تحسين بك في عمره الفني الطويل.
الجمعة 2019/09/27
فنان صادق ومغامر

يجمع الفنان السوري حسام تحسين بك بين مواهب عديدة، فهو مؤلف موسيقي وممثل وأيضا هو كاتب، إذ قدم أخيرا كتابا ضخ فيه تجربة حياته ورؤاه حول الإنسان اليوم والعلاقات المتداخلة، والتي لا يحركها غير الزيف.

دمشق- أبوديب رجل صادق ذئبا وأنسنه، عاش غريبا وحيدا. يقول “بقيت في مكاني شاردا وأنا أعلم أني وسط خيال الجنون، وأن كل ما جرى ويجري لي هو جنون سكنني بعد أن انعزلت عن البشر، ولكني أحب هذا الجنون وأريد أن أبقى فيه ولا أريد مغادرته، لأن الجنون ملعبه شاسع وليس له حدود وتستطيع أن تسافر فيه متى شئت إلى أي فكرة أو مكان تريده، سوف أعيشه وأتمسك به طالما أعطاني السعادة التي فقدتها بين بشر الماضي الذين كنت أعيش معهم”.

يترك أبوديب ضجيج الحياة، ليرحل نحو سكون العزلة والجنون، ليكون بطلا في أول كتاب يألّفه حسام تحسين بك في عمره الفني الطويل.

فنان متعدد

حسام تحسين بك قامة فنية سورية تعيش في وجدان السوريين والعرب من حيث يعلمون ولا يعلمون، راقص ثم مدرب لفنون الرقص الشعبي في فرقة أمية الشهيرة، فممثل مع دريد لحام في معظم أعماله، لكنه قبل هذا وبعده مؤلف موسيقي ومغن، ألف العديد من الأغاني التي لا يعلم كثيرون أنها من إبداعه، رغم أنه كما يقول عن نفسه “أنا أميّ في الموسيقى”.

إيغال في عمق الإنسان
إيغال في عمق الإنسان

حسام تحسين بك، رغم تأليفه لمجموعة من الأغاني التي صارت جزءا من التراث الشعبي السوري، لم يدرس الموسيقى ولا يعرف العزف على أي آلة ولا التدوين ولا علم المقامات الموسيقية، لكنه ينتج موسيقى عفوية عميقة جميلة صادقة تعيش في القلب. ألف منذ سنوات بعيدة أغنية “أنا هويتك” لفهد بلان و“جايتني مخباية” لموفق بهجت، كما قدم أغنيته الخالدة “ناتالي” وكذلك أغنية “يا خالي” التي غناها مصطفى نصري ثم ابنته أصالة نصري، والأغنية الشهيرة “غزالة” التي قدمتها فرقة “بندلي” اللبنانية، وقبل كل هذا وضع ترنيمة موسيقية وطنية يرددها كل السوريين “لولو لو لو لالي، الله محي شوارعك يا بلادنا المعمورة” ثم الأغنية الشهيرة “لالي لالي يا علمنا لالي بالعالي”.

حديثا، كتب في الدراما مسلسله “الكندوش”، المؤلف من ستين حلقة تلفزيونية، وبعده يقدم مؤلفا جديدا على شكل كتاب، فيه ما يتقاطع مع السيرة الذاتية في حالة افتراضية حمل عنوان “سكان هذا الزمان” الذي صدر عن دار “سوريانا” في دمشق، وقد قام الفنان تحسين بك بتوقيع نسخ للزوار في اليوم الثاني ضمن فعاليات معرض الكتاب العربي بدمشق الذي انتهى منذ أيام.

الحياة مع ذئب

في حديثه لـ“العرب” يقول حسام تحسين بك عن كتابه الأخير “بعد مضي سنين طويلة من العمر يكون الإنسان أمام حالة عميقة من الإحساس بالتغير، وبالقدرة على مشاهدة الأمور بصورة أكثر جلاء وعمقا من الماضي، فيصير المرء بحاجة إلى وقفة مع ذاته يسترجع فيها وجوها وقصصا كثيرة. للأسف، سيكتشف أن كثيرا من الوجوه التي عرفها وكانت محيطة به ما هي إلا أقنعة كانت تحيط به على مدار الوقت تخفي الكذب والرياء، لذلك كان الغلاف على الكتاب متماشيا مع هذه الفكرة”.

ويلفت بك إلى أنه في الكتاب سيرة لشخص عاش فترة طويلة من حياته، ثم قرر أن يتغير من الجوهر، فترك المدينة، وكل ما يملك فيها وذهب ليسكن في مكان ناء في الساحل، حيث تقلّ زحمة الناس ويكون جمال الطبيعة أكبر، هناك يشتري بيتا منعزلا من رجل رفض أبناؤه البقاء فيه ورحلوا إلى المدينة، ليعيش فيه وحيدا، رمّمه من الخراب الذي كان فيه، ليكتشف بعد فترة بسيطة أن جارا له في المكان سيكون أنيسه ورفيقه، وهو ذئب يعيش في المكان. يترك له طعاما، فيأكله الذئب بهدوء ويرحل، وفي اليوم الثاني يترك له الطعام على مسافة أقرب للبيت، فيأكله بهدوء ويرحل، ومع تتالي الأيام يصير الذئب وليفه، يدخل معه البيت ويشاركه أدق تفاصيل حياته. وفي أحد الأيام وحينما يقرر الرجل العودة إلى المدينة بعد أن نفد ماله، يمنعه الذئب، ويذهب به إلى مكان، ينبش فيه الأرض، فيحفر الرجل الأرض ليستخرج منها صندوقا فيه مال وسلاح ورسالة من مالك البيت السابق، وفي الرسالة يخاطب أبناءه بأنه فعل المستحيل لكي يجمعهم معا في بيته، لكنه فشل في ذلك، وها هو يموت ويترك المال والسلاح والرسالة للمالك الجديد عسى أن يتمكن من جمعهم.

في الكتاب سيرة لشخص عاش فترة طويلة من حياته، ثم قرر أن يتغير من الجوهر، فترك المدينة واستقر في الريف

هنا، يعي الرجل الذي صار اسمه “أبوديب” السبب الذي جعل البيت خرابا عندما جاء لزيارة البيت أول مرة، فالأبناء الثلاثة كانوا هنا ليبحثوا عن المال، فيشعر أنه لا بد من إخبارهم بأمر المال والرسالة، لكن حوارا مع الذئب يقنعه بأن يلغي الفكرة، بيد أنه بقي يخشى أن يتم اتهامه بأنه من قام بقتل الرجل المسن وسرقة ماله. وبعد فترة من الزمن يتعرف على صبية حسناء سمراء تسكن في الجوار، كانت تأتي إليه كل حين لتقوم على رعاية شؤون بيته، لكنه كان في كل مرة ينساها لتذكّره بنفسها، ولتكون نهايته المأساوية منعزلا وحيدا، يعيش في منطقة تزواج فيها الحقيقة والخيال، فصارت فضاء للعبث.

في كتابه “سكان هذا الزمن” إيغال في عمق الإنسان، في حقيقة صدقه تجاه الأشخاص المحيطين به، وفيه تورية إلى أن الإنسان قد يكون أصدق من الوحش. كون الأول يراوغ ويكذب بالشر الذي يخفيه، في حين يكون الوحش واضحا في قراره باستعداء شخص ما .

14