تحليل سيميائي للخطاب السردي في أيقونة إخوان الصفاء

الباحث أحمد الحجري تناول في كتابه "أيقونة إخوان الصفا..." مجموعة من القضايا التمهيدية، التي شكلت نقطة ارتكاز أساسية، للدخول في عوالم تحليل الخطاب السردي.
السبت 2018/10/20
تفكيك سيميائية الشخصيات السردية وكينونتها الوجودية

من خلال كتابه “أيقونة إخوان الصفا: التحليل السيميائي للخطاب السردي في رسالة الحيوانات” اتخذ الباحث العماني أحمد الحجري من “رسالة الحيوانات” لإخوان الصفا أيقونةً قصصيةً، وعلامة فكريةً بارزة في فلسفة إخوان الصفاء، فهي -بحسب وصفه- أكبر الرسائل حجما، كما أنها تمثل عصارة فكرهم، وخلاصة أفكارهم ومعتقداتهم التي مرّروها من خلال الحكاية الخرافية المتضمّنة فيها، وقد مثّلت تلك الرسالة حلقة مهمة في سلسلة الحكايات التي أبدعها العرب في التراث، فهي تدلل على فتنة السرد وطواعيته في تمرير الأفكار، وبثّ المعتقدات التي من الصعوبة نشرها وإذاعتها بشكل صريح ودون مواربة في تلك الأزمنة والعصور، كما تعبّر عن بلاغة السرد عند العرب.

من أجل ذلك يرى الحجري أن أهمية هذا الموضوع تكمن في إماطة اللثام عن منظومة القيم والأفكار والمعاني المتجذرة في نظام الخطاب للنص الحكائي، كما أن الأهمية الأخرى -بحسب قوله- لهذا الكتاب تكمن في أنه يسلك مسلكا تطبيقيا في دراسة المتن الحكائي للرسالة، عبر عمليات الحفر والتنقيب في الأسس التي يشتغل عليها السرد داخل نسيج الحكاية.

يقول الحجري في مقدمة الكتاب “إن ما نسعى إليه من خلال هذا الكتاب هو: استكناه معاني النص، والبحث عن مضامينه، من خلال الاستفادة من منجزات نقد ما بعد الحداثة، ومعطيات تحليل الخطاب، فالتحليل السيميائي يتيح لنا توظيف آلياته في الحكاية، من أجل تفكيك البنى الدلالية، والسردية، والخطابية، في سيرورة تبدأ من المستويات العميقة إلى المستويات السطحية للنص، وصولا إلى تجلياته الخطابية”.

الكتاب يتناول إحدى رسائل إخوان الصفا باحثا عن مضامين نصها، مستفيدا في تحليله من منجزات نقد ما بعد الحداثة
الكتاب يتناول إحدى رسائل إخوان الصفا باحثا عن مضامين نصها، مستفيدا في تحليله من منجزات نقد ما بعد الحداثة

ويضيف “اعتمدت في مقاربة النص الحكائي لإخوان الصفاء على منهجية نقدية واضحة المعالم في تحليل النصوص السردية، حيث تستلهم الخطوط المنهجية العامة لنظرية السيميائيات السردية، كما تشكلت ملامحها الأولى عند ألجيرداس جوليان جريماس أولاً، ثم تكاملت عند تلامذته ومريديه (جوزيف كورتيس وجماعة إنتروفرن خاصة) أو ما بات يعرف بمدرسة باريس السيميائية. هذا بالإضافة إلى الاسترشاد بمقولات جيرار جينيت في السرديات، وفيليب هامون في دراسته السيميولوجية للشخصيات”.

يشتمل الكتاب -الصادر مؤخراً عن دار عرب في لندن- على أربعة فصول، حيث حاول الحجري بداية أن يفكّ شيفرة “إخوان الصفاء وخلان الوفاء” من خلال تقديم نبذة تعريفية موجزة لهذه الجماعة السرية، من حيث نشأتها ومنتسبيها، وهويتهم المذهبية، ومكان دعوتهم، كما قدّم تعريفاً برسائلهم من حيث عددها وأقسامها وطبعاتها وأثرها، متناولاً بالتعريف مدوّنة الكتاب، ومنها انطلق في البحث والتدقيق في العنوان الحقيقي للرسالة الثامنة، كما وضعه إخوان الصفاء بأنفسهم.

كما تناول المؤلف مجموعة من القضايا التمهيدية، التي شكلت نقطة ارتكاز أساسية، للدخول في عوالم تحليل الخطاب السردي، وقد جاءت هذه القضايا في ثلاثة مباحث، أولها تناول النسق الخطابي للحكاية الخرافية العربية في أصولها ونماذجها الأولى وحتى تشكل النسق الخطابي في رسالة الحيوانات، أما المبحث الثاني فقد بيّن فيه الحجري -بشكل إجمالي- أبرز التفاعلات النصية داخل شبكة النص المدروس المتولدة من تداخل المرجعيات والتعالقات النصية مع نصوص أخرى
سابقة على نص رسالة الحيوانات، أما المبحث الثالث فكان مخصّصا لدراسة الدلالات السيميائية للعتبات النصية لرسالة الحيوانات.

وفي الفصل الثالث الذي يمثّل عمود الكتاب -حسب وصف مؤلفه- حلل الباحث الخطاب السردي، انطلاقاً من تفكيك سيميائية البنى الدلالية والسردية للمتن الحكائي، في بنيتيه العميقة والسطحية، وقد جاء هذه الفصل في مبحثين، خصص الحجري الأول منهما لتحليل آليات توليد الدلالة كالأقطاب الدلالية، والمربعات السيميائية، أما المبحث الثاني فكان مخصّصا لدراسة شبكة العمليات السردية، عبر تقسيم النص إلى مقاطع سردية كبرى، ودراسة الأنموذج العاملي، والبرامج السردية في النص الحكائي.

واستكمل الحجري كتابه بتحليل الخطاب السردي، من خلال دراسة سيميائية البنى الخطابية والتجليات النصية، حيث قام بتفكيك سيميائية الشخصيات السردية وكينونتها الوجودية وأدوارها الثيمية. ليتناول إثر ذلك دراسة الزمان والفضاء باعتبارهما علامتين سيميائيتين، ودراسة اشتغال كل منهما داخل متن الحكاية.

14