صناعة التهريب تختطف العلاقات التجارية المصرية الليبية

القاهرة – تظهر الحركة الواسعة في سوق ليبيا في مدينة مرسى مطروح المصرية، التي تحظى بإقبال واسع من المصريين الواقع الجديد للعلاقات التجارية بين مصر وليبيا منذ انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بالزعيم معمر القذافي.
وتدور في كواليس السوق، رغم الرقابة الحكومية، صفقات لتهريب السلع والبضائع والأموال وتصريف العملات وصفقات أخرى تتعلق بالهجرة غير المشروعة. وتؤكد البيانات أن التجارة الرسمية انحدرت بنحو 65 بالمئة خلال تلك السنوات.
ويستغل المهربون تصاعد الأحداث السياسية والعسكرية على ليبيا لتوسيع نشاطهم داخل السوق المصرية من خلال معبر السلوم، الذي جعل المدينة قلعة لصناعة التهريب التي أربكت ما تبقى من العلاقات التجارية الرسمية.
وتشير التقديرات إلى أن التهريب عبر الحدود الليبية أصبح يمثل أكثر من نصف نشاط التهريب في مصر، الذي يقدره اقتصاديون بأكثر من مليار دولار سنويا.
وقالت مصادر بمصلحة الجمارك لـ“العرب” إن منفذ السلوم من أخطر المنافذ التي يتم من خلالها تهريب كافة أشكال البضائع والأموال، إضافة إلى أنه منفذ رئيسي للهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا.
وقال مجدي عبدالعزيز رئيس مصلحة الجمارك السابق لـ“العرب” إنه “تم تحرير نحو 80 ألف محضر تهريب بضائع خلال السنوات الثلاث الماضية بقيمة 750 مليون دولار”.
وقدر الخبير الاقتصادي خالد الشافي لـ“العرب” أنه يتم ضبط 15 بالمئة فقط من حجم السلع التي يتم تهريبها، وبالتالي فإن حجم البضائع المهربة خلال هذه السنوات الماضية يصل لنحو 5 مليارات دولار.
وتتنوع أشكال التهريب، وفق المتابعين، من خلال منذ السلوم لتشمل أيضا تهريب العملتين المصرية والليبية، حيث تلقى تجارة العملة رواجا كبيرا يتكامل مع نشاط عمليات التهريب.
وتستحوذ الأدوية على نحو 40 بالمئة من حركة تهريب البضائع تليها المخدرات بجميع أنواعها ثم المواد الغذائية، حيث يجري تهريب الأرز المصري الذي تمنع القاهرة تصديره، لينتقل عبر ليبيا إلى مختلف الأسواق الخارجية.
ويمثل سوق ليبيا بمدينة مرسى مطروح آخر محافظة مصرية متاخمة للحدود الليبية شاهدا على عمليات التهريب، حيث يعج بالبضائع التي يتم تهريبها من خلال ليبيا، وتشهد السوق إقبالا من قبل المصريين، الذين يزورونها لغرض التجارة أو قضاء إجازات الصيف.
وتنتظر القاهرة بفارغ الصبر عودة الاستقرار إلى ليبيا لاستئناف تعاونها التجاري بشكل رسمي وعلى نطاق كبير للاستفادة من علاقات الجوار والتشابكات الاجتماعية والاقتصادية لتعظيم مصالحها.
وتراجعت حركة التبادل التجاري بين البلدين إلى 850 مليون دولار العام الماضي، مقارنة بنحو 2.6 مليار دولار في عام 2010، بسبب الصراعات السياسية والعسكرية التي قوّضت عمل المؤسسات الاقتصادية في البلاد.
وسجلت الصادرات المصرية خلال الربع الأول من هذا العام تراجعا بنسبة 9.5 بالمئة لتصل إلى 93 مليون دولار، مقارنة بنحو 103 ملايين دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي.
وشهدت سنوات الأزمة الليبية ارتفاع الاستثمارات الليبية التي وصلت إلى 2.2 مليار دولار من خلال 991 شركة تتركز في قطاعات الفنادق والبترول والبنوك والمشاريع الزراعية. وبذلك تحتل ليبيا المركز الرابع في قائمة الاستثمارات العربية بعد الإمارات والسعودية والكويت.
وكانت ليبيا على مدى عقود من أهم أسواق مصر التقليدية حيث كانت الحركة التجارية تتركز عبر الخط التجاري البري الدولي عبر منفذ السلوم الحدودي بين البلدين.
