العالم من غير نظام المرشد الإيراني

كمون أذرع إيران يعود إلى عدم تلقيها أوامر بالتحرك، وفي حال تلقيها هكذا أوامر ستسارع لتنفيذها غير عابئة بالتفاهمات.
الأحد 2025/06/22
العالم في أغلبه ضد حكم خامنئي

في تاريخ 22 - 12 - 2024، أي بعد سقوط النظام الطائفي في سوريا بأسبوعين زمنيين، نشرت لي صحيفة “العرب” اللندنية، مقالةً عنوانها “ثمن بقاء النظام الإيراني” مفادها أن النظام في طهران يستشعر باقتراب الخطر الحقيقي الذي يهدد وجوده، ولكونه نظاما استبداديا قائما على الأيديولوجيا الدينية المتشددة سيقايض بكل شيء يملكه ليستمر في سدة الحكم؛ ولن يجد غضاضة في التخلي عن الميليشيات والأذرع الموالية له وحتى الصواريخ الباليستية والبرنامج النووي الذي استخدمه لابتزاز الغرب وتهديد العرب.

منذ السابع من أكتوبر، والأمور تسير في المسار الذي رسمته الولايات المتحدة وإسرائيل، وهذا المسار لا يسعى لتحقيق المصالح الإسرائيلية - الأميركية فقط، بل يتعدى ذلك ليشمل مصالح الغالبية العظمى لدول العالم المتقدم، حيث يسير الاتحاد الأوروبي في ذات الركب، وكان أوضح تعبير ما قاله المستشار الألماني بكل تجرّد وبلا مواربة عمّا أسماه بالحرب القذرة التي تخوضها إسرائيل نيابة عنهم.

ولعل الموقف العربي الجمعي، والذي لا يعبر عنه الساسة بشكل بيّن، يتطابق مع ما يبتغيه الغرب، وبالتدقيق بتصريح الرئيس الفرنسي أن العرض الأوروبي يشمل ثلاث قضايا، ألا وهي: البرنامج النووي، وأنشطة الصواريخ الباليستية، وتمويل الفصائل المسلحة في المنطقة. سنجد بسلاسة أن إسرائيل وأميركا والاتحاد الأوروبي والدول العربية، ليس فقط دول الخليج العربي بل ودول بلاد الشام الأربع والعراق واليمن ومن اكتووا بالعدوان الإيراني على بلدانهم، لهم نفس الأهداف، وهذا يعني أن العالم المتقدم والمتحضر يخوض نزاعا من خلف الستار مع الشرّ الإيراني الكامن في منطقة الشرق الأوسط.

هذه القضايا الثلاث أو لنقل بتعبير أوضح هذه الشروط الثلاثة التي إن تحققت على أرض الواقع ستسمح للنظام الإيراني الحالي بالبقاء، وتطيل عمره لفترة قصيرة وتبقيه على حافّة القبر، فتحقيقها قسرا من خلال العمل العسكري أو طواعية من خلال العمل الدبلوماسي، يعني أن النظام الثوري المتشدد اقترب إعلان وفاته.

وفي سياق متصل، لا يراهن الغرب فقط على المعارضة الإيرانية الخارجية وزعيمتها المتنوّرة مريم رجوي، بل يراهن بشكل أكبر على الدور الإيراني الداخلي للثورة ضد النظام وإسقاطه، مع العلم أن التربة الإيرانية خصبة لحدوث هذه الثورة، والضربات الإسرائيلية التي يتلقاها نظام خامنئي تحت الحزام بتحييد كبار القادة العسكريين، توهن المنظومة الحاكمة بشكل أكبر وتسهّل حدوث الانقلابات والانتفاضات الداخلية.

