كيف نسيطر على خيارات أبنائنا وسط الضجيج الإعلامي

يتساءل متخصصون عن أفضل الوسائل التي يمكن أن يتبعها الأهل، لحماية الأبناء من الإفراط في التعرض إلى وسائط التقنية المتعددة؛ نوافذ التواصل الاجتماعي، مواقع الإنترنت، ألعاب الفيديو، الهواتف الذكية، الأفلام وغيرها الكثير من وسائل العصر الحديث المخصص أغلبها للتسلية وتمضية أوقات الفراغ.
هذه المهمة ليست سهلة؛ أن يكون المرء مسؤولا عن تنشئة أولاد وبنات وسط كل هذا الضجيج التقني، وهو مطالب في كل لحظة بتوخي الحذر والمتابعة والتنبه وتشديد المراقبة والإنذار، ثم التقاط أي إشارة نفسية أو شكوى جسدية في الوقت المناسب وقبل أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة، من دون أن يستطيع هو نفسه حماية نفسه من تنمر هذه التقنية واقتحامها الملحّ كل النوافذ الممكنة في حياته، في العمل والمنزل.
في تجارب بعيدة زمنيا، تعرض هؤلاء الآباء في طفولتهم أو شبابهم المبكر إلى محتويات إعلامية مشابهة، وإن لم تكن في مستوى التطور التقني الموجود في أيامنا هذه، وكان عليهم أن يخضعوا لمحاذير ومحددات فرضها آباؤهم للتعامل مع أوقات استخدام محتويات الشاشة الصغيرة، السينما وحتى ألعاب الفيديو البسيطة. فهل حقق آباء اليوم فائدة من تلك التجارب البعيدة وهل صار عليهم أن يستعينوا بنصائح الأهل والقيود التي فرضوها عليهم، وكيف يجدون أحكامها وتداعيتها أو سلبياتها وإيجابياتها اليوم؟
يؤكد عالم النفس الأميركي واختصاصي علم النفس الإيجابي، مايك بروكس؛ أن تجارب الطفولة من شأنها أن تسهم في الكيفية التي نتعامل بها مع أبنائنا إذا تعرضنا إلى مواقف مشابهة. ومن خلال عمله كمدير لمركز أوستن لعلم النفس، في مساعدة الآباء والأمهات والأطفال والأسر على أهمية استثمار الفوائد العديدة للتقنية مع تقليل السلبيات إلى أقصى حد ممكن، يرى بروكس أن العودة مجددا إلى الماضي يمكن أن تسهم بشكل ما في اختبار مشاعرنا ومعاناتنا، إن وجدت، بسبب استخدامنا السيء لبعض مصادر المعلومات والتسلية مثل ألعاب الفيديو وبرامج التلفزيون والأفلام التي لم تكن تناسب مرحلتنا العمرية.
ببساطة، يمكننا أن نطرح هذه الأسئلة على أنفسنا: هل شعرنا بالخوف أو الاكتئاب أو القلق بسبب نوع معين من الوسائط التي كنا نستخدمها؟ هل تسبب ذلك في تقويض احترامنا لذواتنا أو إفساد علاقاتنا العاطفية المستقبلية؟ هل تأثرنا سلبا ببعض أنواع السلوك غير المحبب، بسبب تعرضنا لمشاهد مبتذلة؛ مخدرات، عنف، تمرد أو كحول في وسائل الإعلام؟ وهل كان علينا كشباب الانخراط في سلوكيات مشابهة بسبب تأثيرها القوي، وهل ما زال تأثيرها السلبي مسيطرا علينا حتى الآن؟
من شأن هذا النوع من الأسئلة أن يعقد مقارنات حية بين الماضي والحاضر، وهو بالطبع مفيد إلى حد ما في استشفاف التأثير السلبي لمصادر التقنية على حياة أبنائنا في الوقت الحاضر، على الرغم من اختلاف الزمن والتطور المذهل الذي شهدته وسائل التواصل هذه، إضافة إلى اتساع وقت المشاهدة وتراخي بعض أولياء الأمور عن القيام بتحييد بعض المصادر ذات الأثر السيء أو حتى تقييد مواعيد المشاهدة لأبنائهم. وهي من الأخطاء التي وقع فيها جيل آبائهم ربما، إذ أننا لا يمكننا أن نقصر اللوم على آباء الجيل الحالي في الوقت الذي ارتكب فيه أولياء أمورهم أخطاء مشابهة مع وجود ضغوط أقل مقارنة بتأثير التقنية الممتد في عالمنا المعاصر وتسارع وتيرة الحياة اليومية.
يقول بروكس “في الغالب، لم تكن هناك رقابة صارمة على المشاهدة في ما يتعلق بجيلنا هذا، لأن المنتج الرقمي لم يكن متوافرا بشكله الحالي إضافة إلى أن الأهل كانوا يغضون الطرف أحيانا عن المسموح وغير المسموح به وكان التحايل من قبل المراهقين للتهرب من والدين صارمين هو بالذهاب إلى منزل أحد الأصدقاء الذي لا يضع أهله قيودا على مشاهدة الأفلام، أو أن الأهل لم يكونوا بقدر معين من الوعي الذي يجعلهم يحددون أوقات مشاهدة أطفالهم ونوع هذه المشاهدة، إذ لم تكن المخاطر والسلبيات قد تمّ حصرها في ذلك الحين من ناحية الدراسات والتوصيات التي كانت تخرج بها”.
كما أن نسبة تواجد المنتج الإعلامي والرقمي في أيامنا لم يكن بهذه الكثافة والعشوائية في الماضي؛ حيث اقتصرت المصادر حينها على قنوات تلفزيونية محددة وبعض المجلات والصحف الرصينة إضافة إلى عدد قليل من الألعاب الإلكترونية التي تعد بدائية مع بعض الاستثناءات في ما يتعلق باستئجار أفلام الفيديو، مقارنة بما أفرزته التقنية في أيامنا هذه. مع ذلك، لم تترك هذه “الخروقات” في المشاهدة أثرا سيئا على أبناء جيلي وكان الأذى يقتصر على مدة زمنية قصيرة جدا إثر مشاهدة فيلم رعب أو أكشن، لا تستغرق مشاعر الخوف والقلق معها سوى أيام محدودة.
على أن “التعرض” إلى الشاشة من وجهة نظر ثانية مقابلة، تنطوي على إيجابيات كثيرة؛ ليس أفضلها بالتأكيد الحصول على التسلية ومشاركة الأوقات الممتعة مع الأهل والأصدقاء في مشاهدة الأفلام والاستمتاع ببعض ألعاب الفيديو، كذلك إجراء المحادثات في مواقع إلكترونية عدة، مع ما يقدمه الهاتف النقّال من خدمات متعددة للتواصل واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لتبادل المعلومات وإقامة صداقات لا تقل أهمية عن الصداقات والعلاقات الاجتماعية في الواقع، كما أنها أماكن مهمة لمصادر لا متناهية من الكتب والمجلات والصحف والدوريات العالمية، في الوقت الذي بدأ فيه بعض أصحاب الأعمال اعتمادها كمنصات لتعزيز أعمالهم وتوفير منافذ جديدة لتعاملاتهم مع الجمهور.