نحو إسقاط نظام الملالي في إيران

الضربات التي تلقاها النظام الإيراني زعزعت كرسي الملالي ليس فقط بسبب القوة العسكرية الهائلة التي استخدمتها إسرائيل بل لسبب آخر هو تجذّر وعمق الاختراق الأميركي والإسرائيلي لنظام إيران الأمني.
الجمعة 2025/06/20
ترويض الأسد.. الصاعد

من نافل القول إن السياسة الأميركية الحالية تهدف إلى إعادة رسم خطوط التماس في منطقة الشرق الأوسط ككل، سياسة حازمة تهدف إلى إعادة إيران بشكل رئيسي خلف الحدود؛ عبر إنهاك ومن ثم القضاء على أذرعها وحصونها المتقدمة، حتى يتسنى لها نقل المعركة إلى داخل إيران. وهذا ظهر بإضعاف كل من حماس والجهاد في غزّة، ومن ثم حزب الله في لبنان، وميليشيا الحوثي في اليمن، وكبح جماح الميليشيات الشيعية في العراق، وإسقاط النظام السوري البعثي، ومن ثم العمل الدؤوب على إسقاط النظام الإيراني عبر استخدام رأس حربتها في المنطقة، إسرائيل، وإن تعذر الأمر ستتدخل هي.

تختلف السياسة الأميركية في التعامل مع الميليشيات والدول الموالية لإيران، فهي تضعف الميليشيات وتحدّ من هيمنتها، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى تعزيز دور الدولة الوطنية، الأمر الذي لاقى ترحيبًا شعبيًا وعربيًا ودوليًا ملموسًا في لبنان والعراق واليمن؛ أمّا إذا كانت المشكلة تكمن في الأنظمة التي تحكم الدول، مثل سوريا وإيران، فهي لن تتوانى عن إسقاط الأنظمة فيها وإفساح المجال لأنظمة غير معادية لها أو قريبة منها.

السقوط المنتظر لن تحصد ثماره فقط إسرائيل وأميركا والغرب عمومًا، بل الدول العربية أيضًا التي عانت من المشروع الفارسي التخريبي في المنطقة والعبث بسيادتها

فلو قلّبنا النظر في سوريا اليوم، لوجدنا أن الدولة فتحت باب الاستثمار للشركات الأميركية؛ والجيش السوري انتقل من الاعتماد في تسليحه من المعسكر الشرقي إلى المعسكر الغربي، والأميركي بالتحديد، ما حقق لها العديد من المكاسب الأمنية والاقتصادية أيضًا.

هذا التغيير الكبير، الذي ترسم خارطته الولايات المتحدة من وراء الستار وتعمل فيه إسرائيل كرأس حربة مُعلنة، يُطوّق الأخيرة بحزام أمني غير معادٍ لها، ويحمل أبعادًا إيجابية في ظل الصراع المشتعل مع إيران.

حدود إسرائيل مع لبنان أضحت هادئة بعد طلب الحكومة اللبنانية من حزب الله بشكل واضح عدم التدخل، والنظام السوري يركّز جهوده على الاقتصاد وإعادة الإعمار بشكل رئيسي، وعدوّه اللدود هو نظام الملالي في طهران. وبالتالي، لو فرضنا جدلًا أن إسرائيل لم تدمّر دفاعاته الجوية بعد سقوط نظام الأسد، لقام بدور فعّال في إسقاط المسيّرات والصواريخ الإيرانية، حرصًا منه على عدم انتهاك سيادته، كما يفعل الجيش في المملكة الأردنية الهاشمية.

ومن المؤكد أن الشعب السوري، الذي انبثقت منه القيادة السورية الحالية، يكنّ كرهًا عميقًا لإيران بسبب دعمها للأسد، وحيلولتها دون إسقاط نظامه؛ وهنا أعني حين كانت قوات المعارضة تبعد مئات الأمتار عن القصر الجمهوري، وهذا أمر لا يحتاج لاستنتاج.

ما حصل في سوريا، بعد فرار الأسد إلى موسكو وتسلّم المعارضة زمام الحكم دون حدوث الفوضى، يشجع على تحقيق الهدف الأميركي المنشود بسقوط الدولة المتشددة في طهران

وعليهِ، فالهدف الأميركي الحالي واضح، وهو إسقاط نظام الملالي في طهران، ولا يستبعد أن تسبق ذلك محاولة لاغتيال المرشد الأعلى علي خامنئي؛ الأمر الذي سيتيح لأميركا تفكيك البرنامج النووي الإيراني – دون الحاجة إلى توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية – لما يحمله من مخاطر محتملة، مع التدمير التام للصواريخ الباليستية. وإن تعذّر إسقاط النظام بالسرعة المطلوبة، فلن تتوانى إسرائيل وحاملات الطائرات الأميركية عن استهداف أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض.

ما حصل في سوريا، بعد فرار الأسد إلى موسكو وتسلّم المعارضة زمام الحكم دون حدوث الفوضى، يشجع على تحقيق الهدف الأميركي المنشود بسقوط الدولة المتشددة في طهران. ومن الوارد أن تشهد المنطقة والعالم بأسره سقوطًا متسارعًا لنظام الحكم في إيران؛ يشبه إلى حدّ كبير سقوط نظام الأسد في سوريا خلال فترة زمنية قصيرة وبشكلٍ مفاجئ.

الضربات القوية الأخيرة التي تلقاها النظام الإيراني زعزعت كرسي الملالي، ليس فقط بسبب القوة العسكرية الهائلة التي استخدمتها إسرائيل، وتفوّقها العسكري واللوجستي والتقني؛ بل لسبب آخر، ألا وهو تجذّر وعمق الاختراق الأميركي والإسرائيلي لنظام إيران الأمني، وانتشار عملاء الموساد على كامل رقعة إيران الجغرافية.

السقوط المنتظر لن تحصد ثماره فقط إسرائيل وأميركا والغرب عمومًا، بل الدول العربية أيضًا التي عانت من المشروع الفارسي التخريبي في المنطقة والعبث بسيادتها؛ حيث إنه يسرّع من تسليم حزب الله لسلاحه في لبنان، ويُضعف الحوثيين في اليمن بشكل أكبر، ويساعد العراق على الخلاص من ربقة التبعية لإيران.

وهنا، تتلاقى المصالح العربية والغربية بوضوح، وتستعيد الدولة الوطنية كلمتها العليا، وينتفي المبرر لوجود ميليشيات مذهبية كحزب الله والحوثي والحشد الشعبي في الشرق الأوسط. وستُسوّر إسرائيل نفسها بأنظمة غير معادية لها في الحد الأدنى، بل وربما تُوقّع معها اتفاقيات سلام مستقبلًا.

9