محمد عابس: الشعر عابر للعصور ورفيق الإنسان في هزائمه وانتصاراته

الشاعر السعودي يؤكد أن قدر الأدب والثقافة على مر العصور الدخول في مواجهات مختلفة مع التشدد وينتصرا.
الاثنين 2019/01/07
ازدادت الرقابة الذاتية لدى المبدعين

لا يهدأ الشاعر والإعلامي السعودي محمد عابس من العمل الإبداعي والثقافي، فهو متواجد على الدوام إما شاعرا مبدعا، وإما إعلاميا حصيفا، وإما إداريا ناجحا، وإما صحافيا مشاكسا. هكذا نذر نفسه لسنوات طويلة من العمل الثقافي الدؤوب في تجربة ثرية ومختلفة. “العرب” توقفت مع عابس في هذا الحوار حول الشعر والإعلام والمتغيرات السعودية الأخيرة.

بدأ الشاعر والإعلامي السعودي محمد عابس مشواره الأدبي منذ إصداره لأولى مجموعاته الشعرية بعنوان “الجمر ومفارش الروح” سنة 1993، لتتواصل مسيرته مع كتبه “فاكهة المرأة وخبز الرجل” سنة 2009، و”ثلاثية اللذة والموت” عام 2010، و”أكثر من ذاكرة” عام 2015. وبين يديه، حاليا، مجموعة أعمال شعرية مؤجلة، منها ديوان رابع يمثل تجربته في قصيدة النثر، ومشروع شعري للأطفال. ويفكر جديا في التقاعد المبكر والتفرغ للشعر وللكتابة وللحياة.

يرى محمد عابس في الشعر رئته التي يتنفس منها، وقلبه النابض، وعيونه التي يرى بها، وآذانه التي يسمع من خلالها، فهو في حياته أيقونة خالدة من الصعب تجاهلها أو نسيانها.

يقول عابس “الشعر ثيمة إنسانية عابرة للعصور والحضارات، رفيق الإنسان في هزائمه وانتصاراته، أحزانه وأفراحه، حربه وسلمه، تناقضاته وتجلياته، عواطفه وعلاقاته بالذوات والأشياء، عطاءاته وانكساراته، رؤيته للحياة والكون والوجود. لذلك أتوجه للشعر في حالاتي المختلفة فرحا وحزنا إيجابا وسلبا، في الألم والانكسار والفشل والإحباط، في رؤيتي للأشياء من حولي مهما كانت صغيرة ومهملة وهامشية”.

خيالات البسطاء

اشتغل عابس في الحقل الإعلامي والصحافي لسنوات طويلة، وشغل منصب المدير العام للأندية الأدبية حتى استقالته في شهر مايو 2018. ويرى أن الإعلام السعودي بمختلف فروعه المقروءة والمسموعة والمرئية شهد تطورا متسارعا خلال العقدين الماضيين، حيث يؤمن عابس بأنه لا توجد صحافة حرة بشكل كلي إلا في خيالات البسطاء، فهناك حرية نسبية تختلف من دولة إلى أخرى.

وعن الأندية الأدبية يقول عابس “هي مؤسسات ثقافية بدأ عدد منها منذ نحو أربعة عقود ثم زاد العدد إلى أن وصل إلى ستة عشر ناديا في مناطق المملكة، ولكل ناد مجلس إدارة مستقل، ولذلك تختلف النشاطات حسب الكم والكيف من ناد إلى آخر، وربما يلاحظ المتابع تميز ناد في المجلات الدورية المنشورة وناد آخر في النشاطات المنبرية وثالث في المطبوعات ورابع في الملتقيات وآخر محدود الفعاليات وهكذا، ولا شك أن الأديب والمثقف يأملان في توسيع النشاطات وتنويعها وتميزها وزيادة وتيرة التعاون بينها ولا سيما في مجال توزيع المطبوعات خارج السعودية وحضور المعارض الدولية بفاعلية والوقوف مع الأدباء والمثقفين ودعمهم في مختلف المجالات”.

الإبداع الجديد تنازل عن القضايا الكبرى التي ربما تستدعي تدخل الرقيب، واتجه إلى الأمور الإنسانية المهملة والمهمشة

ويتابع في الشأن نفسه “الأندية تحتاج إلى نقلات تطويرية ودماء شابة وأفكار جديدة لخدمة الأدب والثقافة وصناعها، وإبعاد من استغلوا بعض الثغرات في لوائحها ووصلوا إلى عضويتها وذلك من خلال تغيير اللوائح. كنت متابعا لها قبل عملي في إدارتها، ورغم محاولاتي التي نجح بعضها إلا أنني أعترف بأنني فشلت في النهاية لأن هناك من لا يريد النجاح للأندية بشكل عام ولي بشكل خاص، فكانت استقالتي وابتعادي عن الشؤون الثقافية لا بد منهما”.