هذا ما يريده العالم المتحضر من النظام الإيراني ولا يناور في هذه الشروط. وفي اتجاه آخر كيف تتعامل إيران مع هذه الشروط؟

◙ الغرب لا يراهن فقط على المعارضة الإيرانية الخارجية وزعيمتها المتنوّرة مريم رجوي، بل يراهن بشكل أكبر على الدور الإيراني الداخلي للثورة ضد النظام وإسقاطه

تعلم إيران أن الحرب الحالية هي حرب عض الأصابع بينها وبين إسرائيل أي من يصرخ أولا، ولنضع بعين الاعتبار أن الخسائر البشرية المدنية الإيرانية لن تدفع النظام المتشدد إلى التنازلات، فهي لا تعنيه من قريب أو بعيد حاله كحال أيّ نظام قمعي، بالعكس من ذلك هي ستقدم له الذريعة ليتباكي على المنابر الأممية وليرتدي ثوب الضحية.

وفي المقابل من البيّن أن الحرب الإسرائيلية على إيران هي استكمال لحروبها السابقة ضد أذرعه في المنطقة، وهي تتركز على ضرب البرنامج النووي الإيراني، من مفاعلاته وعلمائه، واستهداف الصواريخ الباليستية، والقضاء على المنظومة التقنية والبشرية التي تقوم بتطويرها، وعليهِ؛ فالحرب تتركز ضد أهداف عسكرية وبشرية منتقاة وواضحة بشكل كبير لأيّ مراقب، حرب تهدف إلى تقويض أسس حكم المتشددين.

وبالمقابل لا تمتلك إيران سوى المسيّرات والصواريخ الباليستية التي تصيب أهدافا عشوائية مثل مستشفى سوروكا، ومجمعات مدنية، ما يعمّق الورطة الإيرانية، ويضيف إلى الأسباب الإسرائيلية أسبابا أخرى منطقية لتبرير الهجوم على إيران. وفضلا عن التفوّق الجوي، هناك جيش للموساد الإسرائيلي على الأرض وهو جيش على أعلى مستوى؛ يقوم بتصنيع المسيّرات ويستهدف العلماء والقادة، ويشتبك علانية مع الحرس الثوري الإيراني في الشوارع العامة.

أما بخصوص أذرع إيران في المنطقة، فكمونها اليوم ليس احتراما منها للتفاهمات مع حكوماتها وأعني هنا حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق أو حتى الحوثي الذي استسلم للولايات المتحدة قبل عدة أسابيع، بل بسبب عدم تلقيها أيّ أوامر إيرانية بالتحرك، وفي حال تلقيها هكذا أوامر ستسارع لتنفيذ الأوامر بالسمع والطاعة، وتلقي بالتفاهمات السياسية ومصالح شعبها في سلة المهملات.

ولكي ينتهي هذا الكابوس المرتسم بسرطان إيران الميليشياوي في الدول العربية، على الدول العربية التحرك بشكل أكبر، لإضعاف المنظومة الحاكمة في طهران، وخلق المزيد من الفوضى والاضطرابات على الأرض، عبر دعم الثائرين في الأحواز، وتقديم الدعم العسكري المباشر لهم، وخلق مجموعات موالية للعرب على الأرض تهدف إلى الانفصال عن إيران، أي مقارعة إيران بذات الأساليب والطرق التي استخدمتها لإضعاف المنطقة العربية والتغلغل بها لتتمكن من الهيمنة عليها.

ومن هنا يصبح العرب لاعبين أساسيين في المنطقة، وأيّ تفاهمات تجري مع هذا النظام المهلهل الذي يترنح على حافة الهاوية أو من سيخلفه، ستأخذ بعين الاعتبار المطالب العربية، طبعا إذا وضعنا فرضية يكون بها النظام القادم على غرار نظام الشاه المعادي لدول الخليج العربي والصديق لإسرائيل والغرب وهذا غير مستبعد، ومن هنا توضع المصالح العربية في الحسبان، وتؤسس لموقف عربي قوي لاستعادة الجزر الإماراتية الثلاث، والأحواز للعراق.

5