أحمد الملا: أدباء الثمانينات في السعودية خرجوا بالشعلة من النفق

الشاعر السعودي يؤكد أن التحولات الأخيرة وضعت الشاهد على قبر "الصحوة"، وأن الشعر يمتلك القدرة الخارقة والمثالية على التغيير.
الأحد 2018/12/02
أحمد الملا: لا بد من تأسيس بنية ثقافية جديدة

منذ بداية الرحلة مع الشعر كان الشاعر السعودي أحمد الملا يتملك حماسا يخبره بأن الشعر قادر على تشكيل العالم وتغييره؛ وكأنه يمسك بين يديه بمزيج من الوهم الطفولي بقدرة الشعر على زحزحة الثوابت وتغيير مسار التاريخ، بل وهدم القبح الجاثم على الراهن، وإعادة بناء الأمل في أقصى جمالياته، لكنه – من وقت مبكر جدا- تخفف من الوهم واحتفظ بالطفولة، وأمسى بمخيلة أكثر حرية، تسعى إلى الجمال والتمتع متخففة من أعباء ومن متطلبات تعيش خارج راحة يده.

من خلال هذا السياق يرى الملا أن الشعراء عوالم من العزلة التي تجعل من تجاربهم ذات أبعاد مختلفة من شاعر إلى شاعر آخر حتى ولو كان مجايلا له، لهذا يقف الملا موقفا من المجايلة ومن التصنيفات الزمنية للشعراء، فلا يرى معنى للتصنيف المتداول على نحو شعراء السبعينات والثمانينات والتسعينات والألفية الجديدة، وهكذا.

يقول “أحيانا عند سماعي لتصنيفات التحقيب و’التجييل’ أتصور أن الشعراء في صف مدرسي، ويأخذون حصصا معلومة من منهج محدد. لكني أرى المسألة في إطارها العام، أن كل شاعر متفرد عن القياس بمن حوله، وكل ينهل من نبع لا يشبه نبع جاره. خاصة أننا عشنا في مرحلة منغلقة على ذاتها وكل شاعر هو شبه جزيرة معزولة عن أقرانه”.

يرى الملا أن الشعراء عوالم من العزلة التي تجعل من تجاربهم ذات أبعاد مختلفة من شاعر إلى شاعر آخر حتى ولو كان مجايلا له

ويتابع “أستطيع أن أقبل، على مضض، تصنيف جيل التسعينات وما بعده في حالة إجرائية نقدية، لأقول إن تأثرهم بمن سبقهم ليس بالضرورة بظاهره ولا بالتعاطي المباشر معه، بل إنه تأثر عميق بتلك المساحة الواسعة من الحرية التي حصلوا عليها، والتي لم تتحقق لهم لولا دفاع الشعراء السابقين وقتالهم لترسيخ الحداثة الشعرية، وزرع التنوع في المناخ الثقافي العام للمجتمع، كما أن الشعراء الذين ذكرتهم (يعني العلي والثبيتي والصيخان والحربي وفوزية أبوخالد وخديجة العمري والدميني) ساهموا في التحرر والتخلص من فكرة الاقتداء والتبعية مما هيأ لمن تلاهم الفرصة السانحة للتخلي عن سطوة السلف، إضافة إلى أنهم أعادوا الاعتبار إلى تنزيل اللغة إلى الحياة بعد أن كانت في علياء عصية على اللمس. لو لم تكن هناك أجيال سابقة صنعت الجسر لربما ما تيسر عبور من بعدهم بسهولة لا ينتبه العابرون إلى أهمية الجسر الذي عبروه”.

ويوضح الملا رأيه بالقول “إن جيل شعراء الثمانينات حفظوا لمن بعدهم شعلة النفق، وفي نفس الوقت لا أحبذ الاعتقاد بذاك التأثير الوحيد، لأنها فكرة مضادة للشعر، ومن يتوهم أن له كل التأثير على من يليه فهو يعيد لنا وهم السؤال الأول النابع من أن الشعر يمتلك القدرة الخارقة والمثالية على  التغيير”.

حكاية سينما سعودية

كل فنان رسم بألوانه وعزف بموسيقاه وصنع صورته
كل فنان رسم بألوانه وعزف بموسيقاه وصنع صورته

يعدّ ضيفنا أحمد الملا عرّابا للأفلام والسينما في السعودية، فمنذ عام 2008، شهدت المملكة تحت إدارته إطلاق أول مهرجان للأفلام السعودية، حيث عمل بشكل متواصل مع فريقه المحترف في إصدار عدة نسخ من المهرجان الذي فتح الباب إلى التجارب السعودية للانطلاق من المحيط المحلي إلى الأفق العربي والعالمي. فهو وأفراد فريقه يعملون عادة منذ نهاية كل دورة من المهرجان على الدورة التالية، ومع التغيرات الجديدة أعادوا النظر في طريقة التنظيم والإعداد، وهم يعملون الآن على النسخة الخامسة من مهرجان أفلام السعودية بشكل يتوافق مع المتغيرات وتطورها والاستفادة منها لما يضيف إلى الدورة القادمة ما يليق بها، حيث يَعِدُ الملا بأنها ستكون علامة فارقة.

