القاص السعودي فهد الخليوي: الإنترنت جعل لكل إنسان على كوكب الأرض جريدته الخاصة

الكاتب السعودي يؤكد أن القصة القصيرة جدا فن مستقل ومفخخ، وأن المبدع ليس مؤرخا ولا مؤرشفا لتحولات الواقع الكبرى.
الخميس 2019/02/28
الأدب المكثف يخترق الجمود (لوحة للفنانة غلناز فتحي)

لا حدود للتجريب في الأدب، هذا ما أثبتته وتثبته العديد من الأقلام العربية اليوم، وخاصة في مجال السرد، وفن القصة الذي قد يكون تراجع قرائيا، لا يبتعد عن دائرة التجديد والتجدد المستمرين، خاصة مع ظهور أجناس أخرى من صلبه مثل القصة القصيرة جدا. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الكاتب السعودي فهد الخليوي الذي يعد من أبرز كتاب القصة القصيرة جدا في الخليج العربي.

من خلال مقالاته الصحافية وأعماله القصصية يرصد الكاتب السعودي فهد الخليوي تحولات الواقع السعودي القديمة والجديدة بعناية، فيقدّمها للقارئ على شكل مفارقات تلعب دور الكاشف الاجتماعي لواقع مأزوم بالتفاصيل المتفاوتة.

جنس أدبي

فهد الخليوي: زمن السوشيال ميديا، زمن رائع  أبدعته التكنولوجيا وأحرق كل الأزمنة الورقية
فهد الخليوي: زمن السوشيال ميديا، زمن رائع  أبدعته التكنولوجيا وأحرق كل الأزمنة الورقية

صدرت مؤخرا عن النادي الأدبي الثقافي بجدة مجموعة “مفارقات” لفهد الخليوي، وقد سبق هذا الإصدار إصداران للكاتب، كان أولهما عام 2008، حمل عنوان “رياح وأجراس”، وقد ترجم للغتين الإنكليزية والفرنسية. وكان الثاني في عام 2011 بعنوان “مساء مختلف”. وبين يديه الآن مخطوطة لرواية لم تكتمل فصولها بعد، ولا يدري متى سيمتلك القناعة لإصدارها. ويأتي إصدار المجموعة القصصية له في العدد 225 الذي انطلقت سلسلته الأدبية والثقافية والفكرية من نادي جدة منذ العام 1975 حتى الآن.

بداية يحدثنا الخليوي عن مناخات مجموعته القصصية الجديدة قائلا “تأتي هذه المجموعة ببعض الظروف الكتابية التي دعتني في بادئ الأمر إلى أن أدوّنها في ملحق للمجموعة باعتبارها أشبه بـ‘المرفقات‘، التي تلحّ على كاتبها بعدم فصلها عن العنوان الشاكل وهو ‘مفارقات‘، شخصيا وفنيا وجدتني مضطرا إلى بيان ذلك، وجعله جزءا لا يتجزأ من الإصدار”.

ويضيف “نظرا إلى طبيعة الظروف السابقة للحدث الكتابي، قدّمت ‘المرفق الإلحاقي‘ إلى مكانة التقديم ‘الإلحاحي‘، وتبعا لهذه العملية تحوّرت العنونة، وانتقلت من خانتها السابقة كـ‘مرفقات‘ إلى تقديم يطوي اعتذارا أوليا للقارئ، ثم يتلوه اعتذاران هما، في الأصل، اللذان ألحا عليّ وفرضتهما الظروف على المجموعة ليدخلا ضمن غلاف نصوص مجموعة ‘مفارقات‘”.

وقد تمثّل الاعتذار الأول لمفارقة المكان، في جدة التي احتضنته طفلا، حيث يقول عن ذلك “أليس مفارقة أن نعيش في مكان، ونحرر خلجاتنا في أماكن أخرى؟. هذا ما حدث معي وأنا أقدم هذه المجموعة إلى نادي جدة الأدبي الثقافي، حيث شاءت ظروف إصدار مجموعتي الأولى أن تطبع في نادي حائل الأدبي، ومجموعتي الثانية في نادي الرياض”.

وأما الاعتذار الثاني فكان للقصة القصيرة نفسها. وعن ذلك يقول “هو اعتذار خاص لفن القصة القصيرة جدا تحديدا، هذا الفن المدهش الذي رافقته ورافقني عمرا من التجريب والتحدي والرهان على تكونه واستقلاله على أجناس السرد المختلفة”.

ويتابع في الموضوع نفسه “لم يحدث في مجموعتي السابقتين من تجنيس مستقل للقصة القصيرة، إذ كانت تانك المجموعتان في معظم نصوصهما من جنس ‘القصة القصيرة‘، والقليل منها نصوص قصيرة جدا، رأيت تضمينها في هذه المجموعة الجديدة، أي بتوقيع تجنيسي يضيء ملامح حروفه بـ‘قصص قصيرة جدا‘ إشهارا مني على استقلالية هذا الفن في زمن تواصلي مختلف بسرعته وإيقاعاته عن بقية الأزمنة السابقة، زمن أدبي جديد أقام فنارا لامعا اسمه القصة القصيرة جدا كفن مستقل من فنون السرد، مفخخ بالكثافة والاختزال والمباغتات الوامضة دون توقف”.

