نوبة هلع

سيدة جميلة في السبعين، منحتني جرعة أمل اليوم بعد أن شاهدتها من نافذة غرفتي وهي تداوم على جولة رياضتها الصباحية، الحياة يجب أن تستمر، هكذا وصلتني الرسالة، على الرغم من أن كبار السن مثلها من بين الفئات المرشحة لتطوير مضاعفات صحية غير محمودة العواقب في مواجهة كوفيد19-.
وبينما استعيد توازني مع خبر جديد يطل على شاشة كمبيوتري، يؤكد أن العمل ما زال متواصلاً لإصدار علاج للفيروس مشتّق من خلطة أدوية تستخدم في العادة لمجابهة فايروسات وأمراض أخرى قاتلة، تطالعني صورة الشاحنات العكسرية الإيطالية التي تنقل جثامين الضحايا من المستشفى إلى مثواهم الأخير.
فاصلة قصيرة بين الخبر الأول والثاني، يتخللها بعض العطاس الذي يرافقني عادة كلما فتحت نافذة الربيع في منزلي؛ الأزهار ربما وبعض أنواع النباتات مصدر جيد لحساسية الربيع لكن الفكرة كانت مرعبة هذه المرة، ماذا لو كانت هذه أعراض الإصابة بالفيروس؟
تحدث مثل هذه الأمور كثيراً بين الناس في الأوقات العصيبة، تبدأ مخيلتهم بنسج الأوهام والتصورات الخاطئة مثل جدة إنجليزية منهمكة في نسج بلوفر لحفيدها لتلحق بموسم الشتاء، لكن شتاء أوهامنا قد حلّ بالفعل هذه الأيام والإشاعات التي تغذي مخاوفنا باتت هي المحرك الأساس لقلقنا، من الخطورة التي يمثلها الهلع على صحتنا وصحة أبنائنا النفسية.
قبل أشهر قليلة تمكن مني القلق، بسبب نتائج فحص ملتبس شكك في إمكانية إصابتي بمرض خطير، وبعد مرور أيام عصيبة كانت فيها نيران الخوف تتغذى جيداً في داخلي، تعمدت خلالها التصرف باستخفاف ظاهر لإخفاء قلقي عن بقية أفراد الأسرة، حالما انتهت الأزمة وظهرت النتيجة سلبية، اطمأن قلبي لكن أعصابي سرعان ما تراخت ثم انهارت مقاومتي وفي لحظة سريعة مباغتة، غبت عن الوعي تماماً لاستيقظ على شعور مزعج بالاختناق فهواء العالم كله لم يكن يكفيني، وبينما كان جسدي ينتفض بصورة غريبة، شعرت بأنني أعدو وكأن هناك وحش مخيف يطاردني يكاد يفتك بي.
بعد أن حضر الطبيب مع سيارة الإسعاف، كانت محاولاته ومعه مساعدته لإعادة الأمور إلى نصابها في جسدي المنتفض محاولات يائسة استمرت قرابة الساعة، وبعد أن استطعت تمييز أصواتهما وسماع النصيحة بدأت بتنظيم تنفسي تدريجياً ثم تباعدت انتفاضات جسدي، مع أن أصابعي لم تكف عن طرق الطاولة التي كنت استند عليها كي أحافظ على جلستي المستقيمة، كانت نوبة الهلع تتلاشى تدريجيا. بعد أن مرّ وقت قصير استغرقت في النوم، وعندما استيقظت صباح اليوم التالي كنت أشعر بالألم المبرّح في جميع أجزاء جسدي وكأني خرجت لتوي من معركة كنت أقاتل فيها بشراسة عدو مبهم، هذه هي رسائل الجسد التي توجهنا أحياناً إلى مكامن الخطر في نفوسنا.
يحاول بعض الناس هذه الأيام التخفيف من وطأة الأحداث والأخبار المزعجة التي ترافقها، فيعملون جهدهم في مخاطبة الأطفال خاصة بصورة حذرة لتجنب إخافتهم، الأطفال لا شأن لهم بأخبار الموت الذي يفرش قلوعه هذه الأيام في فضاء واسع ومفتوح على جميع الاحتمالات.
في جهد واضح، تعاون كاتب ورسام في طباعة كتيب مكون من عدد قليل من الصفحات تداولها مجتمع الأنترنت، يتحدث بكلمات قليلة مفيدة معززة بصورة لطيفة، عن فيروس كوفيد 19 ليتعرف إليه الأطفال بصورة مبسطة بعيدا عن التهويل والتضخيم. تظهر صفحات النشرة الصحية معلومات كاملة عن الفيروس في كلمات قليلة:
“مرحباً ! اسمي فايروس كورونا، أحب السفر والتنقل بين البلدان، والقفز من يد إلى أخرى، هل سمعت بي وما هو شعورك تجاهي؟.. أعلم أن هذا ليس سهلاً ولو كنت مكانك لفعلت نفس الشيء.. لكني سأعرّف عن نفسي؛ عندما أقوم بزيارة أحدهم فأنا احمل معي الحمى والسعال وقليل من ضيق التنفس، لكني لا أبقى كثيراً مع الناس فالجميع سيكونون على ما يرام، لا تقلق.. الكبار الذين يعتنون بك سيعملون على حمايتك وأنت أيضاً تستطيع المساهمة بغسل يديك بالماء والصابون أثناء الغناء وأن تستخدم سائل معقم متى ما كنت خارج المنزل، إن فعلت هذا فلن أزورك مطلقاً، وحتى ينتهي الأطباء من إيجاد لقاح مناسب، سأقوم بالزيارة وإلقاء التحية من حين لآخر من دون أن أتسبب في أذية أحد!”.