من "وجدة" إلى "فرانكنشتاين".. هيفاء المنصور تعلن ميلادها العالمي

حين انطلق فيلم “وجدة” لـ المخرجة السعودية هيفاء المنصور في عام 2012 شكّل ظاهرة ثقافية استطاعت أن تحمل نسخة لمقاربات اجتماعية تحكي الواقع السعودي المنغلق في زمن الصحوة، لكن هذه الظاهرة سرعان ما تلاشت بسبب تلاحق الأفلام السينمائية السعودية التي تناولت مفارقات أكثر عمقا عن الواقع السوسيولوجي المعقّد في الداخل السعودي وعلاقته بمكوّناته الذكورية والسلطوية والدينية، الأمر الذي جعل من فيلم “وجدة” مجرد رقم في سلسلة طويلة من التجارب السينمائية.
ولم يستطع فيلم “وجدة” أن يحصد النجاح والشهرة لولا التوقيت الذكي، ولولا الجرأة الزمنية، ولولا ختمه بعبارة “صنع في السعودية” من مخرجة سعودية، ومن ممثلين سعوديين، هذا الختم القادر على تحويل نفسه إلى عصا سحرية في زمن غياب السينما.
والمنصور كانت تدرك ذلك جيدا، وكانت تعلم أن اللعب في هذه المنطقة لم يعد يهمّ أحدا من المتطفلين على صندوق السعودية المغلق، فما كان بالأمس محرما مرغوبا أصبح اليوم متاحا مهملا، لذا كان من المؤمل أن تتجه أعين المخرجين والمنتجين والفنانين إلى العمل على مناطق إنسانية متكئة على بعد روائي عميق في الداخل السعودي، لكن المنصور لم تفعل ذلك، بل اتجهت بتجربتها بعيدا، بعيدا لدرجة تمنحها القدرة على تقديم نفسها باعتبارها عالمية لا محلية، وهنا يتقدّم السؤال المشروع حول مدى قدرة المكوّنات ذات اللغة المحلية على تقديم المبدعين بصورة حقيقية للعالم.
مؤخرا، فتحت دور العرض السينمائية في العالم أبوابها على فيلم “ماري شيل” للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، والذي تدور أحداثه ليس في الرياض أو جدة أو الدمام وإنما في لندن، وإطاره الزمني ليس الصحوة والنفط، أو ما بعد الصحوة وما بعد النفط، وإنما ما بين 1797 و1851، حيث أوروبا، ونابليون بونابرت، والحرب الفرنسية الروسية العظمى، وحيث الحركات الثورية النسوية في بداياتها إلى الحد الذي منع بطلة الفيلم من كتابة اسمها على مؤلفها الأول.
لقد اختارت المنصور -بدعم وإنتاج من هوليوود- أن تذهب بتجربتها إلى فيلم تدور أحداثه في منطقة جديدة حول الحكاية الرومانتيكية العاصفة بين الروائية ماري وولستونكرافت غودوين وبين الشاعر الذائع الصيت بيرسي بيش شيلي، والتي ألهمت ماري إلى ميلاد التحفة الأدبية العالمية ذات البعد الغرائبي الرمزي المروّع “فرانكنشتاين” الرواية الصادرة عام 1818.
والفيلم ضم مجموعة كبيرة من النجوم العالميين، وأبرزهم: إيل فانينغ في دور المؤلفة ماري شيلي، ودوغلاس بوث الذي يجسد دور الشاعر بيرسي بيش شيلي، ومايسي ويليامز في دور إيزابيل بيكستر، وستيفن ديلان في دور ويليام غودوين، وتوم ستوريدج في دور الشاعر اللورد بايرون، وبيل باولي مجسدة دور كلير أخت ماري.
ولم يتحدث الفيلم عن فرانكنشتاين، وإنما عن الحكاية التي ألهمت مؤلفته في كتابته وتشكيله، وعن قرارها في أن يكون مسخا لا ملاكا.
وإذا ما قرأنا ما وراء صناعة الفيلم، وتوقفنا على شخصية “فرانكنشتاين” باعتباره صورة لنا، ولواقعنا المتشكّل من أشلاء متفرقة ليكون الناتج في منتهى البشاعة، فهذا الفيلم لم يبعد المنصور عن منطقتها العربية السعودية المغرقة في التابو والممنوع والمحرم، بل على العكس، فهو في حقيقته يتقاطع مع الواقع السعودي والعربي والإنساني بصورة عامة، فالحكاية التي ولّدت الوحش هي ذاتها الحكاية التي ولّدت واقعنا بكل تفاصيله، فنحن بما نملك من إرث ثقافي مشوّه من ولّد واقعنا الذي نعيشه الآن، ولا يمكن في حال من الأحوال أن يكون واقعنا طهرانيا أفلاطونيا، كما اقترح الشاعر شيلي أن يكون عليه فرانكنشتاين.
وهذه القصة -كما قيل عنها- ليست قصة رعب للتسلية فحسب، بل تتضمن مدلولات رمزية عميقة الجذور قد تقودنا إلى فهم ما نحن عليه من كراهية وحروب وتدمير ذاتي لكل مكتسباتنا الحضارية والثقافية التي كوّنا نتيجتها بأيدينا، كما فعل العالم فيكتور فرانكنشتاين في مخلوقه المشوّه.