رحيل علي أبوشادي صاحب المعارك الثقافية الساخنة

القاهرة – برحيل الكاتب والناقد السينمائي علي أبوشادي فقدت مصر نصيرا لحرية الرأي والإبداع، دفع أثمانا باهظة لقناعاته خلال تقلده مناصب إدارية بارزة في ميدان العمل الثقافي.
أبوشادي، الذي ترجل راحلا في ليلة باردة، الجمعة 16 فبراير، في منزله بالهرم عن 72 عاما، هو ناقد المعارك الساخنة بامتياز في حقول الثقافة والفن والفكر والعمل العام، ومؤرخ “الحالة السينمائية” في عصورها الذهبية بمصر عبر أبحاث جادة ومؤلفات توثيقية وتحليلية متعمقة.
حصل على ليسانس الآداب من جامعة عين شمس في 1966، وقدم آراءه الحرة وخاض سلسلة معاركه خلال رئاسته مواقع عدة، منها الرقابة على المصنفات الفنية، والمركز القومي للسينما، وعمل رئيسا لقطاع الإنتاج الثقافي، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة، وتولى منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة.
قدم مؤلفات أكاديمية وبحثية في النقد السينمائي، والتأريخ للحركة الفنية، منها “السينما التسجيلية في السبعينات”، “كلاسيكيات السينما العربية”، “السينما والسياسة”، “من أفلام التسعينات”، “اتجاهات السينما المصرية”، “الفن بين العمامة والدولة”، وغيرها.
كانت المعركة الأشهر التي خاضها أبوشادي، بسبب إيمانه بعدم وجود سقف لحرية الإبداع والنشر، في أثناء رئاسته مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة، في تلك الواقعة أحيل الرجل إلى التحقيق بسبب إصدار الهيئة رواية “وليمة لأعشاب البحر” للسوري حيدر حيدر، بما عُرف في العام 2000 بـ”أزمة الوليمة”.
من آرائه وأطروحاته الإصلاحية في ميدان الفن السابع أن تتجه الدولة لدعم صناعة السينما وتشجيع المنتجين من خلال مساعدات ومنح للسيناريوهات الجيدة
وجهت نيابة أمن الدولة العليا تهمة “نشر مطبوعة تدعو إلى العيب في الذات الإلهية والإساءة إلى الإسلام والأخلاق العامة” إلى المسؤولين عن سلسلة “آفاق الكتابة” التي صدرت عنها الرواية، ولم توجه التهمة ذاتها إلى أبوشادي بعد التحقيق معه، وثبت أن وظيفته لا تحمله مسؤولية النشر.
في 2001، تمت إقالته من رئاسة هيئة قصور الثقافة، بضغوط مباشرة من الرئيس الأسبق حسني مبارك على وزير ثقافته فاروق حسني، عقب ما تردد من إصدار الهيئة ثلاث روايات “تخدش الحياء العام ولا تتفق مع الآداب العامة”. وخضع الجميع وقتها لصوت التيارات الدينية المتشددة والإسلاميين.
واجه أبوشادي عواصف متلاحقة في أثناء إدارته للمواقع الثقافية المختلفة، بسبب إيمانه بحرية الرأي والإبداع، ودفاعه عن عرض الأفلام ونشر الكتب دون تدخل رقابي، حتى وهو على رأس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وفي أثناء رئاسته مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة.
وقدم مفهوما مغايرا للرقابة على المصنفات الفنية، تلك التي ظهرت في عشرينات القرن الماضي في عهد الاحتلال البريطاني كجهاز تابع للداخلية.
جسد الرجل صورة لما وصفه السينمائيون بأنه “الرقيب بلا مقص”، وكان يرى أن الرقابة ليس دورها المنع بقدر ما يجب أن تنشغل برصد وتفعيل المواءمة بين الفن والمجتمع.
في أثناء عمله رقيبا (1996 و1999، و2004 و2009)، أثيرت أزمات كثيرة، بسبب اعتراض التيارات المتشددة على أفلام أجنبية وعربية كان يسمح بعرضها دون أي حذف، خصوصا في مهرجان القاهرة السينمائي.
رأى أن مقص الرقيب إذا تدخل في أفلام جريئة يفسدها، طالما أنها تحمل مضامين إنسانية، مؤمنا بأن العمل الفني قادر دائما على قهر أي رقيب.
ولتأكيد آرائه كناقد ومواقفه كإداري في مناصرة حرية الطرح السينمائي الجريء، مهما بلغ تجاوزه الخطوط الحمراء، قدم كتابا كاملا عن المخرجة إيناس الدغيدي المثيرة للجدل بأفلامها التي توصف بالخارجة وأحيانا بالبذيئة.
عنون أبوشادي كتابه الصادر في 2016 بـ”إيناس الدغيدي على ضفاف الحرية”، وضمّن كتابه حوارا مطوّلا معها، مشيرا إلى أنها لا تزال على الشاطئ ولم تصل بعد إلى الحرية المنشودة.
وأثناء رئاسته المركز القومي للسينما، كان أبوشادي ينتصر لحرية التعبير والإبداع، وآمن بأن السينما مرآة حرة تعكس تاريخ مصر والعالم، وتشكل محركا قويا لبعث الثورات، والتوثيق لها.
ومن آرائه وأطروحاته الإصلاحية في ميدان الفن السابع أن تتجه الدولة لدعم صناعة السينما وتشجيع المنتجين من خلال مساعدات ومنح للسيناريوهات الجيدة، وتكون هناك متابعة لاحقة من الدولة لضمان إنجاز أعمال هادفة.
ورأى أن إعادة توزيع مواقع دور العرض السينمائي باتت ضرورة في ظل نقصها العددي، كما يجب تطوير المعاهد السينمائية، واستعادة فكرة “سينما الحي”، وعلى السينما المصرية أن تواجه احتكار السوق، وتلاحق الوثبة التكنولوجية العالمية، إذا أردت التطور.