"الفجيرة تجمعنا" ملحمة بصرية تحكي قصة الإمارات

الفنان السوري ماهر صليبي يبهر جمهور مهرجان الفجيرة الدولي للفنون بعرض الافتتاح الذي حمل عنوان "الفجيرة تجمعنا" وشارك فيه 40 راقصا وراقصة.
الأربعاء 2018/03/07
عرض إماراتي بمواصفات عالمية

الفجيرة (الإمارات) – يسقط الكثير من المبدعين في التكرار لدى استمرارهم في القيام بذات الدور في أكثر من مناسبة، وينجو القليل فقط من السقوط في هذا المنزلق لاكتسابهم الدرع الفني الحقيقي الكفيل بخلق حالة من الإبداع مع كل محطة جديدة.

وتنطبق هذه الحال على الفنان السوري ماهر صليبي الذي استطاع رغم قيامه بإخراج حفل افتتاح مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما وللفنون في أربع مناسبات، أن يحدث حالة من الدهشة والإبهار في كل مرة تثير سيلا من التساؤل حول مردّ كل هذا الإمتاع وسر عدم الوقوع في التكرار رغم الوقوف عند نفس الباب، ولمعرفة كل هذا وغيره من التفاصيل كان لـ”العرب” هذا اللقاء مع ماهر صليبي مخرج وواضع السيناريو والسينوغرافيا لعرض افتتاح مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما وللفنون، ماهر صليبي الذي قال لـ”العرب” إن “الافتتاحات التي تعتمد الإبهار الكبير والاستعراض تتطلب العمل مع مجموعة كبيرة من الفرق والشركات، ممّا لا يلقي على عاتقي فقط مجرد مسؤولية، بل يثير في داخلي الهاجس الأهم والأكبر، حول ماذا سأقدم في هذا الافتتاح؟ وكيف سأقدم شيئا مختلفا جديدا لا يكرّر ما سبق من أفكار؟”.

 

شكل حفل افتتاح مهرجان الفجيرة الدولي للفنون في دورته الثانية التي اختتمت الاثنين، فضاء للتلاقي والتواصل وتمازج الثقافات بين الفنانين والجمهور تحت عنوان “الفجيرة تجمعنا”، وذلك بمشاركة 40 راقصا وراقصة، وبرؤية استعراضية وجاذبية سينمائية فريدتين أمنهما المخرج السوري ماهر صليبي. وأوبريت “الفجيرة تجمعنا” عن فكرة لمحمد سعيد الضنحاني وألحان الفنان الأردني وليد الهشيم، وبمشاركة نجوم الغناء الفنان الإماراتي حسين الجسمي، والفنانة المصرية أنغام، والفنان التونسي لطفي بوشناق، إضافة إلى نجم المسرح الإماراتي عبدالله مسعود. عن الحفل تحدثت “العرب” مع مخرجه الفنان السوري ماهر صليبي، فكان هذا الحوار.

ويجيب صليبي عن تساؤلاته، بقوله “العناصر الأساسية المكونة لأي فرجة متعلقة بافتتاح مهرجان من موسيقى ورقص أو إضاءة أو صوت كلها موجودة، ولكن المعطى الأهم هو كيف يمكنك استخدامها وتفعيلها، كيف يمكنك الانطلاق من هذه المكونات وتقديمها ليس فقط بشكل جديد ومختلف، بل وبلورتها بطريقة تفاجئ المشاهد، هذا حقا ما أفكّر فيه دائما لدى تحضيري لإخراج أي حفل افتتاح”.

وبالنسبة إلى هذه السنة، يوضح ماهر صليبي “أردنا أن يكون الافتتاح وطنيا بكل معنى الكلمة بتوجيهات من الشيخ راشد بن حمد الشرقي، رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والفنون، الذي دعا للسير في هذا الاتجاه وبدعم من محمد سعيد الضنحاني ومحمد سيف الأفخم، حتى نستطيع تحضير افتتاح وطني كبير برؤية عصرية وحديثة تتماهى مع هاجسي الشخصي لتكون عالمية، بمعنى كيف يمكننا أن ننطلق من جملة موسيقية من التراث الإماراتي لنحوّلها إلى جملة موسيقية عالمية تتجه للأوركسترا”.

افتتاح عالمي

المنحى العالمي، تحقّق فعليا في حفل افتتاح مهرجان الفجيرة الدولي للفنون لهذا العام، حيث كان الاتفاق على الاشتغال على الأوركسترا مع الموسيقي وليد الهشيم، ليتمكن صليبي من وضع موسيقى العرض بطابع عالمي حتى يصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس، على اعتبار أن المهرجان يستقطب ضيوفا من كل دول العالم ويعرض على محطات دولية، ويسترسل صليبي “كان يهمني أن يبدو العمل في ثوب أنيق جدا، وسعيت جاهدا لتجنب حدوث أي خطأ على خشبة المسرح”.

وحملت الأوبريت الغنائية “الفجيرة تجمعنا” لوحات غنائية من كلمات الشاعر محمد عبدالله وألحان وتوزيع وليد الهشيم، وسيناريو وسينوغرافيا وإخراج ماهر صليبي، وبمشاركة الفنان الإماراتي حسين الجسمي والفنانة المصرية أنغام والفنان التونسي لطفي بوشناق، وبإشراف عام من محمد سعيد الضنحاني.

