القاهرة تستنجد بالتجربة الصينية لتطوير أداء العمالة المحلية

تسعى الحكومة المصرية لفك عقدة العمالة في السوق المحلية عبر الاستعانة بالتجربة الصينية، وبث روح الولاء وتعزيز مهارات العمال، بعد موجات هروب كثيرين من المصانع التي باتت تبحث عن عمالة وطنية، فيما اتجه بعض أصحاب الأعمال إلى استقطاب عمالة من الهند وبنغلاديش للحفاظ على طاقات الإنتاج في المصانع.
القاهرة - وافق مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية المصرية على السماح للشركة الصينية العامة للهندسة الإنشائية بإنشاء أول أكاديمية لتدريب العمالة المحلية.
وتأتي الخطوة في ظل القيود المصرية المشددة على استقطاب العمالة الأجنبية والتي تلزم الشركات بألا يجاوز عدد العمال سقف 5 بالمئة من إجمالي العاملين في أي منشأة.
وتركز الأكاديمية في مراحلها الأولى على برامج التدريب والتأهيل على الأساليب الدولية للبناء وأعمال التشطيبات، بما يخدم حاجتها الملحة لتوافر العمالة في جميع مشروعاتها بنطاق العاصمة الإدارية الجديدة.
ونص خطاب الموافقة على أن تؤول ملكية الأكاديمية للهيئة وما عليها من مبان وأجهزة ومعدات بعد 7 سنوات كحد أقصى، وأن تقوم هيئة بترشيح العمالة لبرامج التدريب المختلفة.
ويتم منح المتدربين شهادات تساعدهم في الحصول على وظائف بمختلف الأنشطة الاقتصادية، فضلا عن أولوية توظيفهم بالشركة الصينية.
ويعاني أصحاب الأعمال بمصر من غياب العمالة المدربة، فالنظام التعليمي لا يواكب احتياجات المصانع، فضلا عن تراجع جودة التعليم الفني، وزيادة الفجوة بينه وبين احتياجات الأسواق.
وقال شريف الجبلي رئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات المصرية لـ “العرب”، “إننا في الغرفة نتلقى دائما شكاوى بشكل مستمر من المستثمرين، بسبب غياب العمالة الماهرة”.
وأوضح أن الأكاديمية فكرة مهمة ونجاحها مرهون بحصر واحتياجات القطاعات الاقتصادية، كي يتم تقديم برامج تدريبية تعزز المهارات التي تعاني المصانع من غيابها.
وفشل برنامج التدريب الصناعي التابع لوزارة التجارة والصناعة في توفير كوادر تلبي احتياجات الصناعة، رغم المنح التي توجه له، ما زاد الأمور تفاقما.
وأكد وليد هلال رئيس جمعية الصناعيين، أنهم يستقدمون عمالة من الهند وبنغلاديش منذ سنوات، بعد انتشار مركبات توك توك، والتي جذبت شريحة كبيرة من العمالة بالمصانع للعمل عليها، وأصبح هؤلاء العمال أصحاب أعمال، وتركوا مهنتهم الأساسية.
ورحب محمد جنيدي، نقيب المستثمرين الصناعيين، بخطوة تأسيس الأكاديمية الصينية، وقال لـ”العرب” إن “العامل المصري في حاجة إلى نقل العادات التي يتسم بها العامل الصيني، قبل الخبرات أو مهارات التدريب، فالثاني مُجد ويعمل بإخلاص”.
ولفت إلى أن صعود الاقتصاد الصيني على الساحة العالمية، لم يأت من فراغ، مطالبا بتركيز الأكاديمية على طلاب المدارس الفنية، البالغ عددها 1122 مدرسة، على أمل أن يتعلموا الانضباط الذي يُمكّنهم من إحداث نقلة اقتصادية في البلاد.
ويتوقع أن ترسي الأكاديمية، التي ستكون مدينة بدر البعيدة عن العاصمة بنحو 45 كلم مقرا لها، قيم الوقت إلى جانب المهارات الشخصية والفنية في مختلف المجالات، وهى من العوامل الغائبة لدى العامل المصري في معظم الأحوال.
واتجهت منظمات أعمال لتأسيس لجان للتشغيل لاستقطاب الشباب الذي لديه رغبة في العمل بالمصانع، إلا أن التحديات ما زالت قائمة.
وأوضح ريمون نبيل، رئيس لجنة التشغيل بجمعية مستثمري 6 أكتوبر، أن المستثمرين بحاجة ماسة إلى إقناع الشباب بفكرة العمل في المصانع لزيادة معدلات التشغيل والإنتاج. وقال لـ”العرب” إن “المنطقة الصناعية في مدينة 6 أكتوبر في حاجة إلى أكثر من 3 آلاف وظيفة، وهم يبحثون يوميا عن عمالة لتوظيفها”.
ويرجع ذلك إلى تدني مستويات الأجور في المصانع التي لا تلبي احتياجات الشباب، بعد موجة الغلاء التي طالت الكثير من السلع والخدمات وانتقلت بشكل كبير إلى قطاع النقل والمواصلات، فضلا عن غياب خطوط نقل مباشرة للمناطق الصناعية، الأمر الذي يعد طارداً للعمالة التي يتم استقدامها من خارج المدينة الصناعية.
ولفت محمد طوسون، خبير التنمية البشرية والتوظيف إلى أنهم يأملون أن تغير الأكاديمية من ثقافة العامل المصري وتشبعه بثقافة الصيني، وألا يغلب الطابع الأكاديمي على نشاطها.
وذكر لـ”العرب” أن الصورة السلبية التي ترسمها السينما عن العامل المصري من أهم العوامل المنفرة، ودأبت الدراما خلال السنوات الماضية على تقديم عمال المصانع بشكل مهين.
ودفع غياب العمالة الماهرة إلى منح أولوية للتكنولوجيا التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في الاستثمارات الجديدة وتوسعات المشروعات القائمة، نتيجة غياب الكوادر البشرية في بلد يعج بالبطالة.
وقال هشام كمال، رئيس جمعية مستثمري الألف مصنع بالقاهرة الجديدة، إن مشكلة العمالة ليست في التقنية والحصول على خبرات ومهارات، لكنها في عدم الولاء للمنشأة التي تعمل فيها.
وطالب في تصريحات لـ”العرب” بضرورة أن تبدأ الأكاديمية بتدريب العمالة في قطاعات التكنولوجيا والإلكترونيات والتصنيع، دون التركيز على الأساليب القديمة المتعلقة بالبناء وأعمال التشطيبات فقط.
وتحتاج مصر لتبني استراتيجية في المدارس الفنية، تركز على التكنولوجيا والاستفادة من تلك المدارس عبر تدريب الطلاب في المصانع خلال فترة دراستهم واعتماد تقدمهم في عمليات التدريب ضمن التقديرات الأساسية، بدلا من طرق التعليم التقليدية.