أزمة قطاع النسيج تجبر القاهرة على إنقاذ القطن المصري

أجبرت أزمة شركات الغزل والنسيج الحكومة المصرية على التدخل لإنقاذ محصول القطن، الذي شهد كسادا أدى لتراكم كميات كبيرة من إنتاج العامين الماضي والحالي في المخازن، في ظل شحّ السيولة لدى شركات الغزل ومحالج القطن.
القاهرة - رصدت البنوك الحكومية المصرية دعما ماليا لشركات الغزل والنسيج الخاسرة، لإنقاذ محصول القطن، الذي شهد إنتاجه كسادا بسبب عدم قدرة الشركات على شرائه من المزارعين.
واتفقت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي مع أكبر ثلاثة بنوك حكومية، وهي الأهلي ومصر والقاهرة، على حزمة إنقاذ بقيمة 225 مليون دولار بفائدة 12 بالمئة لشراء المحصول المحلي.
وقال عزالدين أبوستيت، وزير الزراعة، إن “الحكومة ستضمن الجمعية التعاونية الزراعية لمنتجي القطن لدى البنوك لتمويل تسويق القطن، كما تتحمّل الأعباء التي تقع على عاتق الخزانة العامة نتيجة هذا الضمان”.
ورصد البنك الأهلي، أكبر مؤسسة مالية بالبلاد، ملياري جنيه (112 مليون دولار) لشركات حليج وتجارة الأقطان خلال الموسم الحالي بزيادة قدرها 73 مليون دولار، مقارنة بالعام الماضي.
وأكد يحيى أبوالفتوح، نائب رئيس مجلس إدارة البنك، لـ”العرب” أن عدد الشركات المستفيدة من تمويل البنك بلغ 18 شركة منها 10 شركات حكومية.
ويتوقّع أن يصل الإنتاج هذا العام 2.5 مليون قنطار نتيجة زيادة المساحة المزروعة، والتي بلغت 336 ألف فدان، بالإضافة إلى وجود كميات متبقية من الموسم السابق وتصل لنحو 200 ألف قنطار من جميع الأصناف.
وزاد بنك مصر، حزمة تمويل شراء القطن بنحو 105 بالمئة إلى نحو 1.3 مليار جنيه (73 مليون دولار)، مقارنة بنحو 35 مليون دولار، فيما رصد بنك القاهرة الحصة المتبقية من قيمة الإنقاذ والتي تصل لنحو 40 مليون دولار.
ووفق تقدير مجدي طلبة، نائب رئيس المجلس الأعلى للصناعات النسيجية، تراجعت صادرات قطاع الغزل والمنسوجات المصرية بحوالي مليار دولار العام الماضي.
وتواجه مصر تواجه مشكلة منذ عقود في هذا القطاع، وهبطت صادراته من 3.7 مليار دولار إلى نحو 2.7 مليار دولار.
وأشار طلبة لـ”العرب” إلى أن فارق التكلفة في صناعة الغزل والنسيج بين مصر والدول الأخرى يصل لنحو 40 بالمئة، ما يضعف الموقف التنافسي في هذه الصناعة.
وقال “يتحكم في صناعة الغزل والنسيج جهات عدة، هي الزراعة والصناعة وقطاع الأعمال العام وغرفة الصناعة النسيجية والمجلس الأعلى للنسيج، ويبحث الجميع عن مصلحته أولا، وهذا المناخ لا يشجع على الاستثمار والتنمية”.
وتسبح شركات الغزل والنسيج والتي تعتمد على القطن المحلي في نهر من الخسائر، ورصدت وزارة قطاع الأعمال العام حزمة مالية لتطويرها بلغت قيمتها نحو 1.5 مليار دولار.وشكك اقتصاديون في نجاح هذه المبادرة ووصفوها بأنها “إهدار للموارد في ظل ارتفاع خسائر تشغيل شركات بليت أصولها، وتقادمت تكنولوجيا التصنيع بها”.
وكشف مركز معلومات قطاع الأعمال العام عن مؤشرات تظهر الخلل الهيكلي في هذه الشركات، إذ تلتهم الأجور 74 بالمئة من إجمالي حجم مبيعاتها للأسواق المحلية والخارجية، بينما يصل المتوسط عالميا لنحو 13 بالمئة، ما يؤكد الكارثة التي تواجهها هذه الشركات.
وأشار مفرح البلتاجي، عضو مجلس إدارة اتحاد مصدري الأقطان، إلى أن الحكومة المتسبب الرئيسي في أزمة القطن، وتركت المزارعين فريسة للجمعيات الزراعية التي تشتري القطن مقابل عمولة تصل لنحو 10 دولارات على قنطار القطن.
وقال لـ”العرب” إنه “من الأفضل ترك تجارة القطن لآليات العرض والطلب والسماح للتجار والشركات بشرائه من المزارعين مباشرة، بدلا من بيعه للجمعيات الزراعية المدعومة من وزارة الزراعة التي تحقق أرباحا طائلة”.
وبلغت ديون مصانع الغزل والنسيج الحكومية لبنك الاستثمار القومي وهو بنك الحكومة نحو 490 مليون دولار.
وذكر البلتاجي أن مصانع الغزل، تعتمد على القطن المستورد بشكل رئيسي، والشركات استهلكت 350 ألف قنطار قطن فقط العام الماضي، وهو رقم ضئيل بمقارنته مع حجم الإنتاج وصناعة الغزل والنسيج، فالشركات لو اعتمدت على القطن المحلي لن تستطيع بيع منتجاتها أو تصديرها بسبب ارتفاع أسعاره.
ولا تقوى المصانع المملوكة للدولة على منافسة القطاع الخاص، الذي يستحوذ عليه مستثمرين مصريين وسوريين، إلى جانب عدم قدرته على مسايرة المنافسة من حيث الجودة والسعر.
وكشف حسين أبوصدام، نقيب الفلاحين المصريين، أن الحكومة وعدتهم بشراء القطن بالسعر الذي أعلنته عند حوالي 152 دولارا بالنسبة لمحافظات وجه بحري (الدلتا) ونحو 140 دولارا لمحافظات الوجه قبلي (جنوب مصر).
وألمح لـ”العرب” إلى أن خطواتها تباطأت، ما دفع عديد من المزارعين إلى بيع القطن للتجار بسعر 2300 جنيه للقنطار (129 دولارا)، وهو أقل من السعر المعلن من قبل الحكومة خوصا من كساده كما حدث العام الماضي.
ويرى محمد المرشدي، رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات المصرية، أن المصانع لا تنتظر القطن المصري، لتسيير أعمالها، لكن المواصفات الفنية للمصنع، هي التي تحدد أسلوب العمل، فبعضها تعتمد على الإنتاج المحلي والغالبية تعتمد على المستورد.
وقال لـ”العرب” إن “بدء استلام القطن من الحكومة، لن يغير من سياسات عمل المصانع، فالشركات التي تعتمد على القطن المستورد، ستظل تعتمد عليه، لأن الفلاح يبيع محصوله من القطن وقت حصاده حتى ولو بالخسارة، فالقطن ليس سلعة استهلاكية يتم تخزينها.