الغش الإلكتروني صداع متواصل للمسؤولين عن التعليم في مصر

القاهرة - نجحت صفحات الغش الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي في اختراق “التحصينات” التي وضعتها الحكومة المصرية لتأمين امتحانات الثانوية العامة، ونشرت امتحان اللغة العربية، الذي أداه نحو 560 ألف طالب، الأحد، بعد مرور دقائق من توزيع أوراق الأسئلة على الطلاب داخل لجان الامتحان.
وبدأت الأحد، امتحانات الثانوية المصرية، المحطة الفاصلة بين مرحلتي التعليم الأساسي والجامعي، بامتحاني اللغة العربية والدينية، وتنتهي 1 يوليو المقبل، في 1777 لجنة، بمشاركة نحو 656 ألف طالب وطالبة في محافظات مصر الـ27.
وقام أحد الطلاب بمحافظة المنوفية (شمال القاهرة) بتصوير ورقة الامتحان وأرسلها لصفحات الغش الإلكتروني التي قامت بنشر الأسئلة وحلها للطلاب المتابعين لها، وذلك بعد نجاحهم في إدخال الهواتف المحمولة والتحايل على إجراءات التفتيش.
وباتت مواقع التواصل الاجتماعي خطرا حقيقيا يواجه التعليم في مصر، بعدما “تواطأ” معلمون وأساتذة لتكوين صفحات وغروبات خاصة تنشر كل ما يخص الامتحان وإجابته النموذجية.
ويشترك عدد كبير من طلاب الثانوية العامة والثانوية الأزهرية في صفحات الغش كمتابعين، خاصة بعدما نجحت قبل عامين في تسريب الامتحانات قبل موعدها الأصلي بساعات، إذ أصبحت في نظر أكثر الطلاب الوسيلة الأكثر سهولة في النجاح بمجاميع مرتفعة، عن طريق الغش الإلكتروني.
ويحمل تأسيس صفحات الغش في مصر بعدا اقتصاديا لأصحابها، حيث تعتبر فترة الامتحانات موسما مهما لجني مبالغ مالية طائلة نظير تسريب الأسئلة ومشاركة الطلاب في حلها ونشرها إليهم.
وتكون هناك مجموعات مغلقة على فيسبوك وواتسآب “يديرها أشخاص بعينهم، وهؤلاء يتفقوا مع أحد الطلاب على تصوير الامتحان وإرساله تمهيدا لحل الإجابات لأعضاء المجموعة، الذين يتم اختيارهم بعناية بعد التأكد من أنهم طلاب في الثانوية العامة، عن طريق إرسال صورة من بطاقة الهوية الامتحانية (رقم الجلوس).
ويتحصل مؤسسو هذه المجموعات على مكاسبهم المالية في صورة “بطاقات شحن للهواتف المحمولة”.
38 مليون مصري يستخدمون موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك
ومثّلت صفحات تسريب الامتحانات صداعا متواصلا للحكومات التي تعاقبت على مصر خلال الثماني سنوات الأخيرة، حيث فشلت كل محاولات تحصين الامتحانات من التصوير والنشر على المنصات الإلكترونية بعد دقائق معدودة من توزيعها على الطلاب.
ولجأت وزارة التربية والتعليم إلى وضع “كود سري مشفّر” بكل ورقة امتحان للوصول بسهولة إلى الطالب المتهم بالتصوير ومقر لجنته، وهو ما جعل القائمين على إدارة الامتحانات يتوصلوا إلى الطالب الذي نشر امتحان اللغة العربية الأحد، خلال ثلاث دقائق فقط.
وأزمة الحكومة في التعامل مع الغش الإلكتروني وتسريب الامتحانات، أنها تستخدم أساليب تقليدية في محاربة ظاهرة تعتمد على تكنولوجيا الجيل الرابع، حيث تكتفي بتفتيش الطلاب من خلال تمرير عصا إلكترونية على جسد الطلاب، وأكثرهم ينجح في الهرب ودخول اللجان في غفلة من القائمين على التفتيش.
