القاهرة تطمح إلى فتح حسابات مصرفية لجميع المصريين

القاهرة – أكد خبراء أن انتشار الأمية وضعف بنية الاتصالات يعدان تحديين أساسيين أمام مصر لدخول عصر الشمول المالي، وتقليل التعامل بالسيولة النقدية في الأسواق، ورفع كفاءة حركة الأموال بالمنظومة الاقتصادية في البلاد.
ويقصد بالمفهوم المبسط للشمول المالي أن تتم جميع المعاملات، مهما كانت قيمتها، من خلال وسائل الدفع المختلفة التي تمر عبر البنوك، سواء كانت من خلال بطاقات الائتمان أو الخصم أو المدفوعة مقدما أو الهاتف المحمول وغيرها.
وتشير تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن معدلات الأمية في البلاد تصل لنحو 29.7 بالمئة، بما يعني أن نحو 27.6 مليون مواطن لا يجيدون القراءة والكتابة.
ورغم أن عدد مشتركي الهاتف المحمول يتجاوز 100 مليون مشترك، لكن كفاءة وجودة الشبكات لا تشجعان على نشر التعامل بالمدفوعات عبر الهواتف الجوالة أو نشر ثقافة ما يعرف باسم “موبايل بانكينغ”.
|
ويسكن محمد محمود، وهو مواطن من القليوبية على بعد 35 كيلومترا من القاهرة ولكنه لا يستطيع القيام بمكالمة هاتفية وهو في منزله بسبب عدم تغطية شبكات شركات الاتصالات للمنطقة.
وقال لـ“العرب” “أضطر للخروج إلى الشارع أو السير مسافة كيلو متر بعيدا عن المنزل لإتمام المكالمة، ولن تجدي معي أي تعاملات أو مدفوعات من خلال المحمول”.
وتستهدف القاهرة من خلال مبادرة الشمول المالي جذب الاقتصاد غير الرسمي داخل المنظومة الرسمية، واستهداف الطبقات الفقيرة في الريف والمناطق النائية لضم معاملاتها داخل الجهاز المصرفي بمختلف الوسائل.
ومع تردي خدمات التليفون المحمول بات من الصعوبة رفع كفاءة معاملات هذه الفئات داخل المنظومة الرسمية للاقتصاد.
وقالت هالة السعيد وزيرة التخطيط لـ“العرب” إن “حجم الاقتصاد غير الرسمي بمصر يصل لنحو 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بالبلاد، لذلك تستهدف الحكومة من خلال مبادرات الشمول المالي زيادة مساهمة هذا الاقتصاد في المنظومة الرسمية وتعزيز موارد البلاد”.
وقدر البنك الدولي الناتج المحلي لمصر بنحو 336.3 مليار دولار، وبالتالي فإن حجم الاقتصاد غير الرسمي يصل لنحو 134.5 مليار دولار.
وتشير بيانات اتحاد المصارف العربية إلى أن تعاملات نحو 38 بالمئة من البالغين في العالم تتم خارج الأنظمة المصرفية، وهم يمثلون الأغلبية في دول جنوب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتعتبر تلك المناطق الأقل في التوعية بمفهوم الشمول المالي عالميا، إلى جانب ارتفاع معدلات الفقر بها، وهي غير قادرة على التعامل مع البنوك، بسبب ارتفاع التكاليف وبُعد المسافات بين السكن وفروع البنوك والمتطلبات المرهقة لفتح حساب مالي.
وتؤكد سعاد محمد، بائعة خضار بمنطقة الجيزة، صعوبة التعامل مع البنك لأنه يكلفها يوميا 10 جنيهات، ما يعادل نصف دولار تقريبا، إذ لا يوجد بنك قريب من سكنها، وعليها استخدام وسيلة مواصلات لتوريد حصيلة ما باعته للبنك يوميا وهي تكلفة لا تستطيع تحملها.
ووفق تقديرات البنك المركزي المصري، يصل عدد المواطنين الذين لديهم حسابات بالبنوك إلى نحو 17 مليون شخص فقط.
|
ويقول محمد بركات رئيس اتحاد المصارف العربية السابق لـ“العرب” إن نحو 18 بالمئة من السكان في المنطقة العربية لديهم حسابات مصرفية، مقارنة بنحو 43 بالمئة في الدول النامية.
وأسست القاهرة في فبراير الماضي أول مجلس قومي للمدفوعات الإلكترونية، بهدف خفض استخدام النقد خارج البنوك وتحفيز طرق الدفع الإلكتروني.
وبموجب قرار تأسيس المجلس عممت القاهرة صرف رواتب جميع الموظفين في القطاع العام والبالغ عددهم 5.9 مليون موظف، من خلال بطاقات خصم بنكية.
ويرى محمود منتصر نائب رئيس البنك الأهلي المصري أن الطريق لا يزال طويلا لتعميم مفهوم الشمول المالي.
وقال لـ“العرب” إنه “رغم أن البنوك بدأت في نشر هذه الثقافة، لكنها لن تستطيع بمفردها السير حيث نحتاج لمنظومة متكاملة تشمل التعليم في المدارس والجامعات ومنظمات المجتمع المدني”.
ووقع البنك الأهلي اتفاقا مع 14 جامعة حكومية لدفع مصروفات الطلاب بالبطاقات الذكية. ووصل عدد الطلبة الذين يتعاملون بالبطاقات نحو 205 آلاف طالب قاموا بنحو 200 ألف عملية الكترونية.
وأكد فخري الفقي مستشار رئيس صندوق النقد سابقا، ضرورة حسم القاهرة للجدل الدائر في مختلف أوساط المجتمع وتحديدا الطبقات الفقيرة حول تحريم التعامل مع البنوك وفوائد القروض والودائع.
وطالب في تصريحات لـ”العرب” بضرورة تشكيل لجنة من الأزهر وخبراء الاقتصاد وإعلان فتوى التعامل مع البنوك بشكل صريح، حتى لا يتم استغلال هذا الجدل في إبعاد تعاملات الطبقات المستهدفة بالشمول المالي عن النظام المصرفي.