ولا تزال مدن شرق ليبيا تعتمد على السوق المصرية في توفير ما يصل إلى 80 بالمئة من احتياجاتها وخاصة المواد الغذائية والسلع والأجهزة الكهربائية والأدوات الطبية والأدوية والمفروشات والأثاث المنزلي والمحاصيل الزراعية.
وتستأثر مواد البناء بالحصة الأكبر من حركة التجارة بين البلدين بنسبة 40 بالمئة، وسجلت صادراتها للسوق الليبية العام الماضي نحو 360 مليون دولار، حيث يعطي قرب المسافة ميزة للصادرات المصرية إذا ما بدأت عمليات إعادة إعمار ليبيا المتوقعة بعد عودة الهدوء والاستقرار.
وعرضت مصلحة التخطيط العمراني الليبية على لجنة التشييد بجمعية رجال الأعمال المصريين، احتياجات السوق في مجال الإسكان، وكشفت عن فجوة حجمها 400 ألف وحدة سكنية مطلوب بناء نحو 250 ألف وحدة منها فورا، إلى جانب 150 ألف وحدة على المدى المتوسط، ثم السير في خطة تستهدف بناء 30 ألف وحدة سنويا لمواجهة الزيادة السكانية.
وكشفت المصلحة أن هناك 15 ألف وحدة سكنية آيلة للسقوط وتحتاج إلى صيانة وإعادة تأهيل بسبب حالة الحرب التي شهدتها البلاد.
وقال طارق الإدريسي، رئيس الجانب الليبي في الجمعية الليبية المصرية لرجال الأعمال، إن “حركة التجارة المصرية مع ليبيا تشوبها حالة من الحذر، وسط ارتفاع المخاطر نتيجة الأوضاع غير المستقرة”.
وأكد لـ“العرب” أنهم يترقبون بدء إعادة إعمار ليبيا ليكون لمصر نصيب كبير في المشاركة، خاصة في قطاعات البنية التحتية، فضلا عن فتح الأبواب أمام المشروعات المشتركة.
ومن المتوقع أن تعزز تلك الخطوة عودة العمالة المصرية مجددا للسوق الليبية. وقدر خبراء مشاركة نحو مليوني عامل مصري في عمليات إعادة الإعمار نتيجة تأقلم تلك العمالة مع البيئة في ليبيا.
وأوضح الإدريسي أن رؤوس الأموال الليبية الخاصة قصدت السوق المصرية خلال الفترة الماضية، وتركزت في قطاع الرخام والصناعات الغذائية.
وكشف ناصر بيان، رئيس الجانب المصري في الجمعية المصرية الليبية لرجال الأعمال عن عقد لقاءات مشتركة كثيرة، استعدادا لاقتناص الفرص الاستثمارية المتاحة في ليبيا بعد إجراء الانتخابات المقررة في ديسمبر المقبل، وفقا للمبادرة الفرنسية الأخيرة.
وتوقع في تصريحات خاصة لـ“العرب” أن تسترد حركة التبادل التجاري عافيتها خلال الفترة المقبلة، تزامنا مع عمليات إعادة الإعمار، والتي سترفع الطلب على مختلف المنتجات المصرية، الأمر الذي يترتب علية مضاعفة الصادرات للسوق الليبية لمستويات عام 2010.
ووقعت ليبيا ومصر اتفاقية للتكامل الاقتصادي عام 1990 وتمّ تعديلها عام 2004، وبموجبها يتم إعفاء الصادرات المصرية من جميع الرسوم الجمركية والضرائب بشرط أن تحمل المنتجات شهادة منشأ مصرية ونسبة مكوّن محلي لا تقل عن 40 بالمئة.
وأوضح ميلاد معتوق، وزير النقل الليبي خلال مشاركته في اجتماعات وزراء النقل العرب في القاهرة مؤخرا، أن مصر وليبيا تبحثان تدشين خط ملاحي لتعزيز حركة التبادل التجاري، فضلا عن تدشين خط جديد للنقل البري عبر منفذ السلوم الذي يعدّ المعبر البري الوحيد لحركة التجارة بين البلدين.
وأكد حسين صبور، رئيس مكتب صبور للاستشارات الهندسية وأحد رجال الأعمال المصريين المستثمرين في ليبيا منذ ستينات القرن الماضي أن فرص مصر في عمليات إعادة الإعمار ستكون من خلال توريد بعض المواد الخام والعمالة فقط وأن الدول الكبرى ستستأثر بنصيب الأسد من كعكة عمليات إعادة الإعمار.
وقال لـ“العرب” إن مكتبه الاستشاري في طرابلس مغلق منذ اندلاع الحرب في ليبيا، وسوف يعاود نشاطه مجددا عقب توافر الاستقرار الأمني الذي يترقّبه الجميع.