ويستخدم الطلاب في مصر طرقا متعددة للغش الإلكتروني، أهمها الهواتف المحمولة مع سماعات الأذن متناهية الصغر، فضلا عن نوع من النظارات الطبية تحتوي كاميرا فيديو يصعب رؤيتها، وفي نهاية النظارة قرب الأذن. وتنقل الكاميرا ما يقرأ إلى أشخاص خارج اللجان عبر هواتفهم الذكية، ليقوموا بالبحث عن إجابة الأسئلة ونقلها مرة أخرى للطالب عبر سماعات الأذن.
ولا يبالي أكثر المتعاملين مع صفحات الغش الإلكتروني بالعقوبات الرادعة التي أقرتها الحكومة قبل عامين ضمن “قانون منع الإخلال بالامتحانات”، حيث يعاقب بالحبس حتى ثلاث سنوات كل من أذاع أو نشر أو روّج أسئلة وإجابات الثانوية.
كما يعاقب بإلغاء الامتحان كل طالب يضبط بحوزته هاتف محمول داخل اللجنة حتى لو كان مغلقا، بينما تُلغى كل الامتحانات لمن ثبت استخدامه الهاتف المحمول أو أجهزة الاتصالات الحديثة في الغش الإلكتروني، أو تصفح مواقع التواصل داخل اللجنة، مع إحالته إلى النيابة العامة لتطبيق عقوبة الحبس عليه.
وكان لافتا تفاعل عدد من طلاب الثانوية العامة والأزهرية من داخل اللجان مع صفحات الغش عن طريق هواتف ذكية، حيث تبادلوا الحديث مع بعضهم (الطلاب والأدمن) عبر تعليقات على منشور يخص أسئلة أو إجابات الامتحان.
وبدت طريقة التعليقات بين الطرفين أقرب إلى محادثة بين شخصين بينهما علاقة صداقة، من حيث تبادل الضحك والسخرية من إجراءات الرقابة، فضلا عن سلاسة الردود بين المتحدثين.
ورصدت “العرب” أن أحد الطلاب أرسل 18 استفسارا لأدمن صفحة “بالغش اتجمعنا” على فيسبوك، حيث كان يطلب إجابات لأجزاء بعينها ويسأل عن موعد نشر باقي النقاط، وكأن لجنته الامتحانية خالية من المراقبين.
وفي أحد التعليقات كتب الطالب أيمن علي يقول “المراقبون في لجنتي، واحد بيقرأ القرآن، والثاني بيلعب في الموبايل، الدنيا حلاوة..”.
وأثار التفاعل اللافت بين الطلاب ومسؤولي صفحات الغش الإلكتروني، استياء عدد من أولياء الأمور، وكتبت سماح مصطفى “هذه نوعية أطباء ومهندسين مصر في المستقبل يا حكومة”.
وقال رضا حجازي رئيس امتحانات الثانوية العامة لـ”العرب” إنه تم التواصل مع إدارة فيسبوك لغلق صفحات الغش الإلكتروني لأنها تهدد الأمن القومي المصري، والمشكلة أنه يصعب اختراق هذه الصفحات بسهولة لأنها محصنّة ضد التشويش أو الغلق.
ولا تكتف صفحات الغش بتسريب الامتحانات الحقيقية من داخل اللجان، بل تقوم ببث صور لامتحانات مزيفة، قبل موعدها بساعات، لإرباك الأجهزة الأمنية المسؤولة عن طباعة وتأمين وتوزيع الأسئلة.
ومساء السبت، ضجت صفحات التواصل الاجتماعي بصور لامتحان قيل إنه يخص اللغة العربية الذي امتحنه الطلاب الأحد، ما أحدث ارتباكا داخل وزارة التعليم، حتى تأكدت من عدم صحته وأصدرت بيانات صحافية لكشف الحقيقة.
وقال وليد حجاج الخبير في أمن وتكنولوجيا المعلومات لـ”العرب” إن المكاسب المادية التي يجنيها مؤسسو صفحات الغش أكبر حافز لهم على الاستمرار في هذه التجارة، لكن المشكلة الأكبر أنهم لا يكتفوا بذلك، بعدما أصبح تشويه صورة مؤسسات الحكومة وإظهار ضعفها في تأمين الامتحان هدفا رئيسيا لأكثر هؤلاء.
وتعد منصة فيسبوك الأبرز بمصر، وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت بالبلاد بلغ 50 مليونا، منهم 38 مليون شخص يستخدمون فيسبوك.