بحكم طبيعة العمل الصحافي والإعلامي، الذي قام ويقوم به عابس، كان لا بد من التوقف معه حول الرقابة التي قد يتورط بها كشاعر ومثقف، وكيف رسم سقوف الحرية للكتاب رفضا أو إجازة للنشر وألا يضعه ذلك في مأزق؟ وكيف ينعكس ذلك عليه كمبدع يبحث عن فضاءات حرة للنص وللكتابة؟

يجيب الشاعر “الرقابة الذاتية لدى الكثير من المبدعين أصبحت هي الأكثر حضورا، وعلى الصعيد الشخصي خلال عملي في الصحافة أو الإذاعة أو الثقافة لم تكن الرقابة ضمن مهامي الوظيفية، بل كنت في صف المبدع، وأسعى إلى النشر وتقريب وجهات النظر بين الرقيب والمبدع. وأنا كغيري عانيت من تشدد الرقيب في سنوات مضت، وتنازلت عن نشر بعض النصوص وقتها ثم نشرتها بعد تغير الرقيب، كما أنني طبعت الديوان الأول والثالث خارج السعودية. الحرية منطقة مهمة لكل مبدع على الأقل ضمن الحد الأدنى، لأن هناك بعض المحاذير الدينية والسياسية في بعض الدول، والإبداع الجديد تنازل عن القضايا الكبرى التي ربما تستدعي تدخل الرقيب، واتجه إلى الأمور الهامشية والإنسانية والمهمل والمهمش والبسيط والعادي، ما جعله أكثر حرية وتنوعا وأعمق في التعامل مع الإنسان والحياة وأقرب للشعرية الصافية البعيدة عن الخطابية والمباشرة والتكرار والتقليد” .

الإبداع هو المنتصر

منذ سنوات والوجوه التنظيمية لمعرض الرياض للكتاب تتغيّر، حيث استبدلت بوجوه إدارية جديدة لتحل محل وجوه المنظمين الذين كانوا ينتمون إلى المشهد الثقافي من شعراء وروائيين وفنانين (كان عابس واحدا منهم). هذه التجربة دفعتني إلى سؤاله عن تقييمه لفعالية المعرض بعد هذه التغييرات الجوهرية في إدارته.

يقول عابس “لا شك أن معرض الرياض الدولي للكتاب منذ دورته الأولى شهد نموا وتوسعا في عدد الدور المشاركة وفي عدد العناوين وفي الفعاليات المصاحبة سواء البرنامج الثقافي أو برنامج الطفل أو المبادرات المختلفة أو عدد العناوين السعودية المنشورة سنويا، أو مشاركة مؤسسات المجتمع المدني فيه أو التوسع في مجال الكتاب الرقمي والخدمات اللوجستية في مقر المعرض والمبادرات، أو ضيوف المعرض والمدعوين له . ولكنه مؤخرا (منذ عدة سنوات) بسبب بعض الأسماء التنظيمية التي تم اختيارها، من خارج وداخل الوزارة، تخلى عن الكثير من النجاحات السابقة التي كان يجب أن يبني عليها ويطورها ويضيف إليها، وأخذ منحنى هابطا، وهذا مؤلم جدا خاصة للأسماء التي أسهمت في بناء المعرض منذ تأسيسه وراهنت على استمرارية نجاحاته”.

الأندية الثقافية في السعودية تحتاج اليوم إلى نقلات تطويرية ودماء شابة وأفكار جديدة لخدمة الأدب والثقافة وصناعها

حضر محمد عابس مؤتمر الأدباء السعوديين الثاني في مكة المكرمة كشاعر وإعلامي، وشارك في الثالث والرابع رئيسا للجنة الإعلامية وفي الخامس رئيسا للجنة التنظيمية، وهذا الأخير شهد تطورا ونجاحا كبيرا وغير مسبوق على مستوى البحوث المقدمة والنسبة الكبرى لمشاركة الشباب والسيدات وعدد ونوعية الضيوف والفعاليات المصاحبة والأوبريت الذي قدم لأول مرة في حفل الافتتاح.

وعن ذلك يقول “كان من ضمن توصيات المؤتمر إنشاء هيئة للثقافة وتم ذلك والحمد لله. وكذلك فصل الثقافة عن الإعلام وتم ذلك أيضا، وإنشاء رابطة للأدباء والكتاب مشروع تم العمل عليه لجمع الأدباء والكتاب تحت مظلة واحدة وتم الرفع بذلك الطلب للموافقة ومازال قيد الانتظار، ونتمنى أن يكون ضمن أجندة الوزارة الجديدة إن شاء الله”.

ويضيف “كما أتمنى على الوزارة الجديدة أن تعتمد روزنامة ثابتة الموعد كمعرض الكتاب، تشمل مؤتمر الأدباء وملتقى المثقفين ومناسبات أخرى كبيرة في مجالات المسرح والتشكيل والسينما والطفل وغيرها، كما تجب الاستفادة من أصحاب الخبرات على صعيد العمل الثقافي بمختلف فروعه، ويمكن ذلك عن طريق العقود السنوية والاستشارات ونحو ذلك لتتعاضد الخبرات مع اندفاع الشباب وطموحهم وحماسهم”.

ويختتم شاعرنا الحوار متحدثا عن تيار الصحوة قائلا “لعل من قدر الأدب والثقافة والفكر على مر العصور الدخول في مواجهات مختلفة مع المجتمع أو إحدى فئاته المتشددة دينيا أو سياسيا، ومهما طالت تلك المواجهات فهي تنتهي بانتصار الثقافة والأدب في النهاية، حتى لو انتصر الجانب المتشدد بعض الوقت.

15