نقّاد وكتّاب يناقشون "الأمن الثقافي" في العالم العربي

الشعور بأهمية الهوية الثقافية، وما تتعرض له من نخر داخلي وخارجي، هي مرحلة أساسية في الوعي بهذه الهوية، وبالأخطار التي تهددها وتنذرها بالطمس والذوبان.
الجمعة 2018/09/28
الهوية الثقافية مفهوم متعدد يحتاج من الباحثين إلى تفكيكه

عمّان- نظّمت مؤسسة عبدالحميد شومان في الأردن، ومؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية في الإمارات العربية المتحدة، الأربعاء والخميس 26 و27 سبتمبر الجاري، ملتقى “الأمن الثقافي” في مقر منتدى “شومان الثقافي” بعمّان، توزع على 6 جلسات نقاشية شاركت فيها نخبة من النقاد والكُتاب والباحثين العرب تلتها حوارات وتعقيبات.

تضمن اليوم الأول للملتقى ثلاث جلسات، اشتملت الأولى على ورقتين، أحداهما بعنوان “مفاهيم الثقافة ومشكلات الحصانة الثقافية في عصر العولمة”، قدمها الناقد محسن جاسم الموسوي (العراق)، والثانية بعنوان “العولمة في مواجهة الثقافة الوطنية” للكاتب حسن مدن (البحرين). وقُدمت في الجلسة الثانية ورقتان، الأولى للناقد مدحت الجيار (مصر) بعنوان “الثقافة بين الانغلاق والتبعية”، والثانية لعالم الاجتماع فريدريك معتوق (لبنان) بعنوان “القومية والدين نظرة في التأثر والتأثير”.

أما الجلسة الثالثة فقد اشتملت على ورقتين، الأولى للكاتب سعيد حمدان (الإمارات) بعنوان “الثقافة بوصفها فعلا مقاوما”، والثانية حول “الهوية الثقافية وتحصين الأمة من الذوبان” للناقد أحمد بوحسن (المغرب).

وتضمن اليوم الثاني للملتقى ثلاث جلسات أيضا، شارك في الأولى الباحث علي الطراح، المندوب السابق للكويت في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، بورقة عنوانها “دور المؤسسات الإعلامية والبرامج الجماهيرية في تنمية الوعي الثقافي”، والناقد حسين العوري (تونس) بورقة حملت عنوان “التراث ودوره في حفظ الهوية وتأصيلها”.

ملتقى "الأمن الثقافي" بتعاون إماراتي أردني يجمع مفكرين وكتابا عربا لنقاش أهم القضايا الثقافية الملحة اليوم

وشارك في الجلسة الثانية الباحث ووزير الثقافة الأردني الأسبق صلاح جرار بورقة حول “التعليم والأمن الثقافي”، والباحثة عفاف البطاينة (الأردن) بورقة حول “الرصيد المعرفي للأمن الثقافي”.

واشتملت الجلسة الثالثة على ثلاث ورقات، الأولى بعنوان “أثر الانفجار المعرفي والثورة التكنولوجية على اللغة العربية” للناقد سعد البازعي (السعودية)، والثانية بعنوان “توظيف شبكات التواصل الاجتماعي في التحصين المعرفي”، لوزير التعليم العالي في الأردن باسم الطويسي، وحملت الورقة الأخيرة عنوان “هل الأمن الثقافي استراتيجية دفاعية”، للباحثة بثينة الخالدي (تونس).

في برنامج اليوم الأول، الذي حضرته “العرب”، تحدث محسن جاسم الموسوي قائلا إن مفكري الثقافة يكتبون غالبا عند ظهور منعطفات معينة في تاريخ المجتمعات، على خلاف كتابات الفلاسفة والمفكرين خلال القرن الثامن عشر في أوروبا، مثلا. وأكد الموسوي أن قضية الأمن الثقافي باتت تندرج في عصر تكون فيه ثقافة المنثور المطبوع، والمجالسة والمشافهة، أمرا عرضيا إزاء تداول عاصف للمعلومات والمشاهد وعروض “الفرجة”، وهو تداول قابل للخرق والتأليف والتزوير والتدليس.