عصر جديد

الكاشف الاجتماعي لواقع مأزوم بالتفاصيل المتفاوتة
الكاشف الاجتماعي لواقع مأزوم بالتفاصيل المتفاوتة

عمل الخليوي لأكثر من عشرين عاما في الصحافة الأدبية، وأشرف على القسم الثقافي بمجلة “اقرأ” السعودية لعدة سنوات. وكتب العديد من المقالات الأدبية والنقدية والاجتماعية في مختلف الصحف والمواقع الإلكترونية عالج من خلالها الأسئلة الملحة على الساحة الثقافية في وقتها، مشكلا من خلال ذلك كله وعيا جديدا في ذاكرة الحركة الثقافية في السعودية.

قصص الخليوي تسخر من الواقع، وتفككه، ثم تعيد تركيبه من جديد، إنها أشبه ما تكون بطلقات قاتلة لواقع هو في الأساس ميت، لذا يحرص الخليوي على الإمعان في المفارقة مدركا أن الشاة لا يضرها السلخ بعد ذبحها.

يتكئ الخليوي في مفارقاته على الجرأة في اقتحام مناطق السرد القصصي القصير جدا، وذلك من خلال تشكيله لوحدات قصصية مكثّفة، تتنوع جملها بين الفعلية والاسمية، معتمدا على الحوار أحيانا، وعلى المونولوج في أحايين أخرى عبر توظيفه للرمز والتلميح والاعتماد على الخاتمة ذات الدهشة العالية.

يقول الخليوي متحدثا لـ”العرب”، “أنت أمام واقع هو في الأساس ميت، يحتاج إلى غربلة وتفكيك وروح جديدة ليصبح واقعا حيا وسليما، يعيش البشر في كنفه بحرية واستقرار وسلام”.

يرى الكاتب أن “زمن السوشيال ميديا”، “زمن رائع  أبدعته التكنولوجيا الحديثة وأحرق كل الأزمنة الورقية البائسة، فقد أصبحت لكل إنسان على كوكبنا الإنساني جريدته الخاصة، وأصبح حرا، ينشر فيها ما يشاء على مسؤوليته، وتحت رقابته الذاتية، أما النصوص الحقيقية المؤثرة، سواء كانت أدبية أو اجتماعية أو سياسية فستبقى العامل المهم في صياغة وترسيخ القيم الجديدة المتصالحة مع عصرنا الكبير الذي نعيش فيه، بمعنى أن التدفق الهائل من الأفكار والإبداعات والآراء المبثوثة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع الإلكترونية هو في مجمله ثقافة حقيقية تعبر بواقعية عن تطلعات عصر جديد ومختلف بات سريعا في تحولاته وإنجازاته العلمية والإنسانية العظيمة، وبالتالي هو ثقافة راسخة يستحيل أن تكون عرضة للزوال أو العطب”.

وفي سؤال عن العوالم التي يفترض أن يقتحمها الروائي والقاص السعودي في هذه المرحلة الزمنية الحساسة. يجيب الكاتب “العوالم التي من المفترض أن يقترب منها السارد السعودي كثيرة ومتعددة تطفو على سطح واقعنا بكل بشاعة صورها وهشاشة بنيتها الفكرية، ومن الصعب تفكيكها وتعريتها كما يجب، في ظل سطوة الأعراف والتقاليد الاجتماعية الماضوية السائدة في محيطنا”.

ويؤكد الخليوي في معرض حوارنا معه أنه أصبح من الضروري وجود مظلة تحمي المثقفين والمبدعين في السعودية، وذلك، حسب رأيه، من خلال تأسيس اتحاد يجمع شملهم ويدافع عن حقوقهم، كما فعلت الدول القريبة والبعيدة.

ويشير إلى أن “الصحوة” في السعودية تشكلت من تيار ديني متطرف ظل الشعب السعودي محتجزا في كهوفه المظلمة طيلة نصف قرن، حيث أن المملكة -والكلام للخليوي- كانت قبل الصحوة ونفيرها الهستيري تمتلك حركات تنويرية تحلم ببناء وطن نظيف ومبصر.

وعن رأيه في قدرة المبدعين السعوديين عبر أعمالهم وكتاباتهم على أن يستشرفوا تحولات الواقع السعودي المفصلية الأخيرة مقارنة بتاريخ البلاد القريب. يقول مختتما الحوار “المبدع ليس مؤرخا، ولا مؤرشفا لتحولات الواقع الكبرى حين تشكلها على الأرض، يحتاج إلى وقت طويل من التأمل والتأني لكي يدون تلك التحولات”.

15