يونثان غيفن الشاعر الإسرائيلي الذي ترحم عليه الفلسطينيون ولعنه الإسرائيليون

مبدع إنساني اختار الوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني رغم كل ما تعرض له.
الخميس 2024/04/18
الفنان والشاعر ينتصر للإنسان قبل الأيديولوجيا

هناك عدد من المثقفين والكتاب والمبدعين الإسرائيليين ممن يقفون ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والتنكيل بالفلسطينيين وتشريدهم في أراضي الشتات، هؤلاء يستحقون الإضاءة على تجاربهم التي يحاول الاحتلال التعتيم عليها وعلى انتصارها للإنساني والقيم الكونية، ومن هؤلاء الكاتب والفنان الإسرائيلي اليساري يونثان غيفن الذي تمر اليوم سنة على رحيله.

إن الأمر الذي يشكل حرجا بالغا لأي حكومة متطرفة، هو تسليط الضوء على المثقفين البارزين ممن يناقضون سياساتها ويقفون بوجه ظلمها وعسفها وعدوانها، وفي ذات الوقت هذا الأمر يقوي من لهجة أنصار السلام ودعاة التسوية في الطرف الفلسطيني، هذا الطرف الذي أكد على عقلانيته وعدم انجراره خلف الشعبوية والغوغائية ولولاه لكانت الضفة الغربية اليوم حالها كحال غزّة.

وبما أنّ إعلان وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الثلاثاء، عن تشكيل وحدة خاصة ضمن قوات الشرطة لملاحقة ناشطي اليسار الإسرائيلي والمتضامنين الدوليين مع الفلسطينيين بالضفة الغربية المحتلة، يدفعنا إلى تسليط الضوء بشكل أكبر على رموز الثقافة في معسكر اليسار الإسرائيلي.

رمز لإنسانية الثقافة

بمواقفه الإنسانية لم يعبأ غيفن بما سيحدث بحياته وبعد مماته رغم علمه بخطورة المجتمع الإسرائيلي وخاصة المتطرفين
بمواقفه الإنسانية لم يعبأ غيفن بما سيحدث بحياته وبعد مماته رغم علمه بخطورة المجتمع الإسرائيلي وخاصة المتطرفين

مضت سنة بالتحديد على رحيل الكاتب والفنان الإسرائيلي اليساري يونثان غيفن المصادف للسابع عشر من أبريل من العام الفائت عن عمر ناهز 76 عاما. وامتنع رئيس وزراء إسرائيل الحالي الغارق في الفساد بنيامين نتنياهو عن القيام بتأبينه، على الرغم من أهميته وتصنيفه كأبرز صحافيي وأدباء إسرائيل المعاصرين.

وعند سؤال ميكي زوهر وهو أحد أعضاء الليكود عن سبب عدم تأبين الشاعر اليساري من قِبل رئيس الوزراء أجاب “لم يؤبِّن نتنياهو يونثان غيفن لأن غيفن قال للقناة 12: ‘قُتل يوني أخو نتنياهو في عملية مطار عنتيبي الأوغندي عام 1976 خطأ’. أي كان من الأفضل أن يُقتل نتنياهو نفسُه ليتخلص منه الإسرائيليون، وألا يُقتل أخوه يوني”.

 من الواضح التعامل القاسي مع غيفن بعد وفاته، فقد تجاهل رحيله مختلف النخب السياسية من الموالاة والمعارضة الصهيونية، لأنهم يعتبرونه يساريا متطرفا، ومعاديا للصهيونية، ومؤيدا شجاعا للقضية الفلسطينية، وكونه شبه الاستعمار الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بالنازية.

وصلت شهرة يونثان غيفن عنان السماء كونه أحد أبرز محرري كتاب “التقصير” أو الفشل بعد حرب تشرين التحريرية/ حرب أكتوبر عام 1973، وهذا الكتاب أعدّه رفقة آخرين من الصحافيين الإسرائيليين، وقد مُنع توزيع الكتاب في إسرائيل، لأنه رصد فشل الجيش، وقد انتشر بين الجمهور الإسرائيلي انتشار النار في الهشيم ولاقى ردود فعل على أعلى المستويات.

والجدير بالذكر أن زوجة يونثان غيفن هي شقيقة وزير الجيش الأسبق، موشيه دايان. أضف إلى ذلك فيونثان غيفن يعتبر من أهم أعلام الثقافة والفن في إسرائيل، فهو شاعر وكاتب أغان وقصص للأطفال ويصفنه الكثير بأنّه يساري متطرف.