ورأى حسن مدن أن “التقنيات الحديثة، كما كانت الحال في فترة الثورة الصناعية، هي وسائل سيطرة ونفوذ بيد القوى النافذة القادرة على إخضاع العالم وغزو أسواقه ببضائعها، تحقيقا لأهدافها الخاصة”، وهذا الأمر يعني، في رأيه، أن البلدان المتخلفة ستظل متخلفة مهما سعت إلى مجاراة العالم المتقدم. ودعا إلى التخلص من نزعات الشعور بالدونية التي أملاها المركز الغربي عليها، ومن المشاعر الشوفينية التي تدفع إلى التزمت والتعصب، وإلى العنف أيضا.

ولفت مدحت الجيار إلى أن الأمن الثقافي يعني وجود ثقافة فاعلة وقادرة على حماية نفسها وحماية المؤمنين بها، ومستخدميها، لأن الخطر يأتي من الانغلاق الذي يمنع الثقافة من التمدد والنمو.

وبيّن فريدريك معتوق أن القوميّة والدين أسهما في لعبة مصالح سياسية، سرعان ما تحوّلت إلى لعبة استقواء واستضعاف، إذ تعتمد ثنائية القوميّة والدين، في طورها الأول، إشكاليّة تقارب تأتي انطلاقا من مصلحة غالبة لدى أحد الطرفين، فالحاجة تبدو متبادلة، غير أنه، عند التدقيق، يتضح أنها تأتي في لحظة يكون فيها أحد المكوّنين في حالة ضعف أو وهن، ومن ثم يحتاج إلى معاضدة.

قضية الأمن الثقافي باتت تندرج في عصر تكون فيه ثقافة المنثور المطبوع، والمجالسة والمشافهة، أمرا عرضيا إزاء تداول عاصف للمعلومات والمشاهد وعروض "الفرجة"

ورأى سعيد حمدان أن الثقافة كثيرا ما عانت من مشكلات أمنها الذاتي، وكان نطاقها القومي مدار اشتغالها وفاعليتها، حيث أن العولمة نفسها ما صارت كذلك، أي عولمة، إلا حين حملت على ركاب ثقافي وأنتجت ثقافتها العابرة للحدود. واعتبر أن السعادة والمستقبل والشباب مكونات للإسهام في صناعة الأمن الثقافي الذي تبحث عنه الدول المتطورة، كذلك التسامح الذي يُعدّ أهم مقومات الأمن الثقافي للتغلب على تياري العنف والإرهاب.

وأوضح حمدان، في هذا السياق، أن دولة الإمارات العربية المتحدة قامت بمشاريع استراتيجية تصب في مفهوم الأمن الثقافي، وهي مبادرة “عام 2016 عام القراءة”، لتمثل خطوة جديدة في مسيرة الدولة نحو ترسيخ ثقافة العلم والمعرفة والاطّلاع على ثقافات العالم. وأكد أحمد بوحسن أن الهوية الثقافية مفهوم متعدد يحتاج من الباحثين إلى تفكيكه، وتحليل مختلف علاقاته الداخلية والخارجية قبل الخوض في مختلف تجلياته في الأفراد والجماعات.

وأضاف أن الشعور بأهمية الهوية الثقافية، وما تتعرض له من نخر داخلي وخارجي، هي مرحلة أساسية في الوعي بهذه الهوية، وبالأخطار التي تهددها وتنذرها بالطمس والذوبان. وبيّن بوحسن أن تحصين الهوية يعتمد على تقوية الذات، وتمكينها من كل المقومات المادية والفكرية والعلمية والتقنية والتواصلية، وحمايتها من الطمس والذوبان.

يُذكر أن ملتقى “الأمن الثقافي” يأتي تنفيذا لمذكرة التفاهم بين مؤسستي “العويس” و”شومان”، الموقعة عام 2010، وتهدف إلى تنظيم فعاليات فنية وندوات فكرية وأسابيع ثقافية تعقد بين الإمارات والأردن.

15