وفي حديث ضيفنا عن هذه التجربة وعن المتغيّرات التي تحيط بها على مستوى تراكم الخبرات والوعي حيال الفيلم السعودي المعاصر، يقول “حسنا، ننتقل هنا من الإبداعي إلى الإداري. أولا، أعذرني عن عدم قبول كلمة عرّاب. تجربتي في تنشيط الأفلام السعودية بدأت في 2005 بنادي المنطقة الشرقية الأدبي، حيث استطاع مجلس الإدارة (حينذاك) إقرار العرض السينمائي لأول مرة في برامج المؤسسات الرسمية. وكنا نعرض فيلما عالميا كل أسبوع، ثم تطور الأمر إلى عروض أفلام سعودية تصحبها ندوات مع المخرجين. وبعد الإقبال الكبير من الجيل الشاب على الحضور لأول مرة إلى أروقة النادي، وتراكم المعرفة والصلة بين صناع الأفلام، تم الاتفاق بين النادي وجمعية الثقافة والفنون بالدمام على تنظيم أول نسخة من مهرجان أفلام السعودية في مايو 2008، وعقد في مقر الجمعية”.

ويتابع “بطبيعة الحال حينها، لم يكن من السهل تنظيم مهرجان يعتني بالسينما، حيث أن مفردة سينما كانت من المحظورات. وبعد استقالة أعضاء مجلس الإدارة بالنادي توقف المهرجان حتى عام 2015 ليعود عبر الجمعية أثناء إدارتي لها، واستمر متناميا لثلاث دورات متتالية. ونعمل الآن بشراكة بين الجمعية ومركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي إثراء، على إعداد النسخة الخامسة”.

تم تخطي إشكاليات ومعوقات أساسية كانت تعترض السينما السعودية، ونحن الآن في بداية العمل المؤسسي والرسمي

ويضيف في الشأن نفسه “قبل المهرجان، كانت هناك بدايات أفلام سعودية مستقلة، وينتجها مخرجون اعتمادا على مجهودات ذاتية بحتة، وجميع عروضها تتم في مهرجانات خارج السعودية، وخلال استمرار المهرجان في ثلاث دورات لاحظنا مدى الحماس لدى صناع الأفلام، ليس في توفر منصة وحيدة للعرض، بل تلك الدهشة المحفزة في الالتقاء بين صناع الأفلام والمهتمين والجمهور، ذاك الشغف الواعي بأهمية السينما وتلك المعرفة التي تحصل عليها المشاركون بقدرات فردية ومتابعات مستقلة. ساهم المهرجان في تشكيل مجاميع مهتمة بالإنتاج وحفزها على التنافس في المسابقات والعروض والدورات والورش التدريبية، كما ساهم في برمجة عروض أفلامها في مناسبات ثقافية داخل وخارج السعودية. كل ذلك والعمل السينمائي كان أشبه بالعمل تحت الأرض إذ لم يكن له أب شرعي يرعاه،  وفي نهاية 2017، ومع إطلاق رؤية 2030 تهاوت سدود الحواجز والممنوعات الفنية والثقافية وتشكلت أكثر من جهة تقوم الآن بدور الحاضنة والمطورة لهذا الفن. بطبيعة الحال تم تخطي إشكاليات ومعوقات أساسية كانت تعترض السينما السعودية، ونحن الآن في بداية العمل المؤسسي والرسمي الذي يحتضن الجهود ويطورها ويدعمها، لكني أرى تحديات هذه المرحلة مع اختلافها عن التحديات السابقة إلا أنها ليست سهلة أيضا”.

شاهد على قبر "الصحوة"

الأمل يفتح الباب ويعيد الهواء للناس ليتنفسوا
الأمل يفتح الباب ويعيد الهواء للناس ليتنفسوا

ينطلق ضيفنا في حديثه عن ارتداد تيار الصحوة من منظور إيجابي، حيث يقول “إذا رأينا الموقف الرسمي السعودي من الصحوة هو الشاهد الأخير على قبره، فإني أجزم بأن الشاهد الأول كان ولا يزال هو موقف المثقف وحلم الفنان خلال تلك المرحلة المظلمة، فما نراه الآن من ضوء ساطع في كل الميادين لم يتأت من فراغ، بل كان شعلة حافظت عليها قلة من القابضين عليها زمن التوحش ضد الفن والثقافة، وتدل على أننا في مجتمع لم ينطفئ، بل إنه عبر النفق أخيرا، ووجد ما يتمنى، وها هو ينهض”.

ويؤكد الملا أن كل إصرار على الإبداع في هذا الزمن هو استشراف للمستقبل وإيمان بالأمل، يقول “كل فنان رسم بألوانه وعزف بموسيقاه وصنع صورته وكتب قصيدته وروايته ومقالته في ظل الصحوة المهيمنة والرافضة لوجوده، كان في عمله الإبداعي يؤمن بأنه على حق وأن القادم أفضل، ويحلم بمجيئه. وها هو الأمل يفتح الباب ويعيد الهواء للناس ليتنفسوا معا”.

وفي سؤال ختامي عن استقلال وزارة الثقافة عن الإعلام، وعن الاستراتيجيات والتطلعات التي يأمل فيها المثقفون في المرحلة القادمة.

يجيب “التطلعات عديدة، والفراغ الذي عليها ملؤه كبير، ومن هذه التطلعات التخطيط المتوازي بين الآن والمستقبل؛ بين الضروري والأقل ضرورة، والممكن والمستحيل. الإدارة الثقافية واحد من أهم التحديات، إضافة إلى استثمار القدرات المتوفرة (وخاصة جمعية الثقافة والفنون) مع الاستثمار في الجديد. العمل على تأصيل المعرفة عبر إنشاء الأكاديميات الفنية والأدبية، الاهتمام بالكتاب والترجمة والقراءة، وإنشاء المراكز الثقافية في الأحياء والمحافظات، وتشجيع الثقافة والفن للخروج إلى الفضاء الاجتماعي العام. ثم التخطيط لبرامج تفرغ المبدع المختلفة. ومن الضروري الآن في سياق هذا كله الانتباه للعلاقة الغامضة بين الثقافة والترفيه”.

11