أيصدق أحد أن هناك شاعرا وصحافيا وفنانا إسرائيليا بقيمة يونثان غيفن كتب قصيدة في النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي أحمد الطيبي وقد شبهه بالملك داود الذي فتك بالطاغية جالوت، وعبّر في العديد من المرات عن احترامه وإعجابه الشديدين بشجاعة الطيبي وشخصيته الباسلة، بل أكثر من ذلك إنّ غيفن كتب قصيدة عن عهد التميمي ونعتها بـ”الفلسطينية التي صفعت الجندي الإسرائيلي في العام 2017″، وشبهها بأسطورة فرنسا في القرن الخامس عشر جان دارك، وشبهها بالطفلة اليهودية الأسطورة أنَّا فرانك.

وقد خطّ في قصيدته عنها “عهد التميمي هي جان دارك، وأنا فرانك، صَفْعتُها على وجه جندي الاحتلال تحكي قصة خمسين سنة من الإذلال”.

 كما قال في لقاء تلفزيوني “تستحق التميمي تقديرا كبيرا جدا، ولو كان لدى رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو القليل من العقل لكنت وجهته نحو السلام بشكل ما وكان سيقول إنه يرى التميمي بعين التقدير والاحترام الكبيرين لقيامها بصفع جنديين بشجاعة”. وردا على سؤال عما إذا كان يستطيع فهم “مخربين انتحاريين” قال غيفن “المنتحر الأول كان يهوديا يدعى شمشوم الجبار، وهو أول شهيد. لا أعرف لأي مستوى من الجنون يمكنك أن تبلغ بعد 50 عاما من اللجوء”.

بطل ضد الاحتلال

قصائد ومواقف وتصريحات الشاعر فتحت باب الانتقادات والتخوين بحقه كما ساهمت في حدوث الاعتداء عليه بالعنف

القصائد والمواقف والتصريحات فتحت باب الانتقادات والتخوين بحق يونثان غيفن، وهذا أمر لا يحتاج إلى استنتاج، حيث طالب الوزير أفيغدور ليبرمان بمنع كل أغانيه من النشر في راديو الجيش، ثم قالت وزيرة الثقافة والرياضة السابقة ميري ريغف “أنصحك يا غيفن أن تكتب شعرا وأغاني، ولكن بدون شعار الحرية لفلسطين، ليست عهد التميمي طفلة في روضة، بل هي مجرمة تدعو إلى الإرهاب، يجب سجنها”.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى الاعتداء اللفظي والجسدي عليه، حيث إنه في ربيع 2015، قام أحد المتطرفين اليمينيين بالتهجم عليه في منزله، قام ذلك المتطرف بالدق على باب بيت غيفن بهدوء، وعندما فتح يونثان الباب لكمه العنصري المتطرف ثم ألقاه على الأرض، وألقى عليه البيض وهو يصرخ “أيها اليساري القاتل الخائن”.

بعد حادثة الاعتداء على يونثان غيفن، قال ابنه الفنان أفيف غيفن وهو مغن مشهور “من السهل أن تؤذوا شخصا وتضربوه، ولكن من الصعب عليكم أن تقتلوا الفكرة”. يظهر بشكل جلي في هذا التصريح لأفيف غيفن، تطابقه مع أفكار والده وسيره على نهجه وسباحته ضد التيار، الأمر الذي يضعنا نحن الفلسطينيون أمام مسؤولية مهمة ولا يمكن التغاضي عنها ألا وهي تعريف الجمهور العربي والفلسطيني بهذه الشخصيات المتعاطفة معنا والمنافحة عن حقوقنا بشكل مستمر، فهؤلاء الأبطال يضعون الاحتلال وأشباهه والمتواطئين وحتى المتعاطفين معه في خانة المذنب.

 وبدورنا نرفع القبعة لهذه الشخصيات الكبيرة كيونثان غيفن الذي رفض اعتبار نكبتنا يوم استقلال دولته. بمواقفه هذه لم يعبأ غيفن بما سيحدث بحياته وبعد مماته وهو يعلم تمام العلم خطورة المجتمع الإسرائيلي وخاصة المتطرفين، وأنه سيكون خائنا بنظر غالبية مجتمعه الطارئ على الزمان والمكان الفلسطيني.

12