ويؤكد صليبي أن الخوف يلازمه في أي افتتاح يعمل على إخراجه سواء للمهرجانات أو للتلفزيون أو المسرح، وذلك من منطلق عدم قدرته على استسهال ما يوكل إليه وشعوره بالمسؤولية التي تجعله يسعى في كل مرة لتقديم عمله في أبهى صورة، ويضيف “لهذا لا أذكر أن هناك افتتاحا ما أخرجته وخذلني، كان لكل افتتاح بهجته ورونقه الخاص”.

وسبق لصليبي أن أخرج افتتاح مهرجان الفجيرة بحلته المونودرامية، ليقدّمه هذا العام وهو جامع لعدد من الفنون، وعن الذي تغيّر بين الافتتاحين، يقول “في كل مرة كان الافتتاح يختلف من دورة إلى أخرى، فمثلا أول عرض أخرجته تم في فضاء صغير، ثم تقرّر في ما بعد التوجه لأماكن مفتوحة أكثر يمكننا أن نبني فيها مسرحا يسع جمهورا أكبر، ويقدّم فرجة مسرحية قوية، وهو ما تم بدءا من دورة سنة 2010، حيث تم الافتتاح بملعب تنس، وفي 2014 أنشأنا سفينة كبيرة على شاطئ البحر وتم العرض فيها وخلقت سينوغرافيا قوية واعتمدنا شاشات مائية، وفي كليهما كان هناك تركيز على خلق أجواء مرتبطة بالمونودراما، وعندما جئنا هذه السنة في سياق مهرجان فنون متنوّع كان التوجه ليكون افتتاحا ذا طابع وطني بالأساس، لكن في حال قمت بافتتاح آخر لمهرجان فنون، فقد أتجه للتركيز على أنواع مختلفة من الفنون في آن واحد على خشبة المسرح”.

ماهر صليبي: لا أذكر افتتاحا ما أخرجته وخذلني، كان لكل افتتاح بهجته ورونقه الخاص
ماهر صليبي: لا أذكر افتتاحا ما أخرجته وخذلني، كان لكل افتتاح بهجته ورونقه الخاص

ومهرجان الفجيرة الدولي للفنون، هو امتداد لمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما الذي انطلقت أولى فعالياته سنة 2003 (يقام كل سنتين) وتواصل حتى عام 2014 كتظاهرة غايتها ترسيخ حضور مسرح المونودراما على الساحة الثقافية العربية عموما والإماراتية خاصة، لكن وبدءا من دورة 2016 خرج المهرجان من حلته المونودرامية لينفتح على بقية الفنون الأخرى في مسعى لتطوير الحراك الثقافي عامة، وفتح المجال أمام أكبر عدد من الفنانين للتلاقي والتفاعل وتبادل الخبرات دون المساس بالمساحة المتميّزة للمونودراما ضمن الفعاليات.

وبعيدا عن حفل الافتتاح، كان حضور ماهر صليبي في دورة هذا العام ضمن لجنة قبول عروض المونودراما، لتسأله “العرب” لماذا لا نجدك تجسد دورا مونودراميا في مسرحية تقدّم للجمهور ضمن عروض المهرجان؟ فيجيب “اشتغلت كمخرج لعرض مونودرامي عنوانه ‘تحت السماء’ بطولة يارا صبري وقدّم في دبي، وكانت له انطباعات جيدة، لأنه كان يتحدّث عن الوجع السوري، عن أم سورية فقدت أبناءها في الحرب، ولكن الحقيقة لم أفكّر في أي لحظة أن أشتغل كممثل في عرض مونودرامي، قد مر الكثير من الوقت دون أن أقف على خشبة المسرح في إطار التمثيل، وبت أشعر أن الإخراج هو عالمي الجديد”.

ومع ذلك، يؤكد صليبي أنه في حال توفّر النص الجيد الذي يسمح له بتقديم رؤية مختلفة وجديدة، سيمكنه حينها أن يقدم على هذه المغامرة، قائلا “قد أكون حينها المخرج والممثل في آن، على ألّا يقتصر العرض على المهرجانات فحسب، بل نتجول به في قاعات عرض متنوعة، والحقيقة أنني لا أقف حاليا على نصوص قوية في المونودراما”.

انحسار الدراما السورية

يكشف ماهر صليبي أن النصوص المسرحية الجيدة باتت قليلة جدا، مُبررا هذا النقص بانتشار مواقع التواصل الاجتماعي والكاميرات والتلفزيون والسينما، الأمر الذي بات يجلب الناس أكثر من المسرح، “عدا أن الإنتاج المسرحي مكلف وغير مدعوم في معظم الدول العربية، وهذا له توابعه على الساحة المسرحية”.

وعن انحسار أدواره الدرامية في الفترة الأخيرة، تحديدا منذ الجزء الثاني من مسلسل “العراب”، أقرّ ماهر صليبي أن الحرب السورية أثّرت بشكل كبير على الدراما في وطنه، كما أثّرت على التعاطي مع الأعمال السورية من قبل المحطات الفضائية، مؤكدا أنه عليهم كفنانين سوريين انتظار نهاية الحرب حتى يعيد كلّ من موقعه ترميم الدراما السورية وإحياءها من جديد.

16